العدد الثاني

أبواب المجلة

افتتاحية

بسم الله الرحمن الرحيم

الافتتاحيّة

 هذا العدد الثاني من مجلّتنا العريب التي نطمح أن "تكون نافذة رحبة للمثقفين والأدباء المبدعين، والمعنيين بلغتنا السمحة المرنة، كما نطمح أن تكون منبراً حرّاً يعبّر من خلاله الباحثون واللغويّون عن أفكارهم، وتطلعاتهم، ومشاعرهم ورؤاهم، وإبداعاتهم في مجالات اللغة والأدب كافة، في هذا العدد تقرأون عَلاقة اللغة بالثقافة؛ إذ يشتبه الأمر على الباحثين في الفكر الإنساني، ومنهم اللغويون فيرى بعضهم أن اللغة وعاء الفكر، وبعضهم جعلها الفكرَ ذاته، فأيّ المفهومين أصح؟ كما تطّلعون على التطبيق اللغوي في بعض ألفاظ القرآن، لأن ّالنصوص اللغوية تعدّ مصدراً من مصادر التقعيد اللغوي، وقد شغلت هذه النصوص اهتمام الباحثين والدارسين قديماً وحديثاً. ويأتي (القرآن الكريم) في مقدّمة هذه النصوص بعد أن بلغ من الفصاحة ذروتها، فضلاً عن أنّه أصدق نصّ لغوي محكم لا يأتيه الباطل من بين يديه، أو من خلفه؛ لذا أجمعت الروايات التاريخية: على أنّ السبب في وضع النحو العربي ليس اللحن الذي فشا على ألسن المتكلمين بقدر ما هو الخوف على القرآن الكريم من أن تمتدّ إليه يد التحريف بعد انتشار الإسلام في بيئات غير عربيّة، ودخول غير العرب في الدين الجديد، لقد وقف التطبيق عند موادّ كَتَبَ، ولَحَن ، وطَفَل، وغيرها لكي يسلّط الضوء عليها ، لقد جاءت هذه التحليلات مجتمعة، وإن اختلفت مفردات ألفاظها لتبيان أن الكلمة إذا كانت هي اللفظ الموضوع لمعنى مفرد، فهل تُحمل على معناها الظاهر دائماً، وخاصة ألفاظ القرآن الكريم؟  وفي هذا العدد أيضا نقف عند بلاغة المثل في الحديث الشريف لِمَا امتاز بجملة من الخصائص لا تخرج عن الغرض العام لرسالة الإسلام، وهي نشر دين الله الحق وتعليم مبادئه للناس، ولذلك كانت مهمة التبليغ هي الوظيفة الأساسية والميزة البارزة في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع كمال التبليغ، أوتي الرسول جمال البلاغة، وروعتها، فأصبحت أحاديثه الكثيرة أمثالا سائرة، تحفظها العقول، وتتعلق بها القلوب، وتأنس لها النفوس، لما امتازت به من عمق المعنى وصحته، وحسن الصياغة وجمالها، وروعة البيان وأصالته...كما في هذا العدد نناقش القول بأن اللغة العربية لغة “ذكورية” وبأنها “منحازة” للرجل يعني، على الأقل ضمنا، أنها لغة “غير منصفة” للمرأة، ولو كانت كذلك لما كان من المنطقي أن تكون الوعاء اللفظي الذي نزل فيه القرآن الكريم الذي يخاطب الرجل والمرأة معا بآيات تنص على حقوقهما وواجباتهما.....

كما نقف عند صورة العدل النمطية في اللغة، والأدب، وكيف اتضحت صورته من خلال أشعار وحكم، ومواقف تجسّد العدل في حياة من سبقنا، ونرسو في النهاية على شاطئ الإبداع لنستمتع بما أبدعته قريحة الشعراء في سجونهم.....

بلسان مبين

بسم الله الرحمن الرحيم

التطبيق اللغوي في بعض ألفاظ القرآن

قال تعالى:

((آلر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِير)) سورة هود الآية 1

تعدّ النصوص اللغوية مصدراً من مصادر التقعيد اللغوي، وقد شغلت هذه النصوص اهتمام الباحثين والدارسين قديماً وحديثاً. ويأتي (القرآن الكريم) في مقدّمة هذه النصوص بعد أن بلغ من الفصاحة ذروتها، فضلاً عن أنّه أصدق نصّ لغوي محكم لا يأتيه الباطل من بين يديه، أو من خلفه؛ لذا أجمعت الروايات التاريخية: على أنّ السبب في وضع النحو العربي ليس اللحن الذي فشا على ألسن المتكلمين بقدر ما هو الخوف على القرآن الكريم من أن تمتدّ إليه يد التحريف بعد انتشار الإسلام في بيئات غير عربيّة، ودخول غير العرب في الدين الجديد.

وبذا نرى أنّ الدرس النحوي كان عملاً من أعمال القرآن الكريم في بداية أمره، ثم ظهرت الحاجة إليه بمرور الزمن على أنه غرض حيوي لا يمكن الاستغناء عنه في الأمصار الإسلامية التي التقت فيها العناصر، وتفاعلت فيها اللغات، وقد تضافرت جهود الدارسين لإنماء هذه الدراسة، فاستقلت عن جملة الأعمال القرآنيّة،  وبدأ الابتعاد عن النص القرآني في التقعيد اللغوي، إذ لم يتصدّر المكانة التي يستحقّها في دراسات النحويين البصريين اللغويّة مثلاً، إذ كان هناك تغافل نسبي عن القرآن الكريم في التقعيد النحوي، وموقف غير منهجي من القراءات القرآنيّة لإفراطهم في استخدام الأقيسة العقلية، والشطط في قبول الشواهد النحويّة، وخاصّة القرآنيّة، ومحاولة إخضاعها لأقيستهم العقليّة، أو تأويلها، أو رميها بالشذوذ تارة، أو بالخطأ تارة أخرى، على الرغم من إيمانهم المطلق بقيمة القاعدة النحوية أو اللغويّة المستندة إلى نصّ قرآني يكسبها صفة الثبوت.

وإذا كان هذا هو منهج البصريين في الدرس اللغوي، فإنّ الكوفيين كانوا أوسع أفقاً، وأرحب صدراً من البصريين في مجال الاستشهاد بالقرآن الكريم، فقبلوا كل ما جاء من القرآن الكريم مؤثرين في كثير من الأحيان عدم التأويل والتخريج، وسائرين في الأعمّ الغالب على ظواهر الآيات، لا تثنيهم عن ذلك قاعدة مسبقة، ولا يقف دون قبولهم للآيات القرآنية عائق من قياس، لأنهم كانوا يقيمون لكلّ مسموع وزناً، وليس في المسموعات ما هو أجدر من القرآن الكريم بأن يؤخذ بكلّ ما جاء فيه من شواهد تمنح القاعدة شموخاً وتعضيداً وقوّة، وبذا آثروا عدم تأويل الآيات القرآنيةـ كما فعل البصريون- وتخريجها على ظواهر الآيات القرآنية دون تأويل أو تقدير، وتعديل القاعدة النحوية لتتلاءَم مع ما نطقت به الآيات القرآنية، ولعلّ السبب في ذلك يعود إلى أنّ الكوفة كانت مهبط كثير من الصحابة، وموطن القراءات القرآنية، كما أن حياتهم اقتضت الاعتناء بكلّ ما هو أصيل ما دفعهم إلى الإكثار من رواية الشعر الذي يشيد بمجد أسلافهم، وبلائهم في حروب الإسلام، وبذا: كانت الكوفة أغزر شعراً وشعراء من البصرة، وكثر فيها رواة الحديث الشريف لكثرة مَنْ بها من الصحابة والتابعين، وكانت لها عناية خاصة بفنّ القراءات، وشهد مسجدها الجامع كثيراً من حلقات القراءة رواية ودرساً ونقداً، وبياناً لمطّردها وشاذّها. وكان بها من القرّاء المشهورين بالضبط والإتقان ما قدُرِّ لقراءاتهم أن تشيع في الأمصار بعد ذلك كأبي عبد الرحمن السلمي، وعاصم بن أبي النجود، وحمزة بن حبيب الزيات، وعلي بن حمزة الكسائي.

وإذا انتقلنا إلى مسألة الإعجاز فإننا نرى أن الإعجاز اللغوي هو الإعجاز الأشد بروزاً في القرآن الكريم معَ أن قولنا هذا: لا يتنافى من أن القرآن الكريم كان إعجازاً في المستويات الأخرى التي ترتبط بجوانب معرفية أخرى، وذلك لأننا نستطيع تلمّس واقع الإعجاز القرآني عن طريق البيئة الاجتماعية التي نزلت بها الرسالة الإسلامية، ونمط حياتها والتي تمثلت في البعد المعرفي الخاص بالأدب وبلاغته، أي في البيئة الفنية أو الأدبية أو البلاغية التي عُرف المجتمع الجاهلي بها حينئذ، ولذلك نزل القرآن الكريم وفق أسلوب أدبي خاص جعل البيئة المشار إليها تستجيب استجابة المندهش إلى الأسلوب الأدبي أو البلاغي أو الفني برغم ما عرف عن اللغة العربية من رقي في أساليبها، وسعة ألفاظها، وشدّة تأثيرها، وفي إشارة لبيان أثر القرآن الكريم حين نزوله على النفس العربية يمكن أن نذكر قول الوليد بن المغيرة: ((والله، إنَّ لقوله لحلاوة، وإنَّ أصله لعَذَق)). كما حذرت قريش أتباعها من الاستماع إلى النبي الكريم (ص) وهو يقرأ القرآن، ووضع الطفيل بن عمرو الدّوسي كُرْسفاً (قطناً) في أذنيه حين غدا إلى المسجد خوفاً من أن يبلغه شيء من كتاب الله، ولكنه قال في نفسه: ((وأثكل أمي، والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى عليَّ الحَسنُ من القبيح، فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته، وإن كان قبيحاً تركته)). وسمع القرآن وأسلم، ودعا أهله وعشيرته إلى الإسلام ،  لقد استوعب القرآن الكريم كل خصائص العربية، ومميزاتها الأسلوبية، ومالها من سعة في التعبير حتى غدا الأساس الذي يحتكمون إليه في صحة اللغة، وإليه يرجعون في معرفة أسرارها، ودقائقها. قال ابن قتيبة: ((وإنما يعرف فضل َالقرآن مَن كثر نظرُه، واتسع علمُه، وفهم مذاهب العرب وافتنانهم في الأساليب، وما خصّ الله به لغتها دون جميع اللغات)) . وليس ذلك بالأمر الغريب فالقرآن الكريم: ((نزل به الروح الأمين على أسلوبٍ يعيا البيانُ، ويتخاذلُ إنْ حاول تجلية حسنه، وإبرازه من قرارة النفس إلى دائرة الحس، وحسبه أن يرمي أمراءَ البيان، وأربابَ الفصاحة بالحصر دونه، والعيّ أمامه))  ويتمثل ذلك بانتقاء المفردة والمركّبة، وطبيعة الموقع الذي تتصدره كل مفردة في سياق ما هو تركيبي يتناغم مع كل واحدة من هذه المفردات من جانب، والمركّبة من جانب آخر بإيقاعات خاصة لا يمكن أن يتحدث عنها الناقد أو الباحث بشكل يستطيع إيصال جمالية هذه اللغة إلى الأذهان لأنها تذوّقيّة صرفة، ولا يسع الجانب التحليلي أن يتحدث عن ذلك مع أن البلاغيين تحدثوا عن إعجاز القرآن الكريم عن طريق التقسيم المعروف بالعنصر البلاغي، ألا وهو التقسيم الثلاثي القائل: إن البلاغة تنقسم إلى ثلاثة محاور، الأول: يرتبط بالمعاني، والثاني: يرتبط بالبيان، والثالث: يرتبط بالبديع، والمقصود بالمعاني هو الأسلوب التركيبي الذي تأخذه النصوص القرآنية من حيث تأليف المفردة والمركبّة، وطريقة صياغتها، وأمّا البيان فيتحدث عن الصورة الفنية المتمثلة بالتشبيه والاستعارة والكناية وما إلى ذلك، أمّا الثالث: فهو ملحقات بديعية أو كما يعبر عنها باللغة القديمة، هي: محسّنات لفظية ومعنوية في محوري المعاني، والبيان .

لقد جاءت هذه التحليلات مجتمعة، وإن اختلفت مفردات ألفاظها لتبيان أن الكلمة إذا كانت هي اللفظ الموضوع لمعنى مفرد، فهل تُحمل على معناها الظاهر دائماً، وخاصة ألفاظ القرآن الكريم؟ الجواب لا ؛ لأنها متعددة الدلالات، ولما تضمّه المفردة فيه من طاقات إيحائية ، ورمزية تختلف آلية فهمها باختلاف النص ومستوى التلقي.

وبالمثال يتضح السؤال، لنأخذ مثلاً لفظ َتَبَ) وما صيغ منها في القرآن الكريم؛ نرى أن لفظة (كتب) لم يرد منها ما عرف من معنى الفعل. نقول: كَتَبَ الشيء، يكتبه كَتْباً، وكِتْباً وكتابة. وكَتَبه: خطّه ، ففي قوله تعالى: ((وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ)) (البقرة187). قال الزجاج: ابتغوا فيما أبيح لكم فيه ، فهو المبتغى ، وقوله تعالى: ((كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)) (الأنعام 12، 54) أي: التزمها تفضلاً وإحساناً .

إنّ ما خلصنا إليه : أنّ ما جاء في القرآن الكريم من لفظة (كَتَب) وما صيغ منها لا يدل على الكتابة المعروفة، بعد أن ذهب أحد الباحثين إلى: أن (كتب) وتصريفاتها قد وردت تسعَ عشرة وثلاث مائة مرة في القرآن الكريم، وهي تدل على معرفة العرب القراءة والكتابة قبل ظهور الإسلام ،وهذا خلاف ما رأيناه سواءأكان في إحصاء عدد الألفاظ أم في معانيها، فالكتابة المعروفة التي هي (الخَطّ) يقال: خطّه فلان، كما يقال: كتبه فلان ، هي تصوير اللفظ المقصود تصويره برسم حروف هجائه لا برسم حروف أسماء هجائه . قد وردت في آيات معروفة لا تتجاوز في عددها أصابع اليد الواحدة، كقوله تعالى: ((فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ)) (البقرة 79). وقوله تعالى الآخر: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ…)) إلى قوله تعالى: ((وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً)) إلى آخر ما جاء في الآية الكريمة (البقرة 282)، أو الآيات الأخرى التي ذكرت في ثنايا البحث..

أما اللفظ الثاني فهو(الحجر والحجارة في القرآن الكريم) فقد قال أهل اللغة: الحَجَر: الصَّخرة، والجمع في القلة (أحجار) وفي الكثرة حِجار وحجارة، ونقل عن الليث: الحَجَر جمعه الحجارة، وليس بقياس؛ لأن الحجر وما أشبهه يجمع على (أحجار). ومثل هذا قول سيبويه في ((هذا باب تكسير الواحد للجمع)): وما كان على ثلاثة أحرف، وكان (فَعَلا) فإنك إذا كسرته لأدنى العدد بنيته على (أَفْعال). فإذا جاوزوا به أدنى العدد فإنه يجئ على (فِعال وفُعُول). فأما (الفِعال) فنحو: جِمال وجِبال، وأما (الفُعول) فنحو أُسود وذكور. و(الفعال) في هذا أكثر، وقد يلحقون (الفِعال) الهاء وذلك قولهم: (جَمل ـ جمالة) و(حجرـ حجارة) وذلك قليل، والقياس على ما ذكرنا ، وقال ابن فارس: ( وقياسُ جمعهِ في أدنى العدد (أحجار) و(الحجارة) نادر .

ممّا تقدم نرى أن (الحَجَر) كما قال اللغويون يجمع جمع قلة على (أحجار) أمّا جمع الكثرة فهو (حِجار) وكلاهما من الأوزان القياسية، وقد تلحقه الهاء، فيقال: (حجارة) وعنه قال سيبويه: إنه قليل. وقال ابن فارس: إنّه نادر. وكلا القولين لا يخلو من نظر اعتماداً على لغة القرآن الكريم، ذلك أن لفظة (الحَجَر) قد جاءت مفردة في القرآن الكريم في آيتين كريمتين (البقرة60) و(الأعراف160)، أما صيغة الجمع، فلم يرد جمع القلة (أحجار) في سور القرآن الكريم كلها، وما جاء من جمع كثرة فهو على وزن (فِعالة) (حِجارة)، أي على السماع الذي وصفه بعض النحاة واللغويين بالقلة مرة، وبالنادر مرة أخرى على الرغم من ذكره في عشر آيات بينات، هي: (البقرة 24 ،74) (الأنفال 32) (هود 82) (الحجر 74) (الإسراء 50) (الذاريات 23) (التحريم 6) (الفيل 4). أما (حِجار) جمع الكثرة القياسي كما قالوا فلم يرد في ألفاظ القرآن الكريم كلها قط.

واللفظة الثالثة هي (اليهود في القرآن الكريم)  دلالةً ومعنى، فالهَوْدُ: التوبة، قال تعالى: (إنّا هدنا إليك) (الأعراف 156) أي: تبنا إليك، وقال ثعلب، (المتهوّد): المتحرّج، وقيل: المُتَقَرّب، والتَّهوّد: التوبة والعمل الصالح. و(يَهُود) اسم للقبيلة، قال سيبويه في (هذا باب ما لا يقع إلا اسماً للقبيلة): كما أن عُمان لم يقع إلا اسماً لمؤنث، وكان التأنيث هو الغالب عليها. وذلك: مجوس، ويهود ، وفي شرح قول سيبويه، قال أبو سعيد السيرافي: اعلم أن (يهود) و(مجوس) اسمان لجماعة أهل هاتين الملّتين، كما أن قريش اسماً لجماعة القبيلة الذين هم ولد للنضر بن كنانة، ولم يجعلا اسمين لمذكرين، كما أن عُمان اسم مؤنث وضعت على الناحية المعروفة بعُمان، فلا يصرف (مجوس) و(يهود) لاجتماع التأنيث والتعريف فيها .

وقد جاءت لفظة (اليهود) في القرآن الكريم ثماني مرات، وقد عرفنا معانيها المستخلصة، ودلالاتها في الآيات البينات التي وردت فيها لفظة (اليهود)

وكذلك لفظة( لَحَن في القرآن الكريم واللغة) دلالةً وصيغةً فـ(اللحْن) بسكون الحاء عند أبي الحسن علي بن الحسن الهنائي المشهور بـ(كراع) له ثلاثة معانٍ، وبكسرها: الفطن . وقال ابن بري (المتوفى 582 هجـ): للحن ستة معان: الخطأ في الإعراب، واللغة، والغناء، والفطنة، والتعريض، والمعنى . فإذا أريد بـ (اللحن) الخطأ في الإعراب، قيل: لحَنَ في كلامه، يَلْحَن لَحْناً، فهو لحّان ولحّانة، وبه فسر بيت مالك بن أسماء بن خارجة الفزاري: منطقٌ صائب وتلحن أحيا ناً     وخير الحديث ما كان لَحْنا

قيل: معنى قوله: (وتلحن أحياناً) أنها تخطئ في الإعراب، وذلك يستملح من الجواري إذا كان خفيفاً، كما قيل في تأويل البيت: خير الحديث ما كان لا يعرفه كل أحد، إنما يعرف أمرها في أنحاء قولها، أراد: أنها تتكلم بشيء وهي تريد غيره، وتعرض في حديثها فتزيله عن جهته من فطنتها، كما قال عز وجل: ((وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)) (محمد 30) أي في فحواه ومعناه. وهذا ما اصطلح عليه بـ (التورية) وهي أن يريد المتكلم بكلامه خلاف ظاهره، أو (التعريض) وهو ما يفهم السامع مراد المتكلم من غير تصريح .

إن بيت مالك الفزاري الذي تقدم ذكره هو: أقدم شعر وردت فيه كلمة (اللحن) التي اختلف في معناها، إذ ثار جدل كبير بين العلماء والدارسين حولها قديماً وحديثاً، بغية الوصول إلى معنى قوله سبحانه وتعالى: ((وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)) والتي اختلف في تفسيرها أيضاً، وعلاقتها بلفظة (لحد) في قوله تعالى: ((لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)) (النحل 103).

 ونضيف لفظة (الطفل في القرآن الكريم، دلالة النشأة، وحق الرضاعة) فالطفل (لغة) الصغير من الأولاد للناس والبقر والظباء، ونحوها، تقول: فعل ذلك في طفولته، أي: هو طفل، ولا فعل له؛ لأنه ليس له قبل ذلك حال فتحول منها إلى الطفولة . وقولهم: ليس له حال تحول منها… كلام تنقصه الدقة، لأن الطفل هو (الرضيع)، فإذا كان في بطن أمه فهو (جنين) فإذا ولد سمي: (طفلاً) و(رضيعاً)، وقال بعضهم: صبي . مستشهداً بقوله تعالى: ((قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً)) (مريم 29) ودلالة لفظة (صبي) اوسع من دلالة لفظة (طفل). قال تعالى: ((يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً)) (مريم 12). قال السيوطي: (صبياً) ابن ثلاث سنوات . وبذا تتسع لفظة (صبي) زمنياً متجاوزة (الفطام) الذي حدد بحولين كاملين قال تعالى: ((وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)) (البقرة 233). ومعنى حولين كاملين: أربعة وعشرون شهراً، وجاز أن تكون مدة الرضاعة أقل من ذلك إذا تراضياـ أعني الوالدين في الفطام.

كما أن الطفل قد يسمى (ولداً) وقد مرّ قوله تعالى: (يرضعن أولادهن) يعزز هذا قوله تعالى: ((وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً)) (يوسف 21)، وقوله تعالى: ((وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً)) (القصص 9).

مما تقدم نرى: أن (الطفل) هو الصغير، وهو الرضيع، وقبلهما (الجنين) ثم أن لفظة (صبي) أعم من لفظة (طفل) ثم تأتي لفظة (ولد) لتكون أعم وأكثر شمولاً من اللفظتين السابقتين، لذا يصح أن يقال: أن كل (طفل) (ولد) وليس كل (ولد) (طفل) لأن لفظة (طفل) دلالتها الزمنية تبدأ من الولادة حتى بلوغ الحلم، أما دلالة لفظة (ولد) فهي أكثر سعة في الزمان، إذ تتعدى مرحلة البلوغ، والبلوغ كما قيل يبدأ من 13ـ 13.5 سنة (زيادة أو نقصان عام) وتكون المفاجأة الأولى مع الحلم الليلي . فقوله تعالى في سورة يوسف (21): ((أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً)) قيل: إنه كان ابن سبع عشرة سنة، وقيل: كان مراهقاً أوحى إليه في صغره كما أوحى إلى يحيى وعيسى .

أما اللفظة الأخيرة فهي (لفظة خَسَأَ في القرآن الكريم، دلالةً ومعنى) فـ (خَسَأ) تقال للكلب، قال الخليل: خَسَأت الكلب، إذا زجرته، فقلت: اخْسَأ . والخاسئ من الكلاب والخنازير والشياطين: البعيد الذي لا يُترك أن يدنو من الإنسان، والخاسئ: المطرود. وقد وردت لفظة (خسأ) في القرآن الكريم أربع مرات في آيات بينات، هي: (البقرة 65) (الأعراف 166) (المؤمنون 108) (الملك 4) وقد قمنا بدراسة هذه الفظة دلالياً، ومتابعتها في سياق النص القرآني الذي وردت فيه، فدلالة لفظة (خاسئاً) في قوله تعالى: ((يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ)) (الملك 4) هي غير دلالتها في قوله تعالى: ((فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ)) (البقرة 65) وكذا قوله تعالى (الأعراف 166).

نخلص إلى أن النحاة واللغويين وإن وضعوا القرآن الكريم موضع الاهتمام، والعناية الفائقة، إذ به حافظت العربية على قوامها، ونظامها لأنه أعلى نثر عربي، وأفصحه، وأنصعه وإن استخراج الشواهد اللغوية والنحوية منه بادئ الرأي أقوى برهان على صحة القاعدة، وقدمها، ووثاقتها، إلا أنا رأينا أن هناك تجافياً، وتغافلاً نسبياً من جماعة من اللغويين والنحويين باستثناء الكتب التي تناولت إعراب القرآن ومعانيه عن أخذ الشواهد منه (لغوية كانت أو نحوية) شأنهم في ذلك بما عرف عنهم من موقف من القراءات القرآنية، وإن كان هذا الموقف: يختلف بين النظرية والتطبيق، فهم نظرياً مقتنعون أن كل ما قرئ به جاز الاحتجاج به سواء أكان متواتراً أم آحاداً أم شاذاً، أما من ناحية التطبيق، فإنهم لاحظوا عدم تحمل القراءة لقياس النحو، وطريقة تدارس النصوص، لأن القراءة القرآنية سنة متبعة لا تخضع لأحكام القياس، والمناهج العقلية، فبدأ الانفصال بين النحو والقراءات، كما بدأ الاختلاف بين النظرية التي قرروها عن القرآن الكريم وقراءاته والتطبيق بعد أن رفضوا بعض القراءات، وضعفوا غيرها، ورموا بعض القراء بضعف الدراية بالعربية، كما وصموا بعضهم باللحن، ولم يكن ذلك لشيء سوى أن هذه القراءة أو غيرها لم تتفق مع القواعد التي استخرجوها من نصوص أخرى يقف الشعر في مقدمتها بعد أن اعتمدوا عليه بصورة مبالغ فيها، وتحكيم القواعد المستقاة منه في النثر. وبذا أصبح القرآن الكريم والقراءات القرآنية مجالاً لتطبيق القواعد اللغوية والنحوية، وليست مصدراً تستقى منه القواعد التي انحصرت مصادرها في السماع، والقياس.

ــــــــــــــــــــ

  • انظر: مواقف النحاة من القراءات القرآنية حتى نهاية القرن الرابع الهجري- دكتور شعبان صلاح، دار غريب للطباعة والنشر- القاهرة 2005 ص 73.
  • الحفاظ على سلامة اللغة العربية- د. أحمد مطلوب (بحث) مجلة الضاد- بغداد، العدد 3 (تموز 1989) ص10.
  • أنظر: كتابنا (العربية والتحديث- اتجاهات التأليف اللغوي في العراق) دار الشؤون الثقافية- بغداد 1999 ص14.
  • أثر القرآن الكريم في اللغة العربية- أحمد حسن الباقوري، دار المعارف- مصر ط2، 1973
  • لسان العرب لابن منظور- دار صادر- بيروت (ب- ت) مادة (كتب).
  • الإسلام والكتابة العربية- د. حسام سعيد النعيمي (بحث) مجلة الضاد- بغداد, العدد 3 تموز 1989 ص28.
  • العباب الزاخر واللباب الفاخر (حرف الطاء) الصّغاني, تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين- دار الرشيد للنشر 1979, ص51.-

أفصحنا (صلى الله عليه وسلم)

بلاغة الأمثال في الحديث الشريف

امتاز الحديث الشريف بجملة من الخصائص لا تخرج عن الغرض العام لرسالة الإسلام، وهي نشر دين الله الحق وتعليم مبادئه للناس ، ولذلك كانت مهمة التبليغ هي الوظيفة الأساسية والميزة البارزة في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومع كمال التبليغ ، أوتي الرسول جمال البلاغة، وروعتها ، فأصبحت أحاديثه الكثيرة أمثالا سائرة ، تحفظها العقول، وتتعلق بها القلوب وتأنس لها النفوس، لما امتازت به من عمق المعنى وصحته، وحسن الصياغة وجمالها، وروعة البيان وأصالته ، ونبل المقصد وسموه؛ ما يفتح المجال واسعا للدارس لتأمل المستويات البلاغيّة والبيانيّة ، لاسيما في نماذج مميزة من الأحاديث الشريفة السائرة مسير الكلام المتقن والأمثال الخالدة ، فالمثل نوع من الصور البلاغية البيانية التمثيلية، وقد تكلم العلماء كثيرا، وفصّلوا في تعريف المثل وضربه، وخلاصة القول فيه: إنه يفصّل المجمل، ويوضّح المبهم، ويقرّب المراد للعقل في تصويره بصورة المحسوس، يقول أحدهم: "إن الأمثال في ذاتها جاذبية ليست لغيرها من أنواع التعبير، والناس تحبّ المثل، وتتأثر به أكثر من الصور المباشرة في التعبير؛ لأنّ فيه جمالاً فنياً زائدا ". قال العلماء: "يجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام، إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكناية"، أمّا ضرب المثل فله معان عند اللغويين، قال ابن منظور: ضرب مثلا أي: مثـّل لهم مثلا، وقال مقاتل: ضرب مثلا: أي وصف وبيّن، وقال بعضهم: ضرب المثل، وضع الشيء على الشيء، وقيل أيضا: نشره وإذاعته، وقيل: صوغه وإنشاؤه وابتكاره.

واشتمل القرآن الكريم على أمثال عدة، شبهت ومثلت لأصناف عدة من البشر، كالمؤمن والمنافق والكافر، كما شبهت ومثلت للكلمة الطيبة والخبيثة، ومثلت للجنة والنار، وغير ذلك، وأكثر أمثال القرآن الكريم كانت لإثبات الوحدانية لله تعالى في عظيم خلقه، وبديع صنعه، وأنكرت على الكفار معتقداتهم الشركيّة، ولعل أبرز هذه الأمثال قول الله تعالى: "يا أيها الناس ضُربَ مثلٌ، فاستمعوا له إنّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له، وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه، ضعف الطالب والمطلوب" ( الحج: 73 )،

فهذا المثل يبيّن ضعف حيلة المشركين ومعبوداتهم من دون الله في خلق ذبابة، أو استرداد ما يأخذه الذباب بأجنحته حين يقف على طعامهم !!، فالأمثال القرآنية نوع من الهداية الإلهية لحث الناس على الخير، وإبعادهم عن الإثم، ودفعهم إلى الفضيلة، وإبعادهم عن الرذيلة، وقد اعتبر بعض الأئمة الأمثال من علوم القرآن التي ينبغي أن يتعلمها من أراد أن يتعلم تلك العلوم....

أمّا المثل النبوي فهو مؤكد للمثل القرآني، وأهميته تأتى من باب تلك البلاغة، وهذا الإيجاز، وذاك الوضوح الذى تميز به كلام النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام سائر الناس، روى مسلم في صحيحه و الترمذي في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فُضِّلت على الأنبياء بست، أعطيت جوامع الكلم، ونُصرت بالرعب، وأُحلّت لي الغنائم، وجُعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأُرسلت إلى الخلق كافة ، وخُتم بي النبيّون " ، وجوامع الكلم كما قال الجاحظ: " هو الكلام الذي قلّ عدد حروفه، وكثرعدد معانيه، وجلّ عن الصنعة، ونزه عن التكلّف ، وكان كما قال الله تبارك وتعالى: قل يا محمد: {وما أنا من المتكلّفين} (ص: 86) ".

وتناول المثل النبوي ما تناوله المثل القرآني، ولكن بصورة مبينة ومفصلة، وهذا يتماشى مع الهدف الأسمى للرسالة المحمدية، قال الله تعالى: "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون" {النحل: 44}، حيث أنزل الله تعالى الوحى على رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلفه بتبيينه وتوضيحه وتفصيله بشتى أنواع البيان.

وقد تناول الباحثون والمفكرون القرآن الكريم تفسيرا بصورة موضوعية، حيث يتتبع الباحث لفظة من كلمات القرآن الكريم، ثم يـجـمــع الآيات التي ترد فيها اللفظة، أو مشتقاتها من مادتها اللغوية، وبعد جمع الآيات، والإحاطة بتفسيرها، يحاول استنباط دلالات الكلمة من خلال استعمال القرآن الكريم لها، أو يحدد موضوعا ما، تناوله القرآن الكريم في مواضع عدة، ويتناوله هو بالعرض بالبحث والتدقيق، والدراسة ، والمناقشة والتحليل.

وعلى هذا النسق نحاول جاهدين أن نتدبّر المثل النبوي في موضوع واحد، لنرى أوجه التأكيد والبيان، ولنعرف حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على غرس المفاهيم في الأمة، وحثها على التزام الصراط المستقيم، والتزامها سبيل المؤمنين، وليكن " المؤمن" هو موضوع حديثنا في المثل النبوي الشريف في هذه السطور.

وقد استأثر المؤمن في المثل النبوي بنصيب أكبر، إن لم يكن الأكبر على الإطلاق ـ من تلك الأمثال، لاهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بقضية الإيمان، تماما كما اهتم بها القرآن الكريم، فقد ورد لفظ الإيمان بمشتقاته في القرآن الكريم أكثر من ثمانمائة مرة، وهذا ليس بمستغرب، فالإيمان يلبس صاحبه لباس الطاعة لخالقه، فيأتمر بأمره، وينتهي عن نهيه.

والمثل النبوي بِشأن المؤمن تعدد وتنوّع بخلاف الأحاديث التي ذكرت المؤمن، ووصفته، ورغبته، ورهبته ، و حثته على فعل الخير، واجتناب الشرور والآثام ، وهى بالمئات ـ لاشك ـ.

نتناول جانبا من تلك الأمثال، لنتعرّف بلاغة الرسول صلى الله عليه وسلم في ضرب المثل، وكذا لنرى التنوع في ضرب المثل في ما يتعلق بـ " المؤمن"، فتارة يتعلق المثل بالفرد، وتارة يجمع المؤمنين في مثل واحد، وثالثة يتعلق بصفات المؤمن، وغيرها يتعلق بسلوكه، وقد يأتي المثل بصيغة الخبر، ويأتي أحيانا بصيغة السؤال الموجّه إلى جمع من الصحابة من باب جذب الانتباه، ومن الأمثال أيضا ما يأتي مقارنا بين حال المؤمنين وغيرهم من المنافقين، ليجعلنا نحس بالفرق الشاسع، والبون الواسع بين الفريقين، وكل ذلك من أجل استخلاص العبر والعظات، والعمل على الرقي الأخلاقي للمؤمن، إذ أن جل الأمثال النبوية تهتم بالأخلاق، التي هي أساس الرسالة المحمدية، روى الإمام أحمد في المسند أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

المثل الأول: {{الناصح الأمين}}: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن مرآة أخيه"، وروى أبو داوود في سننه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن مرآة المؤمن، المؤمن أخو المؤمن، يكفّ عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه"

إن الذي يتدبر هذا الحديث يجد أن النصيحة تجسدت فيه في ثوب المثل الذي استنبط منه العلماء فوائد شتى تبين كيف يبذل المؤمن النصيحة لأخيه ؟، واختيار المرآة بالذات في المثل يؤكد لنا عظم هذه الفوائد التي منها:

  • أن المرآة توضح ما بالمستخدم لها، والناظر فيها من جمال أو قبح، ولا تبالغ في المدح أو القدح، بل تنقل الصورة كما هي، وكذلك المؤمن للمؤمن، فهو يهدي العيوب إلى أخيه، وإن مدحه لا يفرط في مدحه، حتى لا يُدخل إلى أخيه العُجب والغرور.
  • أن المرآة لا تستحضر معها أحدا، كي تطلعه على عيوب من أمامها، إلا إذا استحضر صاحب المرآة شخصا آخر بجواره، كذلك المؤمن ينصح في ستر، وفي خفاء؛ لأنّه يعلم أن النصيحة على الملأ فضيحة، وكما يقول الشافعي رحمه الله:

        تعمدني بنصــحك في انفرادي      وجنبني النصيحة في جمـــاعة

        فإن النصح بين الناس نـــوع      من التوبيخ لا أرضى استماعه

        وإن خالفتني وعصيت قولي      فلا تجزع إذا لم تعط طاعــة

  • أن المرآة لا تحفظ الصورة ولا تستدعيها مرة ثانية، كذلك المؤمن لا يعيّر أخاه بذنب مضى أو تاب منه.
  • أن المرآة تشارك من أمامها أفراحه وأحزانه، فيستحيل أن ينظر أحد في مرآة وهو يبكي فيجد نفسه يضحك، أو يكون مسرورا فيجد نفسه باكيا !!، والمؤمن يشارك أخاه أفراحه وأتراحه.
  • والمرآة لا تكشف سرا، بل تبين الأدران دون إحداث ولو صوت خفي، وذلك من تمام كيفية نصح المسلم لأخيه.
  • والإنسان يعرض نفسه على المرآة كل مدّة خاصة بعد القيام من نوم أو الذهاب إلى مكان، أو الإتيان من مكان، والمؤمن يطلب النصيحة الصادقة من أخيه بين الحين والحين، ليستقيم حاله، وليظل على جادة الطريق، وليقف على عيوب نفسه فيصلحها، وقد ورد القول عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "رحم الله عبدا أهدى إليّ عيوبي"، والمؤمنون مع بعضهم نَصَحة، والمنافقون غششة.

بهذا يتبين لنا أن اختيار المرآة في التشبيه للمؤمن ليس من باب العشوائية، وإنما اختيار من أوتي جوامع الكلم، ومنحه الله تعالى حكمة القول، والفعل صلى الله عليه وسلم.

المثل الثاني: {{العَضُد والساعِد}}: روى البخاري ومسلم في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"، وزاد البخاري: "وشبك بين أصابعه".

والمؤمن لأخيه المؤمن كهذا البنيان المتماسك الذى استقام وثبت، لمتانة أساسه، ولاكتمال جدرانه، ولوجود سقفه الذي من دونه لا يمكن الحياة أو العيش فيه، وفى الحديث دلالة واضحة على معنى الترابط بين المؤمن وأخيه، والتعاون بينهما، والتناصح في أمور الدين، وما يباح من أمور الدنيا، وهذا ينطبق على علاقات المؤمنين جميعا بعضهم ببعض، يقول الله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" {المائدة: 2}، وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ".. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"، وأكمل النبيّ صلى الله عليه وسلم الصورة التمثيلية بالتشبيك بين أصابعه، ليتوافق القول مع الفعل وليؤكد كل منهما الأخر، وهذا التمثيل بالحركة كثيرا ما كان يستعمله النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه أوقعُ في نفس السامع الذي ينظر إلى البنيان وصلابته وتماسكه مع بعضه، يدرك تماما أن المؤمن مع أخيه يكون على هذا النسق وهذه الصفة.

إن تطبيق هذا المثل النبوي يمكن أن يشمل جميع أفراد المجتمع، ويشمل بيئاته أيضا، وتخيل معنا لو أن الأسرة المسلمة التزمت هذا الحديث وعملت به، والتزم به العامل في عمله، والرئيس مع مرؤوسيه، والمدرس مع طلابه، فالمجتمع ـ لاشكّ ـ سيكون كالبنيان المرصوص حقا، لا تزعزع أركانه مشكلة، ولا تفرقه دنيا، ولا يفرقه هوى.

المثل الثالث: {{حال المؤمن دنيا وأخرى} }: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ ، تُفِيّئُهَا الرِّيَاحُ ، تَصْرَعُهَا مَرَّةً وَتَعْدِلُهَا ، حَتَّى يَأْتِيَهُ أَجَلُهُ ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ مَثَلُ الْأَرْزَةِ الْمُجْذِيَةِ الَّتِي لَا يُصِيبُهَا شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً "

ويمثل هذا الحديث حال المؤمن في الدنيا، حيث يتعرض لأنواع البلاء الذى يلم به مرة بعد مرة، وزمنا بعد زمن، تارة في نفسه بالمرض والآلام، أو تسلط الظالمين عليه، أو الكيد له، حتى مقالة السوء عنه، وتارة في ماله بكل غرم يصيبه، وتارة في أهله وولده بشتّى الابتلاءات، وهو مع كل هذا ثابت لا ينكسر، قوي الإيمان، يحيطه الله تعالى بعنايته ولطفه، والمثل النبوي شبّه البلاء بالريح الذى يلاعب الزرع يمينا ويسارا، لكنّه لا يتلفه، بل إن الريح في غالب أحواله مفيد للزرع، يزيده نموا وصلاحا، ويساعد على دب النشاط فيه، ووصول أشعة الشمس إليه، ويظل هذا حال المؤمن في الدنيا، حتى يأتي أجله، فإذا لاقى ربه وجد جزاء صبره على بلاء الدنيا، جنة يدخلها بغير حساب، قال الله تعالى: "إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب" {الزُمر: 10}، ويؤكد على عظم الجزاء ما رواه الترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قُرضت في الدنيا بالمقاريض"، فكل أحوال المؤمن خير، ولا يزال البلاء ينزل بالعبد حتى يقبضه الله تعالى وما عليه ذنب، روى مسلم في صحيحه عن صهيب بن سنان رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجبًا لأمر المؤمن إنّ أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له"، وروى البخاري في صحيحه من حديث أبى هريرة وأبى سعيد الخدري رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفّر الله بها من خطاياه".

"وأمّا الفاسق المنافق فما أشنع حاله، وما أسوأ عاقبته، يُترك كالبهيمة السائمة، يرتع في مراتع اللهو، ويخوض في بؤر الفسق، ويكرع من المشارب الآسنة، فهو غافل عن عاقبة أمره، لا يتأثر لحادث، ولا يرق لموعظة، ولا ينتفع بما يمر عليه من محن وأرزاء، ولا يزال ـ هكذا ـ في جموده وتبلده، حتى تقرعه قارعة الموت، وتنزل بساحته المنون، فيموت ميتة جاهلية، لا تتبعه إلا الحسرة والندامة وسوء المصير، وما أشبهه في ذلكم بالأرزة الثابتة في أرضها، المجذية على أصلها، الصلبة الجذع والساق والفروع، لا تنال منها الزعازع، ولا تؤثر فيها العواصف، ولا تزال هكذا حتى تنقطع من جذورها، فإذا هي هشة ممدودة على الأرض قد فارقها ما كان لها من شموخ وقوة ".

ومن حكم الله تعالى أنه يمهل ولا يهمل، ليعلم العاصي أن النعمة إذا رزقها الله تعالى إياه على عصيانه إنما هو استدراج فليحذر، وليسارع إلى التوبة قبل فوات الأوان.

المثل الرابع: {{المؤمن كله نفع}}:، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مثل المسلم (وفى رواية: المؤمن) حدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة، قال عبد الله: فاستحييت، فقالوا: يا رسول الله أخبرنا بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي النخلة "  قال عبد الله: فحدثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا "، وفى رواية "أحب إلى من حمر النعم".

إن الذى يتدبّر هذا المثل النبوي يجد فيه فوائد شتى، فالنبي صلى الله عليه وسلم استخدم فيه أسلوب السؤال، فقد كان ينوع أساليب التربية والتوجيه والتعليم لأصحابه، وذلك أنفع في وصول المعلومة للسامع، وفيه لفت انتباه السامعين، واستحضار أذهانهم لاستدعاء المعلومة، أو تلقيها، وتكرر ذلك في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، كحديث:  " أتدرون من المفلس ؟... "وكحديث: " أتدرون من المسلم ؟.... " وغير ذلك مما هو على شاكلة تلك الأحاديث.

قال العلماء: وشبه النخلة بالمؤمن أو المسلم في كثرة خيرها, ودوام ظلها, وطيب ثمرها, ووجوده على الدوام, فإنه من حين يطلع ثمرها، لا يزال يؤكل منه حتى ييبس, وبعد أن ييبس، يتخذ منه منافع كثيرة, ومن خشبها، وورقها، وأغصانها, فيستعمل جذوعا، وحطبا، وعصيا، ومخاصر، وحصرا، وحبالا، وأواني، وغير ذلك, ثم آخر شيء منها نواها, وينتفع به علفا للإبل, ثم جمال نباتها, وحسن هيئة ثمرها, فهي منافع كلها, وخير وجمال, كما أن المؤمن خير كله, من كثرة طاعاته ومكارم أخلاقه, ويواظب على صلاته وصيامه وقراءته وذكره والصدقة والصلة, وسائر الطاعات, وغير ذلك، فبركة النخلة موجودة في جميع أجزائها، مستمرة في جميع أحوالها ؛ وكذلك بركة المؤمن عامة في جميع الأحوال، ونفعه مستمر له ولغيره حتى بعد موته. والنخلة أصلها ثابت وجذورها ضاربة في الأرض؛ والمسلم ثابت في عقيدته. ولا تقتلعها الريح؛ والمسلم الصادق لا تزلزله أعاصير الفتن، ولا ترده عن عقيدته شبهات التشكيك والتضليل. وهي عالية باسقة؛ وكذلك المسلم يتعالى على النقائص والدناءات، ويترفع عن المعاصي والسيئات. وثمرها طيّب؛ وما يصدر عن المسلم من العلوم والخير قوت للأرواح مستطاب. وإذا ضربت بحجر عادت على ضاربها بأطيب الثمر، وكذا المسلم يقابل الإساءة بالإحسان. ولا يسقط ورقها، وكذلك المؤمن لا تسقط له دعوة؛ فهو بين ثلاث: فإما أن يستجيب الله له، وأما أن يؤخر إجابته لحكمه يعلمها سبحانه، وإما أن يعوّضه عنها ـ يوم  القيامة ـ خيرا منها، وأحوال المؤمن كلها نفع، إن تكلم نفع، وإن صمت عندما يقتضى المقام الصمت نفع أيضا، والنخيل فى حركته قد يسقط ثمرة تؤكل، أو يلقح غيره من النخيل بطلعه، وقد يسكن ولا يتحرك للحفاظ على ثمرته ألا تتلف، وعلى جذعه ألا يقع فيَهلك أو يُهلِك. فالخير كثير وموصول في المؤمن كما هو في النخلة سواء بسواء.

المثل الخامس: {{المؤمنون جسد واحد}}: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضى الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"، هذا الحديث الشريف الذى برز فى ثوب المثل فيه من المعاني العظيمة ما يصعب حصره في مقال، لأنّ فيه حث على تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وحضهم على التراحم والتعاضد في غير إثم ولا مكروه، وهو يبرز ما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين المؤمنين كافة، ليس فى بلد واحد، بل في سائر بلاد المسلمين، وأن التقصير فى ذلك يعد من شوائب الإيمان

وضعفه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى-: " ولهذا كان المؤمن يسرّه ما يسرّ المؤمنين، ويسوؤه ما يسوؤهم، ومن لم يكن كذلك لم يكن منهم" ، فالمؤمن يجتهد في أن يطهر قلبه نحو المؤمنين جميعا، يفرح للخير يأتيهم، ويحزن للضر ينزل بهم، ينصر المظلوم منهم، ويقيل عثرة المعسر، ويعين ذا الحاجة الملهوف، يقف مع الضعيف منهم، فالجسد كله يتألم لعضو واحد من أعضائه إذا أصابه ما يؤلمه، وكذلك الأمة جميعا تتألم لألم بلد واحد، إذا أصابه بلاء، أو تعرض لأيّ اعتداء، روى أبو داوود والنَسَائي عن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، ألا لا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلا، ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِه».

وفى الحديث تأكيد عل هذه الأخوة الإيمانية، والتماسك والترابط، فالدم المسلم حرمته واحدة، والعهد الذي يبرمه أحاد المؤمنين لإعطاء الأمان لأحد لا ينقضه ناقض، والبعيد منهم كالقريب، وهم جميعا يد واحدة ضد من يعتدى على الإسلام وأهله.

لقد نوع النبي صلى الله عليه وسلم في أمثاله التي ضربها للمؤمن بمفرده، وللمؤمنين كأمة واحدة، لنعرف جميل الخلال والفعال، التي هي من سمات المؤمنين، الذين وصفهم الله تعالى بأجمل الأوصاف في كتابه الكريم، قال تعالى: "إنما المؤمنون إخوة.."{الحجرات:10}، وقوله تعالى: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون"{الأنفال: 2}، وقوله تعالى: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض.." {التوبة:71}، وغير ذلك مما ورد في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

فلتكن هذه النماذج من الأمثال النبوية دافعا لنا للتزود من الإيمان، والتشبه بخلق سيد الأنام " اللَّهُمّ إِنِّا نَسْأَلُكَ إِيمَانًا لاَ يَرْتَدُّ، وَنَعِيمًا لاَ يَنْفَدُ، وَمُرَافَقَةَ نبيك مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي أَعْلَى جَنَّةِ الْخُلْد "

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

2) ابن منظور / لسان العرب / ج2 / ص17 / مادة (ضرب ).

3) محمد بن جرير الطبري / جامع البيان في تفسير القرآن / ج1 / ص175.

4) أبو عثمان الجاحظ / البيان والتبيين / ج 2 ص 17 ـ 18 / تحقيق عبد السلام هارون.

5) أورده ابن وهب في الجامع، والبيهقي في الشعب 6/113/7645 ، والبخاري في الأدب المفرد 239، وغيرهم ، وله شواهد، تنظر السلسلة الصحيحة للألباني رقم 2 / 596.

6) أبو حامد الغزالي / إحياء علوم الدين بتخريج زين الدين الحافظ العراقي / ج2 / ص182 / طبعة المكتبة التجارية بمصر.

7) محمد بن إدريس الشافعي / ديوان الإمام الشافعي / قافية العين ص45 / طبعة دار الحكمة بدمشق / جمع وترتيب سليمان سليم البواب.

8) الخامة من الزرع: ما كان غضا رطبا من النبات.

9) تفيّؤها: بتشديد الياء، يعنى: تميلها يمينا وشمالا.

10) تصرعها: تكاد تلامس الأرض من شدة ميلها.

11) تهيج: يحين وقت نضجها وحصادها.

12) الأرزة المُجذية: بفتح الهمزة وسكون الراء هي شجرة الصنوبر.

13) انجعافها: انقلاعها وانكسارها.

14) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه / كتاب المرضى / ما جاء في كفارة المرض / بألفاظ متقاربة رقم(5643 )، ومسلم في صحيحه كتاب صفات المنافقين وأحكامهم / باب مثل المؤمن كالزرع، والمنافق والكافر كالأرزة بلفظه، رقم(7094)، وورد هذا الحديث بألفاظ متقاربة في كتب الحديث كمسند أحمد، ومسند البزار، ورواه أبو يعلى، و ابن حبان، الهيثمي والمناوي.

15) يكرع: يشرب حتى الارتواء.

16) الآسنة: الفاسدة الملوثة.

17) الزعازع: الرياح الشديدة.

18) دكتور ياسر محمد شحاتة / الأمثال في السنة النبوية / ج1 / ص 81 ـ 82 / ط 1422هـ / 2001 م ، وعزاه إلى كتاب ( من روائع الأدب النبوي ) للأستاذ / كامل سلامة / / ط دار الشروق بجدة.

19) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة، والترمذي في كتاب صفة القيامة عن أبى هريرة.

20) أخرجه أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

اللغة في حياتنا

لغتنا ،والثقافة

(المفهوم الواحد في منظومة الفكر)

يشتبه الأمر على بعض الباحثين في الفكر الإنساني، ومنهم اللغويون ، إذ يرى بعضهم أن اللغة وعاء الفكر، وبعضهم جعلها الفكر ذاته...فأي المفهومين أصح؟

لنأخذ مفهوم الثقافة ، ما أصله اللغوي، وما تعريفه المصطلحي ، وكذلك اللغة ؟

 الثقافة لغة :  من الجذر: ثـَ قـَ فَ، ولهذا الجذر معنيان رئيسان متباينان في اللغة العربية الأول: ثَقـَفَ: قال الفيروز أبادي: ثَقـَفه: أي صادفه ، أو أخذه،  أو ظفر به، أو أدركه..والثاني: ثَقِفَ يثقـَف، وثَقُفَ يثقُف، ثَقْفاً وثَقَفاً وثقافة: صار حاذقاً خفيفاً فطنا ... ومنه : ثَقِفَ الكلام: حذقه، وفهمه بسرعة , وثَقَّفَ الرمحَ: قوّمه وسوّاه , وثقَّف الولد: هذّبه وعلّمه، وثاقـفَه مثاقفةً: غالبه فغلبه في الحذق ...

ويعّرف المعجم الوسيط الثقافة : بأنها (العلوم والمعارف والفنون التي يطلب فيها الحذق )

 وفي المصطلح :يعّرف الثقافة "مالك بن نبي" في كتابه (مشكلة الثقافة) فيقول: إنها (مجموعة الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تؤثر في الفرد منذ ولادته، وتصبح لا شعورياً العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه) .

أمّا تعريف تايلور:(فالثقافة ذلك المركب الكلي الذي يشتمل على المعرفة والمعتقد والفن والأدب والأخلاق والقانون والعرف والقدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع ) ..                                                                                                              وهذا تعريف شهير للثـّـقافة قدّمه غودنو سنة  1957 في مقال عنوانه "علم الأناسة الثـّـقافيّ واللـّـسانيات" "ثقافة المجتمع تتألـّـف من كلّ شيء يجـّب على الواحد أن يعرفه وأن يؤمن به لكي يعمل بطريقة مقبولة من طرف كلّ أعضاء المجتمع، و (تتألـّـف ثقافة المجتمع) من كلّ شيء يجعله يقوم بذلك في أيّ دور يقبل به أعضاء المجتمع ويرضونه لكلّ واحد منهم".

لكن مفهوم اللغة كما عرّف اللغة أبو الفتح عثمان بن جنّي في كتابه " الخصائص "  قال: إنَّ اللغة هي مجموعة من الأصوات يعبر بها كلُّ قوم عن أغراضهم" .

وعرّفها بعض اللغويين تعريفا شاملا :" اللُّغة ماهي إلا نظام صوتي يمتلك سياقا اجتِماعيا وثقافيا له دلالاتُه ورموزه، وهو قابل للنمو والتطور، ويخضع في ذلك للظروف التاريخية والحضارية التي يمر بها المجتمع فهنا تتماهى اللغة في الثقافة لتكون في دائرة من دوائر الفكر لتصبح فكرا وثقافة .فالعلاقة بين اللغة و الثقافة وثيقة ، حيث أن لغة البشر وأساليبهم وطرائق تفكيرهم تختلف تبعا لثقافاتهم. ويمكن تعريف الثقافة بأنها "تشتمل على الفنون والمعتقدات والأعراف واللغة والتقاليد التي تميز شعب من الشعوب"   واللغة هي : ( لسان الثقافة وعنوان الحضارة وترجمانها. فاللغة هي القناة التي من خلالها تنتقل العلوم من الأمة وإليها وفيها وعنها، وهي وعاء الفكر وميدان الإبداع، فاللغة نبضٌ يتفاعل مع المشاعر، والأحاسيس فيؤثر فيها ، واللغة منطق عقلي عميق يعطي إيحاءات وإيماءات لا يسبر غورها إلاّ من ارتوى من معينها، وترعرع بين غصونها، وهضم لبها وقشورها ، وهذا لن يكون في الغالب إلاّ أبن جلدتها وبيئتها. يقول الأستاذ محمود شاكر في معرض تعليقه على فِريَة الموضوعية المزعومة " أ مستطيعٌ هو (الباحث) أن يتجرد من سلطان اللغة التي غُذِيَ بها صغيراً ، وبها صار إنساناً ناطقاً بعد أن كان في المهد وليداً لا ينطق ؟ أ فمستطيع هو أن يتجرد من سطوة الثقافة التي جرت منه مجرى لبان الأم من وليدها وعليه، فإن الارتباط بين اللغة والثقافة كبيرٌ جداً، قوة ومتانة هذا الارتباط يشير إلى أن العلاقة بين اللغة والثقافة علاقة وثيقة , أو هي بتعبير آخر علاقة الجزء بالكل , فاللغة أخص والثقافة أعم , أو قل : بينهما علاقة التأثير  والتأثر، وقد لوحظت العلاقة بين الثقافة واللغة في فترة تعود إلى الفترة الكلاسيكية، وربما قبل ذلك بوقت طويل. فالإغريق القدامى، على سبيل المثال، يميزون بين الشعوب المتحضرة والبربرية "أولئك الذين يميلون إلى الثرثرة"،، أي أولئك الذين يتكلمون لغات غير مفهومة؛ فنظرا لأن هناك مجموعات تتحدث لغات مختلفة، وغير مفهومة فقد يكون ذلك دليلا ملموسا على الاختلافات الثقافية أكثر من كونه من السمات الثقافية الأخرى الأقل وضوحا، ويرى أنصار الحركة الرومانسية الألمان في القرن التاسع عشر مثل: هوردر، وندت، وهومبولت ، اللغة ليس فقط باعتبارها واحدة من بين العديد من السمات الثقافية، بل كوسيلة للتعبير المباشر عن الطابع الوطني للشعوب، ولكن بشكل مختزل إلى حد ما . _

ويرى فرانز بواس مؤسس الأنثروبولوجيا الأميركية على أن اللغة المشتركة بين المجتمعات هي الناقل الأساسي لثقافتهم العامة، حيث كان بواس هو أول علماء الأنثروبولوجيا الذين أكدوا على أنه من غير الممكن دراسة ثقافة الشعوب الأجنبية من دون التعرف على لغتهم الخاصة

في علم اللـّـسانيّات الاجتماعيّة نظرية تسمـّـى "نظريّة الانعكاس" تقول: إنّ اللـّـغة انعكاس للـّـثـّـقافة التي يصنعها ويستعملها النـّـاس في مجتمع ما: بما أنـّـهم يعطون قيمة لأشياء معيّنة ويما أنـّـهم يقومون بأفعال بطريقة ما فإنـّـهم يستعملون لغة تعكس تلك الأشياء المهمّة لديهم وكلّ ما يقومون به من أفعال. حسب هذه النـّـظرة الانعكاسيّة، الثـّـقافة والمتطـلـّـبات الثـّـقافيّة لا تحدّد بنى اللـّـغة وإنّما تؤثـّـر الثـّـقافة في استعمال اللـّـغة فحسب. وأمـّـا النـّـظريّة المحايدة فلا تومن بوجود علاقة بين اللـّـغة والثـّـقافة على الإطلاق.

ويذكر كمال بشر في كتابه علم اللغة الاجتماعي:" أن اللغة ليست ضوضاء، أو أصوات تلقى في الهواء وإنما هي تجسيد حي لكل معارف الإنسان وخبرته، ودليل شخصيته وهويته الثقافية، وهي بمنزلة الكاشف عن مكنون النفس والعقل " .

إن الجماعة المعينة قد تتفق في جملة القواعد والقوانين الضابطة للغتها، وهو اتفاق في الأساسيات والجوهريات اللغوية، ولكن أصحاب هذه اللغة يختلون في الأداء والتطبيق الفعلي. فنحن مثلا متفقون في أن لنا لسانا واحدا يسمى بطريق التجوّز " اللغة العربية " ولكننا نختلف اختلافا بارزا في التحقيق المادي لهذا اللسان . وهذا الاتفاق والافتراق في البيئة اللغوية المعينة ينطبقان بصورة أو أخرى على الوضع الثقافي لهذه البيئة حيث تلحظ اتفاقا في الثوابت واختلافا ملحوظا في الأداء والسلوك والتعامل الثقافي ..

فمن صور علاقة اللغة بالثقافة: القيمة الثقافية المعينة قد تكون متفقا عليها في بيئة اجتماعية ما، ولكنها تختلف فيما بين أفراد هذه البيئة في التحقيق المادي ، فالملبس مثلا ذو معنى أو قيمة متفق عليه: هي الوقاية والزينة، و ستر العورة , ولكنه يختلف هنا، وهناك من حيث صوره وأشكاله وألوانه وتقديره و قطعه " أي تفصيله... "

ونضرب مثلا واحدا يشير إلى حقيقة هذا الاتفاق، و الافتراق في الجانبين اللغوي والثقافي بجناحيهما القيمي والأدائي" الأبوة " مثلا قيمة لغوية وثقافية , ولكن يعبر عنها في مجتمعنا بصور متعددة , فهناك " دادي , وبابي وبابا , أبويا , بيي "إلى جانب الصيغتين الفصيحتين : أبي , ووالدي ....ولكل ثقافة لغة فريدة بذاتها، تشمل كلمات ومفاهيم لا توجد في الثقافات الأخرى . فمثلا، توجد في ثقافتنا الإسلامية كلمات ومفاهيم مثل : (القسمة والنصيب) قد لا يفهمها أصحاب بعض الثقافات ....

وتعدّ أساليب الكلام أو الإشارة في مجتمع ما جزء لا يتجزأ من ثقافة المجتمع ككل، فاستخدام اللغة هي طريقة لبلورة وتوضيح هوية المجتمع. فطرائق الكلام بين الأشخاص ليست طريقة لتسهيل التواصل بينهم فحسب، وإنما لتحديد هوية ومكانة المتحدث الاجتماعية أيضا. فعادة ما يطلق اللغويون على الطرق المختلفة في التحدث بلغة ما، مصطلحا يشمل لهجات معرفة جغرافيا أو ثقافيا ولغات، أو أساليب تحدد المجموعة الفرعية ذاتها وتميزها عن غيرها. كما يعرف علماء الاجتماع والانثروبولوجيا اللغوية الأسلوب التواصلي على أنه الطرائق التي تستخدمها اللغة، فتكون مفهومة في إطار ثقافة معينة .

وفى لغات أخرى قد تستخدم تعبيرات مختلفة عند مخاطبة أي من الجنس الآخر أو الأقارب من الدرجة الأولى، وتستخدم العديد من اللغات طرائق خاصة للتحدث إلى الأطفال والرضع.

من بين تلك المجموعات، قد يترتب على تبني تلك الثقافة عدم التحدث إلى شخص معين

على سبيل المثال: يعدّ تحدث المرء إلى محارم الآخر من المحرمات في الكثير من ثقافات الشعوب الأصلية في أستراليا، وقد لا يوجه الحديث إلى الأطفال بطريقة مباشرة في بعض تلك الثقافات. وقد تتطلب بعض اللغات الأخرى أساليب مختلفة للتحدث مع أفراد من مختلف الطبقات الاجتماعية، وغالبا ما يستند مثل هذا النظام إلى الفروق بين الجنسين، كما هو الحال في اليابان و كورسيكا . ..

*******************************************************

كواكب ونجوم

أبو الفتح عثمان بن جني

علم من أعلام اللغة العربية سطع نجمه في سمائها؛ إنّه أبو الفتح عثمان بن جني المشهور بـ «ابْنِ جِنِّي» وهناك من يخفف النون ،ويُخطِئ الكثير في قراءة اسمه بالياء المُشدَّدة، على اعتبار أنَّها ياء النسب، وهذا خطأ شائع. ترعرع وعاش بين قبيلة أزد العربية في الموصل، وعلى الرغم من انتسابه العرقي المختلف عن هذه القبيلة فقد كان أيضًا أزدي الانتماء، وهو يُصرِّح بانتمائه لأزد في مؤلفاته، ويُنسَب إلى أزد فيُقال ابن جنِّي الأزدي، عربي النشأة. وشعر ابن جنِّي بقدر من الانتقاص في مجتمع ثقافي يضع للنسب مكانةً، فنراه يدافع عن نسبه في أشعاره فيقول:

فإنْ أصبحْ بلا نسبِ                    فعلمي في الورى نسبي

على أنِّي أؤول إلى                     قرومٍ ســـــــــادةٍ نُجُبِ

قياصرة إذا نطقوا                       أرمَّ الدهر ذو الخطبِ

أُولاكَ دعا النَّبِيُّ لهم                   كفى شرفاً دعاءُ نبي

عالم نحوي كبير، ولد في الموصل عام 302 هـ، ونشأ وتعلم النحو فيها على يد أحمد بن محمد الموصلي (الأخفش)، ويذكر ابن خلكان أن ابن جني قرأ الأدب في صباه على يد أبي علي الفارسي حيث توثقت الصلات بينهما، حتى نبغ ابن جني بسبب صحبته، حتى إن أستاذه أبا علي، كان يسأله في بعض المسائل، ويرجع إلى رأيه فيها مع أن ابن جني كان يتبع المذهب البصري في اللغة إلا أنه كان كثير النقل عن أناس ليسوا بصريين في النحو واللغة، وقد يرى في النحو ما هو بغدادي أو كوفي، فيثبته.

يقال:إنّ  ابن جني التقى المتنبي في حلب عند سيف الدولة الحمداني كما التقاه في شيراز، عند عضد الدولة وكان المتنبي يحترمه ويقول فيه: «هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس، وكان إذا سئل عن شيء من دقائق النحو والتصريف في شعره يقول: سلوا صاحبنا أبا الفتح». ويعد ابن جني أول من قام بشرح أشعار ديوان المتنبي، وقد شرحه شرحين الشرح الكبير، والشرح الصغير، ولم يصل إلينا في العصر الحديث سوى الشرح الصغير. كان ابن جني يثني دوما على المتنبي ويعبّر عنه بشاعرنا فيقول: «وحدثني المتنبي شاعرنا، وماعرفته إلا صادقا». وكان كثير الاستشهاد بشعره، وإذا سُئل المتنبي عن تفسير بعض أبياته كان يقول: «أسالوا ابن جني فإنه أعلم بشعري مني». بلغ ابن جني في علوم اللغة العربية من الجلالة ما لم يبلغه إلا القليل، ويبدو ذلك واضحا في كتبه وأبحاثه التي يظهر عليها الاستقصاء والتعمق في التحليل، واستنباط المبادئ والأصول من الجزئيات. اشتهر ببلاغته وحسن تصريف الكلام ،والإبانة عن المعاني بوجوه الأداء ووضع أصولا في الاشتقاق ومناسبة الألفاظ للمعان،.ومع غموض مذهبية ابن جني فمن المتفق عليه أنَّه كان معتزلياً، وأوَّل إشارة إلى اعتزاله عند جلال الدين السيوطي في «المُزهِر»: «ابن جني كان معتزليّاً، كشيخه أبي علي». وهناك عدد من الأدلَّة تؤيد حقيقة اعتزاله، ويذكر محمد النجار عدد من الأدلَّة على اعتزاله، ومنها اعتقاد ابن جني بمبدأ المعتزلة في خلق الإنسان لأفعاله، فيقول في «الخصائص»: «نحو خلق الله السماء والأرض وما كان مثله، ألا ترى أنَّه - عزَّ اسمه - لم يكن منه بذلك خلق أفعالنا؟ ولو كان حقيقةً، لا مجازاً، لكان خالقاً للكفر والعدوان وغيرها من أفعالنا عزَّ وعلا». ويذهب إلى أنَّ الله خالق لكلامه، وهو قولٌ معتزليٌ مشهور، وعلى هذا المبدأ المعتزلي يُفسِّر الآية من سورة النساء: «وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكلِيماً». ويضيف عبده الراجحي دليلاً أخراً على اعتزاله من «المُحتَسب» حيث يُفَضِّل ابن جنِّي القراءة الشاذَّة للآية من سورة الأعراف: «قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَسَاءَ»، على القراءة المشهور للآية التي تقول: «قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ»، لأنَّ القراءة الشاذَّة تُظهِرُ العدالة الإلهية أكثر من المشهورة، ومفهوم العدل هو من أصول المعتزلة، وتأثَّر ابن جني بالاعتزال في صناعته النحوية واللغوية، فيستعير مصطلحات من المعتزلة ،ويوظِّفها في دراساته، ومن ذلك أنَّه وضع باباً في «الحُكم يقف بين الحكمين» يكثر فيه من تكرير عبارة «المنزلة بين المنزلتين»، والمنزلة بين المنزلتين من أصول المعتزلة، وهو منزلة الفاسق بين المؤمن والكافر، وهذه القضيَّة هي سبب اعتزال واصل بن عطاء عن مجلس أبي الحسن البصري ، ومن ثمَّ نشوء فرقة المعتزل، ويجعل الدكتور فاضل السامرائي من اعتزال ابن جني مؤشِّراً على تشيُّعه الذي يجده مصطنعاً، نظراً للعلاقة التاريخية السياسية بين الاعتزال، والتشيُّع. ومحمد النجار لا يجزم أنَّ ابن جني كان معتزليّاً، ويضع احتمال أنَّه اقتبس منهم ما رآه صواباً، ولكنَّه لم يُلزم نفسه بالتقيُّد في كُلِّ آرائهم، وفي النحو أخذ ابن جني من المدارس النحوية( البصرية والكوفية والبغدادية) ما يوافق رؤيته، لا يتقيّد بمدرسة معينة، ويخالف ابن جني مذهب البصريين في رفضهم لبعض لهجات العرب، واقتصارهم في السماع من قبائل مُعيَّنة، وهو يرى أنَّ جميع لهجات العرب حجَّة في ذاتها، لا يبطل أحدها الآخر، ويصحُّ التحدُّث بها وقبول المرويات منها والقياس وبناء القواعد عليها، فهو يرفض تخطئة من يتحدَّث بلهجة من لهجات اللغة العربية التراثية، إلا أنَّه يسمح بالمفاضلة بين اللهجات، فيصف بعضها بالضعف أو القوَّة ويُعبِّر عن ذلك بـ«الأولى» للهجة القويَّة و«خلاف الأولى» للهجة الضعيفة. ومن ذلك أنَّه يجيز إعمال «ما» في لغة التميميّين، ويمتنع عن إعمالها في لغة الحجازيين، دون تخطئة أحدهما.

 ألَّف ابن جِنِّي عدداً كبيراً من الكُتُب والرسالات، كان لها أثراً بارزاً في الدراسات اللغوية بعده، وامتدَّت مؤلَّفاته لُتَغطِّي مجالات متعدِّدة، وأفصحت عن عقليته الفذَّة، ومكانته الرفيعة بين علماء التراث اللغوي العربي، فكتبَ في علوم اللغة والصرف ،والنحو والقراءات والتفسير والنقد الأدبي، واهتمَّ العلماء بَعْدَه بالعناية بكُتُبه، ووضع الشروح عليها، فوصل منها عدد لا بأس به وما زال عدد كبير منها مفقوداً. ويبلغ عدد مؤلفات ابن جنِّي التي وصلت إلينا بالإضافة إلى الكُتُب التي أشارت إليها المصادر التراثيَّة ما يقارب السبعين كتاباً، وصل إلينا منها تسعة وعشرون مخطوطاً، طُبِعَ منها عشرون كتابا أشهرها:

  • الألفاظ المهموزة (في الصرف، 1923م).
  • التصريف المملوكي (في الصرف، 1885م).
  • تفسير أرجوزة أبي نواس (في الأدب، 1966م).
  • التّمام في تفسير أشعار هذيل (في الأدب، 1962م).
  • الخصائص (في اللغة، 1952-1956).
  • سر صناعة الإعراب» (في الصرف، 1954).
  • عقود اللمع (في النحو، 1978).

توفي سنة 392 هجرية .......

قضايا لغويّة ونحويّة

التذكير والتأنيث في اللغة العربية

الردّ على من يتهم العربيّة بالذكوريّة:

القول بأن اللغة العربية لغة “ذكورية” وبأنها “منحازة” للرجل يعني، على الأقل ضمنا، أنها لغة “غير منصفة” للمرأة، ولو كانت كذلك لما كان من المنطقي أن تكون الوعاء اللفظي الذي نزل فيه القرآن الكريم الذي يخاطب الرجل والمرأة معا بآيات تنص على حقوقهما وواجباتهما، حيث يقول الله تعالى “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”. ولذلك كان لا بد لهذه اللغة أن تكون منصفة للرجال، والنساء حتى يستطيعوا فهمها والتجاوب مع ما نزل فيها من أحكام، وقد أخبرنا الله تعالى في حديث قدسي بأنه حرم الظلم على نفسه، وجعله بيننا -نحن البشر- محرما حين قال :“يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا، …”. بالطبع يمكن أن يقول كثيرون: إن هذا الخطاب فيه من “المثالية” العالية ما يبعده عن “الواقعية” التي نراها في عالم اليوم المملوء بالتناقضات وبإثارة الخلافات.

أولاً: يجدر بالذكر أن جميع الدراسات اللغوية الحديثة تتفق على أن معظم لغات العالم -إن لم يكن كلها- تخلو من علامات للتذكير، و تحتوي علامات للتأنيث. وهذا يدل على أنّ اللفظ “المذكّر” لفظ “محايد” أو “لفظ يخلو من أي دلالة على جنس الفاعل – “genderlessبمعنى أنه يصح للذكر، والأنثى.

ثانيًا: وكما توضح الآيات الكريمة الآتية، فإن ألفاظا كالاسم الموصول “الذين” ليست مذكرة، بل هي محايدة، وإلا لفهمت هذه الآيات على أنها أوامر وأحكام تخص رجال المسلمين، ولا تخص نساءَهم، وهذا فهم خاطئ ؛لأن صيام رمضان وطاعة الله والرسول وأولي الأمر والتوبة إلى الله واجبة على جميع المسلمين، ذكورا وإناثا.

يقول تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”.

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ “.

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا”.

وإذاً فإن هذه الألفاظ العربية ليست مذكرة ، ولا تعامل المرأة بانحياز ودونية، وإنما هي محايدة والدليل هو معاني الآيات السابقة، و مثلها كثير في كتاب الله.

ثالثا: وكما تؤكد الآيات الكريمة الآتية من أن الفاعل المؤنث يتفق مع الفعل الذي يبدو مذكرا، لأن هذا الفعل في حقيقة الأمر محايد، ولو كان مذكرا لما اتفق مع الفاعل المؤنث.

قال تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ…”.

” وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي”.

” فَقَدْ جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ”.

وكما تبين الآيات الكريمة الآتية؛ فإن الفاعل المؤنث (الضَّلَالَةُ) يتفق مع الفعل المؤنث في الآية الأولى ومع  الفعل عينه “محايدا من حيث الدلالة على جنس الفاعل” في الآية الثانية، وتدل الآية الأولى هنا بما لا يدع مجالا للشك أنه كان لا بد من تأنيث الأفعال في الآيات الثلاث السابقة (جَاءَكُمُ، ذَهَبَ، جَاءَكُم) لو كانت فعلا مذكرة لتتفق و، الفواعل المؤنثة (الْمُؤْمِنَاتُ، السَّيِّئَاتُ، بَيِّنَةٌ)، ولكن ذلك لم يحدث لأن الأفعال محايدة (و ذلك لأن كتاب الله، -أو بالأحرى كلامه عز وجل،- نزل في أكمل التراكيب، والصور النحوية والصرفية). وكذلك تبين الآية الثالثة اتفاق اسم إنّ المؤنث مع خبرها المحايد.

“فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ”.

“فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ”.

“إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ”.

ونلاحظ هذا النمط النحوي، والصرفي في جمل اللغة العربية أيضا من خارج القرآن الكريم، مثل: ” حضرت النساء” و “حضر النساء”، و “سافرت البنات” و سافر البنات”. وهذا الرأي يشرح حقيقة أن كلمة “زوج” كلمة محايدة تصح للرجل والمرأة، كما توضح الآيتين الكريمتين الآتيتين، على التوالي، وأن كلمة “زوجة” مؤنثة لاحتوائها على تاء التأنيث، قال تعالى:

“قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا”.

“فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ”.

ومن وجهة نظر بعضهم، فإن كلمة “وزير” مذكرة وكلمة “وزيرة” مؤنثة، ومن وجهة نظر أخرى (إذا آمنا باحترام الرأي الآخر) فإن كلمة “وزير” محايدة من حيث الجنس وكلمة “وزيرة” مؤنثة، و لذلك يصح أن نطلق كلمة “وزير” على الرجل والمرأة، ولكن لا يصح أن نقرن أسم رجل بلفظة “وزيرة”. ومن قبيل ذلك ألفاظ مثل “مدير عام” وضابط مدني” ومعلم أول” التي تطلق على الرجال والنساء. ويقابل هذا النمط الشائع في القرآن الكريم (من حيث أن الألفاظ المحايدة تصح للرجال والنساء) النمط الآخر، والذي توضحه الآية الكريمة الآتية، حيث يحذر الله تعالى من السخرية من الآخرين تارة للناس جميعا (قوم) رجالا و نساء، و ليس للرجال فقط، وتارة للنساء فق، .قال تعالى:

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ”.

يعيد الله تعالى التحذير من السخرية لـ “النساء” في هذه الآية الكريمة ليؤكد التحذير للنساء لميل كثير منهن إلى التفاخر والسخرية من الآخرين خاصة أنهّن أكثر عرضة إلى النقاشات الاجتماعية.

يقول ألبرت أينشتاين (وهو غني عن التعريف): “إذا لم تتفق النظرية مع الحقائق، فغيروا الحقائق”. شخصيا، لا أعتقد أن شخصا مثل أينشتاين يوصي بتغيير الحقائق، وذلك لأنه يعلم مثل ما نعلم جميعا أن الحقائق لا يمكن تغييرها، ولو تظاهرنا بإمكانية تغييرها فإننا نخدع أنفسنا، و لكن ما كان أينشتاين يقصده، بحسب فهمنا، هو دعوة لتغيير “فهمنا للحقائق” (و عدم التسرع في رفض النظرية) وذلك إمّا بمحاولة فهم الحقائق بطريقة أخرى، أو بإعطائها لغيرنا لنرى إنْ كان بإمكانهم أن يفهموها بطريقة أخرى.

من خلال تقديم فهم آخر لحقيقة ألفاظ اللغة العربية، حاولنا فيما تقدّم توضيح اللبس في ألفاظها التي تبدو مذكرة في ظاهرها، وأكدنا أنها ليست مذكرة، بل محايدة من حيث الجنس والدليل على ذلك هو خلوها من علامة للتذكير (بخلاف مرادفاتها المؤنثة). ونأمل أن نكون قد أثبتنا براءة اللغة العربية من ظلم المرأة، وأثبتنا أن اللغة العربية لم ترسّخ دونيّة المرأة ، وأنها لم تنتج خطابا ذكوريا طائفيا ضد المرأة كما يدعي بعضهم. طبعا لا يعني هذا أن اللغة العربية تخلو من ألفاظ تصح للرجال، و لا تصح النساء، كالضمائر “هو” و”أنتَ”. أمّا الألفاظ التي يعدّها كثيرون مذكرة مع خلوها من علامات التذكير فقد اصطلح على “ذكورتيها” في القرون الماضية نتيجة لوجود ألفاظ مؤنثة (بها علامات تأنيث) مقابلة لها تستخدم للإناث.

وإن كان هناك من تفسير آخر للحقائق التي سبق ذكرها هنا، فهو أن اللغة العربية كرّمت المرأة من خلال منحها ألفاظا تخصّها، ولا تصح لغيرها، فهل في ذلك تقليل من شأن المرأة؟

 ما يُروى رواية ًمن المؤنث:

العين، والأذن، والكبد، والكرش، والفخذ، والفحث، والورك، والساق، والعقب، والكف، والكتف، والضلع، واليد، والقدم، والفرسن، والرجل، والنعل، والفهر، والسِّلْم، والسُّلَّم، والفأس، والكأس، والغول، والضبع، والخيل، والغنم، والإبل، والرحى، والعصا، والبئر، والدلو، والطست، وسقر، والطسة، والنوى، والسن، والضرب، والسرى، والقدر، والخمر، والريح، والعرس، والسوق، والذود، والناب، والضأن، والمعز، والضحى، والعناق، والعقاب، واللبوس، والطاغوت، والشمال، ومما يذكّر ويؤنّث وتصغيره إذا أنث بغير هاء: الفلك، واللسان، والعاتق، والذراع، والمتن، والذهب، والسبيل، والطريق، والسكين، والصاع، والعجز، والسلاح، والعنكبوت. وخلف وأمام وقدام ووراء. وجميع حروف المعجم نحو ألف والباء والتاء وغيرها. وجميع حروف الأدوات نحو حتى ومتى ومن وغيرها.

ومماّ يُذَكر ويؤنث والمعنى فيه مختلف: الليت مذكر فمؤنثهُ بمعنى العنق، والعلباء مؤنثُه بمعنى العصب، الأضحى مؤنثهُ بمعنى النار، المسك مذكر مؤنثه بمعنى الريح، والريح مؤنثة فمذكرها بمعنى النشر، الحانوت مؤنثة فمذكرها بمعنى البيت، السماء مؤنثة فمذكرها بمعنى السقف، الشام مذكر فمؤنثه بمعنى البلدة، الطوي مذكر فمؤنثه بمعنى البئر، المال مذكر بمعنى الإبل والماشية، العين مؤنثة فمذكرها أعيان الرجل، النفس مؤنثة فمذكرها نفس الرجال.

فلهذه العلة قلنا: إنه لا يجب الاشتغال بطلب علامة تميز المؤنث من المذكر؛ إذ كانا غير منقاسين، وإنما يعمل فيهما على الرواية، ويرجع فيما يجريان عليه إلى الحكاية.

ونبيّن ما سُمع فيه التذكير والتأنيث من المشكل مرتب على نسق حروف المعجم ليُقرّب على منَ يودّ الاستزادة:

الألف:

الأُذُنُ: أنثى تصغيره أذينة، وجمعها ثلاث آذان؛ للإنسان كانت أو للدلو أو الكوز.الأنعامُ: مؤنثة وهي جمع نعم مذكر لم يسمع تذكيرها؛ وهي الإبل والمواشي.الإصبَعُ: مؤنثة، وكذلك جميع أسمائها؛ أعني الخنصر والبنصر والوسطى والسبابة خلا الإبهام. وكذلك جمعها مؤنث أعني الأصابع؛ وجمعها خناصر وبناصر ووسط وسبابات.

الإبهام: تؤنثها جميع العرب إلا بعض بني أسد؛ فإنهم يذكرونها وجمعها أباهيم.الإبط: الفراء يذكره ويؤنثه. والأصمعي لا يجيز تأنيثه.الأشْجَعُ: أحد أشاجع الإصبع؛ مذكر، تصغيره أشيجع وهو العصبة التي على ظهر الكف في أصل الأصابع.

الأَذْفُ: ذكر، لم يؤنث قط. الألْفُ: من العدد ذكر، يجمع ثلاثة ألف. فإن رأيت قائلاً يقول: هذه ألف درهم، فإنما يعني الدراهم لا الألف، ولو كان الألف مؤنثاً لقيل في جمعه :ثلاث آلاف. الأضْحَى: مؤنثة. فإن رأيتها مذكرة فإنما يقصد بها إلى اليوم لا إلى الأضحى .الأَفْعَى: اسم للأنثى من جنسها، وذكرها الأفعوان.الأَرنبُ: اسم للمؤنث من جنسه، وذكرها خُزَز بضم الخاء وفتح الزاي، وجمعه خزان، وفي القلة ثلاث أخزة.

ابنُ عِرس: وابن آوى. وابن قِتْرَة: وهو ضرب من الحيّات، اسم للذكر والأنثى يحمل على لفظه. فإذا جمعته وكل أولاد الحيوان غير الناطق قلت: بنات عرس وبنات آوى وبنات قترة.الإِبِلُ: مؤنثة، تصغيرها أبيلة، وجمعها الكثير آبال.الآلُ: الذي يشبه السراب، يذكر ويؤنث. وتذكيره أجود.أنا: يكنى به الذكر والأنثى عن أنفسهما. يقول الرجل: أنا قلت، والمرأة أيضاً تقول: أنا قمت؛ بلفظ واحد.أَحَدٌ: يقع على الذكر والأنثى، تقول: ما في الدار أحد، أي ليس فيها ذكر ولا أنثى.أَمَامُ: حرف من حروف الصفات، مؤنثة، تصغيرها أميم وأميمة بإسكان الياء.الأَزْيَبُ: النشاط، مؤنثة. يقال: مرَّ فلان وبه أزيب منكرة، وأزبي أيضاً.

الأَرضُ: مؤنثة، تصغيرها أريضة، وجمعها أرضون بفتح الألف والراء. فإن رأيتها مذكرة في الشعر فإنما يعني بها البساط لا الأرض.

أيُّ: يقع على الذكر فيترك لفظه موحداً في التثنية والجمع. وإن شئت وحدت العدد الذي يكنى به عنه على اللفظ؛ فقلت: ما أدري أيهم قال ذاك وأنت تعني واحداً أو جمعاً. وإن شئت ثنيت وجمعت على المعنى، فقلت أيهم قال، وأيهم قالوا. ويقع على مؤنث، فإن شئت تركت اللفظة مذكرة موحدة، فقلت: أيهن قال ذاك، يعني واحدة واثنتين، وإن شئت تركت لفظة أي مذكرة وأنثت العدد على المعنى؛ فثنيت إذا أنثت وجمعت لا غير؛ فقلت: أيهن قالت ذاك، وأيهن قالتا ذاك، وأيهن قلن ذلك. إن شئت أنثت لفظة أي فلم يكن إذا أنثتها إلا التثنية والجمع؛ تقول: أيتهن قالت، وأيتهن قالتا، وأيتهن قلن. ولفظة أي كيف تصرفت حاله في التذكير أو التأنيث موحد يثنى ولا يجمع.

أَفْعَلُ: وأفعل يقع منك على الذكر والأنثى؛ مذكراً في لفظه لا يدخله التأنيث البتة. ولك أن تنزل ما يكنى به عنه من ذكران وإناث مذكراً على اللفظ وموحداً؛ فتقول: زيد أفضل منك والزيدان أفضل منك والزيدون أفضل منك، وهند أفضل منك، والهندان أفضل منك والهندات أفضل منك، وأفضلهم قال ذلك. وإذا تبعت اللفظ لم تثن ولم تجمع ولم تؤنث. وإن أردت إظهار المعنى فلك أن تقول: أفضلهم قالا، وأفضلهم قالوا، وأفضلهن قالت، وأفضلهن قالتا، وأفضلهن قلن.

الباء:

البَطْنُ: من الإنسان وسائر الحيوان مذكر، لا يجوز تأنيثه البتة. فإن عنى بطون القبائل جاز تأنيثه؛ لأنه إنما يكنى بالبطن عن القبيلة فيؤنث كما يؤنث حلوان وجرجان إذا عنى بهما البلدة وهما مذكران.

البَاعُ: مؤنثة، تصغيرها بويعة. وفلان يتبوع في كلامه؛ كما تقول من الذراع يتذرع.

البَازُ: مذكر لا اختلاف فيه، وتثنيته بازان. ولفظة أخرى باز وبازيان، وجمعه أبواز وبيزان وبزاة.

البُخْتُ: جمع البختىّ من الإبل مؤنثة، وتجمع أيضاً بخاتيّ.

البَرَاجِمُ: إناث، واحدتها برجمة؛ وهي ملتقى رؤوس السلاميات من ظاهر الكف التي تنشز إذا قبض الإنسان كفه. والسلاميات: العظام التي بين كل مفصلين من مفاصل الأصابع، وهي التي تسمى القصب.

البُسْرُ: يؤنثه أهل الحجاز ويذكره غيرهم. بَعْضُ: اسم يقع على الذكر والأنثى فيكون لفظه موحداً لا يتغير عن صورته. ولك فيما تكنى به عنه أن تتركه موحداً مذكراً على اللفظ؛ فتقول: بعضهم قال، يعني رجلين ورجالاً وامرأة وامرأتين وجماعة نساء. ولك أن تظهر المعنى فتثنى وتجمع وتؤنث؛ فتقول: بعضهم قال وقالا وقالوا، وبعضهن قالت وقالتا وقلن.البِئْرُ: مؤنثة تصغيرها بؤيرة، وجمعها ثلاث أبؤر والكثيرة الأبْآر.

التاء:

التَّاءُ: في فعلت وفعلتما وأنت وأنتما يستوي فيه الذكر والأنثى. التَّمْرُ: يذكره أهل الحجاز، ويؤنثه غيرهم.

الثاء:

الثَّدْيُ: مذكر، وجمعه ثُدِيُّ وتصغيره ثُدَيُّ. الثعلب: اسم يقع على الذكر والأنثى. فإذا أردت تأكيد التذكير قلت: ثعلبان للذكر. الثُّرَيَّا: مؤنثة عنيت بها الكواكب أو السرج أو غيرها. الثُّعْبان: الحية الضَّخم؛ يقع على الذكر والأنثى من جنسه.

الجيم:

الجَام: مؤنثة تصغيرها جويمة، وجمعهما أجؤم وجام. الجَنِينُ: ذكر لا جمع له. الجَبين: ذكر؛ وهو ما اكتنف الجبهة من الجانبين. الجَحِيم: خاصة من بين أسماء النار مذكر. وسائر أسمائها مؤنث مثل سقر ولظى وجهنم. الجَرادَة: اسم للذكر والأنثى. وقد تقول العرب: رأيت جراداً على جرادة؛ أي ذكراً على أنثى.

جُرجانُ: كل اسم لبلدة في آخره ألف ونون مذكر، هكذا حكى الفراء. وقال غيره: أخطأ من قاس هذا على عمّان وحوران المذكرين؛ لأن العرب تؤنث جرجان وخراسان وبكران وحلوان وسجستان. والفراء يقول: إنه إذا أنث شيء من ذلك فإنما يعنى به البلدة.

الجَزُور: مؤنثة.الجَفْنُ: ذكر.جُمادى: من بين سائر الشهور مؤنثة، فإن ذكرت في شعر فإنما يقصد بها الشهر.كل جمع لغير الناس، مذكراً كان واحده أو مؤنثاً كالإبل جمع جمل، والأرجل جمع رجل، والبغال جمع بغل، والظباء جمع ظبى فهو مؤنث.كل جمع على جمع التكسير للناس وسائر الحيوان الناطق يجوز تذكيره وتأنيثه؛ مثل الملوك والقضاة والرجال والملائكة والرسل. فإن جمعته بالياء والواو لم يجز في فعله غير التذكير ؛ الزيدون قاموا لا غير.

--------------------------------------------------------------------------------

كل جمع كانت في واحدته الهاء فسقطت من جمعه، فالجمع يذكر ويؤنث، مثل بقر جمع بقرة وجراد جمع جرادة وحب جمع حبة ونخل جمع نخلة. كل جمع في آخره تاء فهو مؤنث، مثل حمامات وجرادات وتمرات ودريهمات ودنينيرات. إذا اجتمع مذكر ومؤنث غلّبت المذكر فقلت: لفلان خمسة بنين يعني ذكوراً وإناثاً، وجاءني فلان وفلانة ابنا فلان.

الحاء:

الحَاجِبُ: مذكر ويجمع حَوَاجب. الحالُ: أنثى. وأهل الحجاز يذكرونها. وتجمع أحوالاً، وربما أدخلت فيها الهاء فقيل حالة وتجمع حالات. الحانوت: مؤنثة، فإن رأيتها مذكرة فإنما يعنى بها البيت. ويقال هو حانوي وحاني. الحِجَازُ: مذكر. الحمَّامُ: مذكر، وهو بيت الماء والحرارة.

الحَدُورُ: مؤنثة. تقول: وقعوا في حدور صعبة وهي موضع تنحدر منه. حذَامِ: اسم للضبع، مبني على الكسر مفتوح الأول مؤنث. تصغيرها حذيمة. الحَربُ: مؤنثة. تصغيرها حريب بإسقاط الهاء لئلا يشبه تصغير حربة، وإلا فالقياس في كل مؤنث ثلاثي ليس في واحدته هاء أن يزاد في تصغيره الهاء.

الحَرُورُ: أنثى، وهي الريح الحارة بالليل. حُرُوف المعجم: كلها مؤنثات، مثل الألف والباء والتاء والثاء وسائرها. الحَشَا: واحد الأحشاء، مذكر. حَضَارِ: اسم نجم مذكر مبني على الخفض لا يجرى مثل قَطَام.

حَضَاجِرُ: اسمٌ للضبع مؤنث، على وزن الجمع مفتوح الأول. حُلوان: وكل اسم من أسماء البلدان في آخره ألف ونون: مذكر. فإن رأيته مؤنثا فإنما يعنى به البلدة، هكذا حكى الفراء. وقال غيره: قد أنثت العرب هذه كلها. الحَمَامُ: اسم الذكر والأنثى. فإن أردت الصحيح التأنيث قلت: رأيت حماماً على حمامة؛ أي ذكراً على أنثى. الحمَّى الحارة، مشددة: مؤنثة. وكذلك جميع أسمائها ونعوتها مثل النافض والصالب والربع والوعك وأم ملدم، وسباط مبنية على الكسر. حَوْرَان: اسم موضع، ذكر.الحَيَّةُ: اسم للذكر والأنثى.

الخاء:

الخَدُّ: مذكر، والجمع خدود. خراسان: وكل اسم من أسماء البلدان في آخره ألف ونون: فهو مذكر، فإن أنثت فإنما يقصد به إلى البلدة، هكذا حكى الفراء. وقال غيره: إن العرب تذكر ذاك وتؤنثه.

الخِرْنقُ: ولد الأرنب، الغالب عليه التأنيث.الخَصْر: مذكر، والجمع خصور.الخَمْرُ: مؤنثة، وكذلك جميع أسمائها وصفاتها مثل الراح والعقار والشمول والمدام والكميت والقرقف. والخندريس والإسفنط على أنهما روميتان.

الدال:

الدَّارُ: أنثى، تصغيرها دويرة، وجمعها الأقل ثلاث أدؤر، والكثير الدور. وقد يقال لها دارة بالهاء إذا عنى بهما المسكن؛ كما قال امرؤ القيس:

ألا رب يوم صالح لك منهما ... ولا سيما يوم بدارة جلجل

الدَّابَّة: اسم يقع على الذكر والأنثى فتكون مؤنثة على الأكثر أيهما عنيت بها. وربما ذكرت إذا عنى بها المذكر، وقصد بها الشخص.

دابِقُ: اسم موضع بالشام مذكر.الدِّرعَ: إذا عنيت بها درع الحديد مؤنثة، تصغيرها دريعة، ويقال درع سابغة ومفاضة. ودرع المرأة مذكر.الدَّلاةُ: أنثى، وجمعها دلىً مقصور، مثل قطاة وقطا. الدّلوُ: أنثى تصغيرها دليَّة. وجمعها: ثلاث أدل، والكثير: الدلاء ممدود.

الذال:

الذِّراعُ: مؤنثة تصغيرها ذريِّعة مشددة، وجمعها ثلاث أذرع. وحكى الفراء أن بعض عكل يذكرها ويصغرها ذريِّع، وهو شاذ غير مختار ولا معمول عليه البتة.الذَّهبُ: مؤنثة، وربما ذكِّرت.

ذُكَاءُ: اسم للشمس؛ مؤنث ممدود. الذَّنوب: مذكر مفتوح، وهو الدلو الكبيرة. والذنوب أيضاً الحظ والنصيب مذكر، من قوله عز وجل " فإن للذن ظلموا ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم " أي حظاً مثل حظهم.

الذَّوْدُ: من الإبل مؤنثة، تصغيرها ذويد بإسقاط الهاء لأنها أشبهت المصادر كما أشبهتها الحرب. وهي من ثلاث إلى عشر من النوق خاصة.

الراء:

الرِّجل: مؤنثة تصغيرها رجيلة، وتجمع ثلاث أرجل. وكذلك الرجل من الجراد. الرَّحى: أنثى، تصغيرها رحية، وجمعها أرحاء ممدود، ولا يجوز أرحية لأنه ليس في المقصور شيء يجمع على أفعلة. وإنما هذا وزن جمع الممدود مثل قباء وأقبية وفناء وأفنية.الرَّخِل: بفتح الراء وكسر الخاء؛ الأنثى من ولد الضأن مؤنثة، تصغيرها رخيلة. وذكرها الحمل، وجمع الرخل رُخال بالضم.

نكتفي بهذا القدر ، على أن نضيف ماتبقّى في أعداد قادمة

--------------------------------------------------------------------------------

........................

قضاياأدبيّة ودراسات نقديّة

صورة العدل النمطية في اللغة، والشعر :

الْعَدْلُ : ضِدُّ الْجَوْرِ وهو مَا قامَ في النُّفُوسِ أَنَّهُ مُسْتَقِيمٌ وقيلَ : هو الأَمْرُ الْمُتَوَسِّطُ بينَ الإِفْراطِ والتَّفْرِيطِ ،وقالَ تَعالَى : " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإِحْسانِ " فَإِنَّ العَدْلَ : هو المُساوَاةُ في المُكافَأَةِ إِنْ خَيْراً فَخَيْرٌ وإِنْ شَرّاً فَشَرٌّ، والإِحْسَانُ : أنْ يُقابِلَ الخَيْرَ بِأَكْثَرَ منه ،والشَّرَّ بِأَقَلَّ منه كالْعَدالَةِ والعُدُولَةِ بالضَّمِّ والْمَعْدِلَةِ بكسْرِ الدَّالِ والمَعْدَلَةِ بِفَتْحِها قالَ الرَّاغِبُ : العَدَالَةُ والمَعْدَلَةُ : لَفْظٌ يَقْتَضِي المُساوَاةَ ،ويُسْتَعْمَلُ باعْتِبارِ المُضَايَفَةِ . عَدَلَ الحاكِمُ في الحُكْمِ يَعْدِلُ من حَدِّ ضَرَبَ عَدْلاً فَهُوَ عَادِلٌ يُقالُ : هو يَقْضِي بالحَقِّ ويَعْدِلُ وهو حَكَمٌ عَادِلٌ ذو مَعْدَلَةٍ في حُكْمِهِ مِن قَوْمٍ عُدُولٍ ،وعَدْلٍ أَيضاً بِلَفْظِ الْواحِدِ ..ومن معاني العدل : القسط والإنصاف والاستقامة..

وقالَ ابنُ جِنِّيٍّ : قَوْلُهم رَجُلٌ عَدْلٌ وامْرَأَةٌ عَدْلٌ إِنَّما اجْتَمَعا في الصِّفَةِ المُذَكَّرَةِ لأَنَّ التَّذْكِيرَ إِنَّما أَتاهَا مِن قِبَلِ المَصْدَرِيَّةِ فَإِذا قيل : رَجُلٌ عَدْلٌ فَكَأَنَّهُ وُصِفَ بِجَميعِ الجِنْسِ مُبالَغَةً كَما تَقُولُ : اسْتَوْلَى على الفَضْلِ وحازَ جميعَ الرِّياسَةِ والنُّبْلِ، ونَحْوَ ذلكَ فوُصِفَ بالجِنْسِ أَجْمَعَ تَمْكِيناً لهذا المَوْضِعِ وتَأْكِيداً وجُعِلَ الإِفْرادُ والتَّذْكِيرُ أَمارةً للمَصْدَرِ المَذْكُورِ وكذلكَ القَوْلُ في خَصْمٍ ونَحْوِهِ مِمَّا وُصِفَ بِهِ مِنَ الْمَصادِرِ ،فقالَ : خُصُومٌ وأَضْيَافٌ . وعَدَّلَ الْحُكْمَ تَعْدِيلاً : أقامَهُ وعَدَّلَ فُلاَناً : زَكَّاهُ أي قال : إِنَّهُ عَدْلٌ . وعَدَّلَ الْمِيزانَ والمِكْيَالَ : سَوَّاهُ فاعْتَدَلَ . وَازَنَهُ وكذا : عادَلَ بينَ الشَّيْئَيْنِ . وعَدَلَهُ في الْمَحْمِلِ وعَادَلَهُ : رَكِبَ مَعَهُ . والْعَدْلُ : الْمِثْلُ والنَّظِيرُ كالْعِدْلِ بالكسرِ والْعَدِيلِ كأميرٍ وقيل : هو الْمِثْلُ وليسَ بالنَّظِيرِ عَيْنِهِ ج : أَعْدَالٌ وعُدَلاَءُ . قالَ الرَّاغِبُ : العَدْلُ والعِدْلُ مُتَقارِبَانِ لكن العَدْلُ يُسْتَعْمَلُ فيما يُدْرَكُ بالبصِيرَةِ كالأَحْكَامِ وعَلى ذلكَ قَوْلُه تَعالى : " أوْ عَدْلُ ذلكَ صِيَاماً " والعِدْلُ والعَدِيلُ فيما يُدْرَكُ بالحاسَّةِ كالمَوْزُوناتِ المَعْدُودَاتِ والمَكِيلاَتِ ،. والعِدْلُ بِالْكَسَرِ : نِصْفُ الْحِمْلِ يكونُ عَلى أَحَدِ جَنْبَي البَعِيرِ وقالَ الأَزْهَرِيُّ : العِدْلُ : اسْمُ حِمْلٍ مَعْدُولٍ بِحِمْلٍ أي مُسَوّىً به ج : أَعْدَالٌ وعُدُولٌ عن سِيبَوَيْهِ ومِنْ ذلكَ تقولُ في عُدُولِ قَضاءِ السُّوءِ : ما هم عُدُولٌ ولكنْ عُدُولٌ . وعَدِيلُكَ : مُعَادِلُكَ في المَحْمَلِ وقالَ الجَوْهَرِيُّ : العَدِيلُ الذي يُعادِلُكَ في الوْزَنِ والقَدْرِ والاعْتِدالُ : تَوَسُّطُ حالٍ بينَ حَالَيْنِ في كَمٍّ أو كَيْفٍ كقولِهِم : جِسْمٌ مُعْتَدِلٌ بينَ الطُّولِ والقِصَرِ وماءٌ مُعْتَدِلٌ بينَ البارِدِ والحَارِّ ويومٌ مُعْتَدِلٌ طَيِّبُ الهَواءِ ضِدُّ مُعْتَذِلٍ بالذَّالِ المُعْجَمَةِ وكُلُّ ما تَنَاسَبَ فَقَدْ اعْتَدَلَ وكُلُّ ما أَقَمْتَهُ فَقَدْ عَدَلْتَهُ بالتَّخْفِيفِ وعَدَّلْتَهُ بالتَّشْدِيدِ وزَعَمْوا أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ : الحمدُ للهِ الذي جَعَلَنِي في قَوْمٍ إِذا مِلْتُ عَدَّلُونِي كما يُعَدَّلُ السَّهْمُ في الثِّقافِ أي قَوَّمُونِي، العَدْلُ : الاِسْتِقَامَةُ ،وقوله تعالى : " فَعَدلَكَ في أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ " قُرِئَ بالتَّخْفِيفِ وبالتَّثْقِيلِ فالأُولَى قِراءَةُ عاصِمٍ والأَخْفَشِ والثانِيَةُ قِراءَةُ نافِعٍ وأَهْلِ الحِجازِ ،وانْعَدَلَ عَنْهُ : تَنَحَّى، وانْعَدَلَ الفَحْلُ عنِ الضَّرابِ : تَنَحَّى ،وعَادَلَ : اعْوَجَّ قالَ ذُو الرُّمَّةِ:

وإِنِّي لأُنْحِي الطَّرْفَ عَن نَحْوِ غَيْرِها ... حَيَاءً ولو طَاوَعْتُهُ لم يُعادِل

أي لم يُنْعَدِلْ وقيلَ : مَعْناهُ لَمْ يَعْدِلْ بِنَحْوِ أَرْضِها أي بِقَصْدِها نَحْواً . والعِدَالُ كَكِتَابٍ : أنْ يَعْرِضَ لك أَمْرَانِ فَلا تَدْرِي لأَيِّهِمَا تَصِيرُ فَأَنْتَ تَرَوَّى في ذلكَ عن ابنِ الأَعْرابِيِّ

وأَنْشَدَ:

 وذُو الْهَمِّ تُعْدِيهِ صَرِيمَةُ أَمْرِهِ ... إذا لم تُمَيِّثْهُ الرُّقَى ويُعَادِلُ

أي يُعادِلُ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ أَيَّهُما يَرْكَبُ تُمَيِّثْهُ : تُذَلِّلْهُ المَشُورَاتُ وقَوْلُ النَّاسِ أَيْنَ تَذْهَبُ . والمُعادَلَةُ : الشَّكُّ في أَمْرَيْنِ يُقالُ : أَنا في عِدَالٍ مِنْ هذا الأَمْرِ أي في شَكٍّ منه أَأَمْضِي عليه أَمْ أَتْرُكُهُ ؟ وقد عادَلْتُ بينَ أَمْرَيْنِ أَيَّهُما آتِي أي مَيَّلْتُ . كذلك  العدل هو إعطاء المرء ما له والأخذ منه ما عليه....إنه ميزان الله تعالى في الأرض... وصفة من صفاته ،واسم من اسمائه. قال تعالى : «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم ...» (النساء)

العدل نور يزيل الظلمة ويقين يكشف الغمة....إنه الصوت الذي يطيب لنا أن ننصت إليه...ونسمعه كي نفهم أنفسنا والحياة من حولنا....ما أجمل أثره وما أعلى صوته.

جاء بالعدل الذي يكفل للجميع قاعدة ثابتة للتعامل...لا تتأثر بالود ولا بالبغض ولا تميل مع الهوى. ولا تتبدل بالغنى والفقر، والقوة والضعف...تكيل بمكيال واحد وتزن بميزان واحد ودعوته أممية لا تعصب فيها لأمة ولا لجنس...بالعدل يتعامل الخلق مباشرة مع الله...

متخلصة من كل عاطفة ومصلحة. متجردة من كل اعتبار.... غير تقوى الله ،ومرضاته.

عدل شامل لكل حال ولجميع البشر...فقد وصف الله نفسه بالحق، وأنه العدل...والحق والعدل شرطان لصلاح الأمة ، وأهم دعائم السعادة أن يطمئن الناس على حقوقهم...ويستقر العدل بينهم، فما من شيء أبعث على الشقاء وأنفى للاستقرار من سلب الحقوق واغتيالها...وتسلط الجبارين على المسالمين الآمنين.

قالت العرب: العدل أقوى جيش وأهنأ عيش.

أوصى عربي ابنه :يا بني... إياك والجور فإن من استعمل الجور مع الناس استعمل الله معه العدل ،وعليك بالعدل فإن من استعمل مع الناس العدل استعمل الله معه الفضل ،والسعيد من تفضل الله عليه..

وقال أحد الوعاظ لأحد السلاطين : افعل برعيتك كما تحب أن يفعل الله بك.

وكتب علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كتابا إلى أحد ولاته قائلا:- لا يكون المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فإن في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان.... وتدريبا لأهل الإساءة على الإساءة.

ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين.... وأهل البؤس والزمنى (أصحاب العاهات).... فاحفظ الله ما استحفظك من حقه فيهم، واجعل لهم قسما من بيت المال.

وقال بعض الملوك لابنه: يا بني، عليك بالعدل والإنصاف فإنه يعمر الديار.... ويحسن الذكر، وإياك والجور ،فإنه يزيل النعم، ويقمع الدول.

إن سعادة البشر أن يطمئنوا على حقوقهم ،ويستقرالعدل فيما بينهم.... وسلب الحقوق واغتيال الأقوياء حقوق الضعفاء، وتسلط الجبارين على الآمنين فيه فتنة وشقاء.

يقول(ص): " إن للمقسطين عند الله منابر من نور عن يمين الرحمن".

وقال: "سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل الا ظله.... وذكر إمام عادل"

وقد وصف الأنباري الحق للخليفة المعتز وقال:- لم أر كالحق أصدق قائلا، ولا أفضل عالما، ولا أجمل ظاهرا، ولا أعز ناصرا، ولا أوثق عروة، ولا أحكم عقدة، ولا أعلى حجة، ولا أوضح محجة، ولا أعدل في النصفة، يستوي الملك والسوقة في واحته.... ويعدل البغيض والحبيب في حقيقته.

طالبه حاكم على خصمه، وصاحبه أمير على أميره.... من دعا إليه ظهر برهانه، ومن جاهد عليه كثر أعوانه، يمكن دعاته من آلة القهر، ويجعل في أيديهم آلة النصر.... ويحكم لهم بغلبة العاجلة ،وسعادة الآجلة.

* * * * *

كتب الحسن البصري عن الإمام العادل: أنه كالراعي الشفيق على إبله، الرفيق بها، يرتاد بها أطيب المراعي، ويذودها عن مراتع الهلكة، ويحميها من السباع، ويظلها من أذى الحر والقر.

هو وصي اليتامى وخازن المساكين.... يربي صغيرهم، ويمون كبيرهم.... هو كالقلب بين الجوارح تصلح الأمة بصلاحه ،وتفسد بفساده.... والقائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويُسمعهم.... وينظر إلى الله ويُريهم.... وينقاد إلى الله ويقودهم.

إن ميزان العدل عند الله له أصل ثابت...وقانون لا يحابي.... تستوي أمامه الأمم فما من أحد تخرق له قاعدة...وتُخالف من أجله سنة ويعطل من أجله قانون.

وقال أردشير لابنه: يا بني، إن الملك والعدل أخوان لا غنى لأحدهما عن الآخر، فالملك أسٌ، والعدل حارس.... والبناء ما لم يكن له أس فمهدوم.... والملك ما لم يكن له حارس فضائع.

يا بني، اجعل حديثك مع أهل المراتب.... وعطيتك لأهل الجهاد.... وبِشرك لأهل الدين.... وسرك لمن عناه ما عناك من ذوي العقول.

يقول عمرو بن العاص:" لا سلطان إلا بالرجال، ولا رجال إلا بمال، ولا مال إلا بعمارة، ولا عمارة إلا بعدل".

* * * * *

وقال محمد عبده :إن كان الحاكم عالما حازما أصيل الرأي، عليَّ الهمة، رفيع القصد، قويم الطبع.... ساس الأمة بسياسة العدل، ورفع فيها منار العلم، ومهد لها طرق اليسار والثروة، وفتح لها أبوابا للتفنن في الصنائع في جميع لوازم الحياة، وبعث في أفراد المحكومين روح الشرف والنخوة، وحملهم على التحلي بالمزايا الشريفة من الشهامة والشجاعة وإباء الضيم، ورفعهم إلى مكانة عليا من العزة، ووطأ لهم سبل الراحة والرفاهية وتقدم بهم إلى كل وجه من وجوه الخير فإنه حاكم عادل.....

فهل يقف العدل في كفة والود والرحمة في كفة أخرى من ميزان هذا الكون؟

أم أن الود والرحمة هما جناحا العدل يحلق بهما ويسود؟

إنه الإنسان حين يحمل في مهجته تلك الدرة المتلألئة التي تعني أنه يفهم رسالته في الحياة، ويدرك جوهر الإنسان، ويعمل جاهدا كي يقترب من هذا الجوهر.

إذا ما اعتدل ميزان هذا الكون وتساوت كفتاه، فإن الإنسان لا بد أن يثق بأن العدل متحقق حقا.... حين يرى الرحمة والود أصبحا جناحين لهذا العدل.

ففي النفس البشرية ضعفها وتحزبها لذاتها...إذا كان المظلوم من ضعاف المتقاضين.

والظلم هو الانحراف عن العدل، ووضع الشيء في غير موضعه المخصوص به، والخروج عن الاعتدال في جميع الأمور، واخذ الاموال من غير وجهها، والمطالبة بما لا يجب من الحقوق، وفعل الاشياء في غير مواضيعها، ولا أوقاتها ولا على القدر الذي يجب ولا على الوجه المناسب.

وقد أمر عليه السلام بنصرة المظلوم حتى يستعيد حقه المسلوب ،أو عرضه المغصوب أو أرضه المعتدى عليها. وحدث أن الملك لويس الرابع عشر الفرنسي كان عنده خادم مخصوص به، وكان لهذا الخادم دعوى ضد أحد أقربائه ، فالتمس من الملك أن يوصي رئيس مجلس باريس بهذه الدعوى...فامتنع الملك وأصر على امتناعه فقال الخادم: واأسفاه لو قلت كلمة واحدة فإني أكسب دعواي فقال له الملك: إنك على خطأ مبين...فلو كنت أنت الخصم وخصمك خادمي هل يناسبك أن أتكلم تلك الكلمة؟.

* * * *

وللعدل في حكم الشعوب وضمائر الفلاسفة مجال واسع وواضح.... يقولون: للباطل جولة ثم يضمحل.... وللحق دولة لا تنتفض ولا تذل.

- العدل سور لا يغرقه ماء، ولا تحرقه نار، ولا يهدمه منجنيق.

- عدل قائم خير من عطاء دائم.

- لا يكون العمران حيث لا يعدل السلطان.

- العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه.

- العدل جنة المظلوم ،وجحيم الظالم.

أما العدل في عيون الشعراء فعظيم وشامخ.... يقول أبو العتاهية:

لا تمش في الناس إلا رحمة لهم             ولا تعاملهم إلا بإنصاف

وارغب بنفسك عما لا صلاح له     وأوسِع الناس من بِر وإنصاف

إن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة ،والله ينصر الأمة العادلة ،وما من

يد إلا يد الله فوقها.،يجب أن يسوي القاضي بين الخصمين في خمسة أشياء، في الدخول عليه، و في الجلوس بين يديه، وفي الإقبال عليهما بابتسامة، أو بعبوس ، والاستماع لهما، والحكم عليهما ،يروى - وَاللَّهِ أعلم بصحة هذه القصة- أن سيدنا عمر كان إلى جانبه الإمام علي كرم الله وجهه، دخل يهودي ليخاصم علي أمام سيدنا عمر، فقال عمر: انطلاقاً من التسوية بين الطرفين قم يا أبا الحسن وقف إلى جنب الرجل، كان يجلس إلى جنبه، فتغير لون سيدنا علي، وكأنه غضب، فلما حكم سيدنا عمر، وكان الحق مع سيدنا علي، قال له مالك يا أبا الحسن أوجدت علي؟ أي هل حزنت مني، قال: نعم، قال له: ولمَ؟ قال: لأنك ميزتني عليه، فقلت لي قم يا أبا الحسن ولم تقل لي قم يا علي،

وحُكي أن الخليفة المأمون بن هارون الرشيد جلس يوماً للمظالم فكان آخر من تقدم إليه وقد هم بالقيام امرأة عليها هيئة السفر وعليها ثياب رثة فوقفت بين يديه فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فنظر المأمون إلى يحيى بن أكتم فقال لها يحيى وعليك السلام يا أمة الله تكلمي حاجتك..

فقالت: ياخير منتصف يهدي له الرشد    ويا إماما به قد أشرق البلد

تشكو إليك عميد القوم أرملة             عدا عليها فلم يترك لها سبد

وابتز مني ضياعي حتى منعتها          ظلماً وفرق مني الأهل والولد

فأطرق المأمون حينا ثم رفع رأسه إليها ،وهو يقول:

في دون ما قلت زال صبري والجلد***        عني وأقرح مني القلب والكبد

هذان أوان صلاة العصر فانصرفي*** وأحضري الخصم في اليوم الذي أعد

والمجلس السبت إن يقض الجلوس لنا***     ننصفك منه وإلا المجلس الأحد

فلما كان يوم الأحد جلس المأمون لنظر المظالم، فكان أول من تقدم إليه تلك المرأة فقالت:(السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته)

فقال المأمون: وعليك السلام, أين الخصم؟

فقالت: الواقف على رأسك يا أمير المؤمنين, وأومأت إلى العباس ابنه.

فقال المأمون : يا أحمد بن أبي خالد خذ بيده فأجلسه معها مجلس الخصوم.

فكان كلامها يعلو كلام العباس, فقال لها أحمد بن أبي خالد" يا أمة الله إنك بين يدي أمير المؤمنين وإنك تكلمين الأمير فاخفضي من صوتك

فقال المأمون: دعها يا أحمد! فإن الحق أنطقها، وأخرسه..

ثم قضى لها برد ضيعتها إليها, وأمر بالكتاب لها إلى العامل ببلدها أن يوفر لها ضيعتها ويحسن معونتها وأمر لها بنفقة....

فهذا هو العدل الذي أمر به الله عزوجل في القرآن الكريم , وأمر به عباده على مر العصور والأزمان, وسار به رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وتابعيهم من بعده, عصراً بعد عصر, فعم خيرالإسلام كل البلاد ,وبه قويت الدولة الإسلامية العظمي الواحدة,حتى هابهم القاصي والداني, وأمتد نفوذها حتى وصل قارة أروبا والهند وأندونسيا وأطراف أفريقيا, وخير ما شهد به الأعداء لعدل ولاة المسلمين ماقاله مبعوث كسرى في الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه حينما رآه نائما على الأرض تحت ظل شجرة دون حراس يحرسونه كعادة ملوك العجم آنذاك, فقال(حكمت فعدلت فنمت ياعمر)

فأين حكام وولاة المسلمين وقضاتهم في عصرنا هذا من هذه المقولة؟

كتب والي حِمص الى عمر بن عبدالعزيز , يستأذنه في ان يبني على المدينة سوراً ليحصنها ويقيها من الأعداء , فجاءه الرد من الخليفة سريعاً : حصن مدينتك بالعدل

إذا خان الأمين وكاتباه، ..   وقاضي العدل داهن بالقضاء.

فويل ثم ويل ثم ويل، .. لقاضي الأرض من قاضي السماء.

...

قال ابن حزم:

زمام أصول جميع الفضائل ...     عدل وفهم وجود وبأس

فمن هذه ركبت غيرها فمن ... حازها فهو في الناس رأس

كذا الرأس فيه الأمور التي ...   بإحساسها يكشف الالتباس

وقال الزمخشري: قدم المنصور البصرة قبل الخلافة، فنزل بواصل بن عطاء، فقال: أبيات بلغتني عن سليمان بن يزيد العدوي في العدل، فمر بنا إليه، فأشرف عليهم من غرفة فقال لواصل: من هذا الذي معك؟ قال: عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، فقال: رحب على رحب، وقرب إلى قرب، فقال: يحب أن يستمع إلى أبياتك في العدل، فأنشده:

حتى متى لا نرى عدلاً نسر به ... ولا نرى لولاة الحق أعوانا

مستمسكين بحق قائمين به ...        إذا تلون أهل الجور ألوانا

يا للرجال لداء لا دواء له ...       وقائد ذي عمى يقتاد عميانا

وقال الزهاوي:

العدلُ كالغيثِ يحيي الأرضَ وابلهُ ... والظلمُ في الملكِ مثلُ النارِ في القصبِ

وقال آخر:

أدِّ الأمانةَ والخيانةَ فاجتنبْ ... واعدلْ ولا تظلمْ يطيبُ المكسبُ

واحذر من المظلوم سهما صائبا     وأعلم بأن دعاءه لا يحجب

وقال أبو الفتح البستي:

عليكَ بالعدلِ إِن وُليتَ مملكةً ... واحذرْ من الجورِ فيها غايةَ الحذرِ

فالعدلُ ينفيهِ أنى احتلَّ من بلدٍ ... والجورُ يبقيه في بدوٍ وفي حضرِ

وقال آخر:

عن العدل لا تعدل وكن متيقظاً ...    وحكمك بين الناس فليكُ بالقسط

وبالرفق عاملهم وأحسن إليهم ... ولا تبدلن وجه الرضا منك بالسخط

وحل بدر الحق جيد نظامهم ...    وراقب إله الخلق في الحل والربط

سأل أحد الخلفاء الأحنف بن قيس وقال له : كيف الزمان ؟؟

فقال: أنت الزمان إن صلحت صلح الزمان ،وإن فسدت فسد الزمان

ثم قال :آفة الملوك سوء السيرة ،وآفة الوزراء خبث السريرة

وآفة الجند مخالفة القادة ،وآفة الرعية مخالفة السادة

وآفة الرؤساء ضعف السياسة ،وآفة العلماء حب الرياسة

وآفة القضاة شدة الطمع ، وآفة العدول قلة الورع

وآفة القوي استضعاف الخصم ، وآفة الجريء إضاعة الحزم

وآفة المنعم قبح المن ،وآفة المذنب حسن الظن ،والخلافة لا يصلحها إلا التقوى

والرعية لا يصلحها إلا العدل ، فمن جارت قضيته ضاعت رعيته ،ومن ضعفت سياسته بطلت رياسته...

أقوال في العدل:

-----------------

وَلَمْ تَـزَلْ قِلَّـةُ الإِنْصَـافِ قَاطِعَةً *** بَيْنَ الرِّجَالِ وَلَو كَانُوا ذَوِي قُرْبَى

(المتنبي)

وَالْجَورُ فِي النَّاسِ لا تَخْفَى مَعَالِمُـهُ *** وَالْعَدْلُ مِنْ دُونِهِ الأَسْتَارُ وَالظُّلُمُ

(صالح بن عبد الله بن مغل)

إِذَا قُلْـتُ أَنْصِفْنِـي وَلا تَظْلِمَنَّنِـي *** رَمَى كُـلَّ حَـقٍّ أَدَّعِيـهِ بِبَاطِلِ

فَمَاطَلْتُهُ حَتَّى ارْعَوَى وَهْـوَ كَـارِهٌ *** وَقَدْ يَرْعَوِي ذُو الشَّغْبِ عِنْدَ التَّجَادُلِ

(أبو الأَسود الدؤليّ)

آخِ الْكِـرَامَ الْمُنْصِفِيـنَ وصِلْهُـمُ *** وَاقْطَعْ مَوَدَّةَ كُلِّ مَنْ لا يُنْصِـفُ

أَدِّ الأَمَانَـةَ وَالْخِيَـانَـةَ فَاجْتَنِـبْ *** وَاعْدِلْ وَلا تَظْلِم يَطِيبُ الْمَكْسَبُ

(علي بن أبي طالب)

إِذَا أَنْتَ لَمْ تُنْصِفْ أَخَاكَ وَجَدْتَـهُ *** عَلَى طَرَفِ الْهِجْرَانِ إِنْ كَانَ يَعْقِلُ

(مَعْن بن أَوْس)

وَمَا كُـلُّ مَنْ تَهْـوَى يَوَدُّكَ قَلْبُـهُ *** وَلا كُلُّ مَنْ صَاحَبْتَهُ لَكَ مُنْصِفُ

حِكم في العدل:

------

-قال حكيم: " أربعة حسن، ولكن أربعة أحسن:

الحياء من الرجال حسن، ولكنه من النساء أحسن، والعدل من كل إنسان حسن، ولكنه من القضاء والأمراء أحسن، والتوبة من الشيخ حسن، ولكنها من الشباب أحسن، والجود من الأغنياء حسن، ولكنه من الفقراء أحسن ".

-إذا اختفى العدل من الأرض لم يعد لوجود الإنسان قيمة.

- إذا رغب الملك عن العدل رغبت الرعية عن طاعته.

-العدل ميزان الباري.

- ليس من العدل سرعة العذل. أي: إنّه لا ينبغي للرجل يبلغه عن أخيه شيء إنَّ يسرع إلى عذله حتى يعرف حجته وعذره.

- إذا أتاك أحد الخصمين وقد فُقِئَتْ عينه فلا تقض له حتى يأتيك خصمه، فلعله قد فُقِئَتْ عيناه.

يقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إذا رأيت الظالم مستمراً في ظلمه، فاعرف أن نهايته محتومة، وإذا رأيت المظلوم مستمراً في مقاومته، فاعرف أن انتصاره محتوم)..

..........................

هذه المناظرة دارت بين أحد أعلام التابعين الفقيه العالم سعيد بن جبير وبين الحجاّج بن يوسف الثقفي، وكان سعيد ممن يعارض حكم عبدالملك بن مروان (86-26هـ) وكان الحجاج والياً لعبدالملك بن مروان يأخذ بالشبهات ،ويقوم بالتصفية الجسدية لأي معارض دون هوادة ،وقد خرج سعيد بن جبير مع ابن «الأشعث» على الحجاج ،ودعا الناس إلى قتال الحجاج لجوره وتجبره، واستذلال المسلمين، فلما انهزم ابن الأشعث فرّ سعيد بن جبير إلى مكة، وظل مختفياً، اثنتي عشرة سنة، ثم ألقى القبض عليه والي مكة خالد بن عبدالله القسري، وأراد أن يتخلص من سعيد لمعرفته بفصاحته، وسرعة بديهته ،فأرسله مكبلاً في الحديد والأغلال إلى الحجاج ،وأراد الحجاج أن يدخل في محاورة ومناظرة مع سعيد بن جبير- وهو أسيره- قبل أن يأمربقتل-فسأله الحجاج ما اسمك؟قال: سعيد بن جبير،ورد ّالحجاج: بل أنت شقي بن كسير،فابتسم سعيد ،وهو يجيب: بل كانت أمي أعلم باسمي منك!وانتفخت أوداج الحجاج، وهو يقول: شقيت أمك، وشقيت أنت.سعيد: الغيب يعلمه غيرك!الحجاج: لابدّلك بالدنيا ناراً تلظى ! سعيد: لوعلمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلها! الحجاج: فما قولك في محمد؟سعيد: نبي الرحمة، وإمام الهدى

الحجاج: فما قولك في «علي» أهو في الجنة أم هو في النار؟سعيد: لو دخلتها، وعرفت من فيها عرفت أهلها، فما سؤالك عن غيب حفظ الحجاب؟!

الحجاج: فما قولك في الخلفاء؟سعيد: لست عليهم بوكيل كل امرئ بما كسب رهينا ..لحجاج: اشتمهم أم أمدحهم؟سعيد: لا أقول ما لا أعلم ،إنما استحفظت أمر نفسي...الحجاج: فلأيهم أعجب إليك؟

سعيد: أرضاهم لخالقي ..الحجاج: فأيهم أرضى للخالق؟سعيد: علم ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم

الحجاج: فأي رجل أنا يوم القيامة؟سعيد: أنا أهون على الله من أن يطلعني على الغيب

الحجاج: أبيت أن تصدقني؟سعيد: بل لم أرد أن أكذبك ...الحجاج: دع عنك هذا كله، أخبرني مالك لم تضحك قط؟ (وكان سعيد بن جبير قد اشتهر بالعبادة والبكاء حتى ضعف بصره من كثرة البكاء بالليل..)

سعيد: لم أر شيئاً يضحكني وكيف يضحك مخلوق قد خلق من الطين، والطين تأكله النار، فضلا عن أنني إذا تذكرت بعثرة القبور وتحصيل ما في الصدور ذهبت الابتسامة من فمي.

الحجاج: فما بالنا نضحك؟سعيد: لم تستو القلوب، كذلك خلقنا الله أطواراً

الحجاج: هل رأيت شيئاً من اللهو؟سعيد: لا أعلمه...

فدعا الحجاج بالعود والناي فلما ضرب بالعود ونفخ في الناي بكى سعيد فقال الحجاج: ما يبكيك؟ فقال سعيد: يا حجاج ذكرتني أمرا عظيماً، والله لا شبعت ولا رويت ولا اكتسيت ومازلت حزينا لما رأيت.

قال الحجاج: وما كنت رأيت هذا اللهو؟قال سعيد: بل هذا والله الحزن يا حجاج؟ أما هذه النفخة فذكرتني يوما عظيماً يوم ينفخ في الصور، وأما العود فشجرة قطعت في غير حق، وأما الأوتار فإنها أمعاء الشاة يبعث بها معك يوم القيامة.الحجاج: أنا أحب إلى الله منك..سعيد: لا يقدم أحد على ربه حتى يعرف منزلته منه، والله بالغيب أعلم ..الحجاج: كيف لا أقدم على ربي في مقامي هذا وأنا مع إمام جماعة وأنت مع إمام الفرقة والفتنة؟سعيد: ما أنا بخارج عن الجماعة ولا أنا براض عن الفتنة ولكن قضاء الرب نافذ لا مرد له.

الحجاج: كيف ترى ما نجمع لأمير المؤمنين؟سعيد: لم أر...

فأمر الحجاج بالذهب والفضة واللؤلؤ والزبرجد والياقوت فجمعه بين يديه، فقال سعيد: إن كنت جمعت هذا لتتقي به فزع يوم القيامة فصالح، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت ولا خير في شيء جمع للدنيا إلا ما طاب وزكا...الحجاج: فترى جمعنا طيباً؟!سعيد: برأيك جمعته وأنت أعلم بطيبه..

الحجاج: أتحب أن لك شيئا منه؟سعيد: لا أحد ما لا يحب الله

ولما أدرك الحجاج فشل محاورته مع سعيد بن جبير ،فقد أعصابه وكاد ينهي هذه المحنة بما دبر لها ولكنه تريث قليلا لعل سعيد يغير مواقفه، عندئذ صرخ الحجاج: ويلك يا سعيد!فرد سعيد بثبات: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار ..وعبث الحجاج بعصا في يده وهو يقول ساخراً: اختر لنفسك يا سعيد أي قتلة تريد أن أقتلك! فرد سعيد: اختر أنت لنفسك فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة

وابتسم الحجاج مطمعاً: أفتريد أن أعفو عنك؟وبثقة العارف بالله أجاب سعيد: إن كان العفو فمن الله وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر.عندئذ ضاق الحجاج ذرعا بسعيد، وعرف أنه لن يحصل منه على شيء وهو يتلقى منه هذه الأجوبة الجريئة التي كانت كالسهام التي ترشق في قلب الحجاج، فأمر بإنهاء المحاورة وصرخ: اذهبوا به فاقتلوه.فلما خرج سعيد مع الحراس ليقتلوه ضحك، فأخبروا الحجاج أن سعيدا الذي ضعف بصره من البكاء، ولم ير ضاحكا أبداً قد ضحك فأمر الحجاج برده إليه وقال ما أضحكك؟

فقال سيعد: عجبت من جرأتك على الله وحلم الله عليك.

فأمر الحجاج بالنطع فبسط - النطع هو بساط كان يمد قبل القتل- وقال: اقتلوه

فقال سعيد: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين.

قال الحجاج: اصرفوه عن القبلة فصرفوه عنها..فقال سعيد: فأينما تولوا فثم وجه الله

فصرخ الحجاج: كبوه على وجهه...فابتسم سعيد وهو يقول: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى...وأشار الحجاج بيده: اذبحوه

فنظر سعيد إلى السماء وهو يقول: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله خذها مني حتى تلقاني بها يوم القيامة.. اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي.فذبح من الوريد إلى الوريد ولسانه رطب بذكر الله...قالوا: وبلغنا أن الحجاج ينادي بقية حياته: مالي ولسعيد بن جبير؟ كلما أردت النوم أخذ برجلي.!

وقالوا: لم يلبث الحجاج بعده إلا أربعين يوماً وكان إذا نام يراه في المنام يأخذ بمجامع ثوبه ويقول: يا عدو الله! فيم قتلتني؟ فيقول الحجاج: مالي ولسعيد بن جبير؟ مالي ولسعيد بن جبير.

وقالوا أيضاً: عاش الحجاج بعد قتل سعيد بن جبير، أياما قلائل فسلط الله عليه «البرودة» حتى كان والنار حوله يضع يده في الفرن فيحترق الجلد، ولا يحس بالحرارة ، فبعث إلى الحسن البصري، فقال له: أما قلت لك: لا تتعرض للعلماء؟ قتلت سعيداً!! اللهم أنت على فاسق ثقيف ،والله لو أن أهل المشرق والمغرب اشتركوا في قتله لكبهم الله عز وجل في النار!  فقال الحجاج: أما إني ما طلبتك لتدعو لي، ولكن ليريحني الله مما أنا فيه ثم مات الحجاج، وكان ينادي بقية حياته: مالي ولسعيد بن جبير؟ مالي ولسعيد بن جبير؟!

مستشارك اللغوي(أخطاء وتصويبات)



أخطاء وتصويبات



-1يقولُونَ فى الحَديث الشَّريف: (خَيرٌ لَكَ مِنْ حُمُرِ النِّعَم) وَالصَّوَابُ: (خَيرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَم)  لأنَّ حُمُر جَمعُ "حِمَار"، والنِّعم جَمعُ "نِعمَة" أمَّا "حُمْر" فَهي الإبلُ الحَمرَاءُ، وَمَفرَدُهَا: أحْمَرُ، وهِي أَنْفَسُ مَال العَرَب، والنَّعم المرادُ بِهَا الأنعَامُ، وَهُوَ المعنَى المقصُودُ.

-2يَقُولُونَ: (شَارَكَتْ المرأةُ زَوجَهَا تَحَمُّل الأعبَاء) وَالصَّوَابُ: (شَاَركَتْ المرأةُ زَوجَهَا فِي تحَمُّل الأعبَاء) وَالسَّبَبُ؛ لأنَّ الفعلَ (شَارَكَ) مُتَعَدٍّ لِوَاحِدٍ فَقَط بِنَفسِه، قَالَ الله تَعَالَى: {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ} ( الإسراء)

3- (يَجمَعُونَ الحَارَةَ عَلَى حَوارِي) وَالصَّوَابُ: (حَارَات) والسَّبَب؛ لأنَّ (حَوَارِي فُلانٍ) أي: خَاصَّتهُ مِنْ أصحَابِهِ وَأنصَاره، فَطَلحَةُ مَثَلاً مِنْ حَوَارِيِّ النَّبيِّ ، فَلا يَجُوزُ جَمع حَارَة عَلَى (حَوَارِيّ)، وَهُنَاكَ أَيْضًا الحَوَارِيُّونَ أَتْبَاعُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

4- يَقُولُونَ: احْتَارَ فِي أمرِهِ) وَالصَّوَابُ: (حَارَ فِي أمرِهِ) لأنَّ الفعلَ احْتَارَ لَمْ تَتَفَوَّه بِهِ العَرَبُ.

5- يَقُولُونَ: (يُهَرِّبُ فُلانٌ المُخدَّرَات) وَالصَّوَابُ: (يُهَرِّبُ فُلانٌ المُخَدِّرَات) لأنَّ المخدِّرَات اسمُ فَاعلٍ جَمْع مُخَدِّر، أمَّا قَولنَا: المخَدَّرَات فَهُنَّ النِّسَاءُ اللوَاتِي يُقِمْنَ فِي خُــدُورِهِنَّ، أي: بُيُوتِهِنَّ.

6- يَقُولُونَ: دَخَلتَ وإذَا صدَيقي خَرَجَ) وَالصَّوَابُ: (دَخَلتُ وإذَا صَديقِي قدَ خَرجَ، والسَّبَب؛ لأنّ زِيَادَةَ (قَد) تُقَرِّبُ زَمَنَ الفعلِ المَاضِي مِنْ زَمَن الحَال.

7- يَقُولُونَ: (فُلانٌ حَسَنُ الخَصَائل، حُلوُ الشَّمَائل، وَالصَّوَابُ: (فُلانٌ حَسَنُ الخِصَالِ....) وَذَلكَ؛ لأنّ الخَصَائلَ جَمعُ خَصيلَة، والخَصيلَة هِي كُلُّ قَطعَةٍ منَ اللحمِ أوْ اللفيفَة منَ الشَّعر، أمَّا الخصَالُ جَمعُ خَصْلَة، وَهِي خُلُقٌ فِي الإنسَان حَسَنٌ أوْ سَيِّئٌ.

8- يَقُولُونَ: (أُعلِنَتْ خُطْبةُ فُلانٍ) وَالصَّوَابُ: (أُعلنَتْ خِطْبَةُ فُلانٍ والسَّبَب؛ لأنَّ الخِطبةَ مُقَدَّمةُ الزَّوَاج، أمَّا الخُطبَة فَمَعْنَاهَا قَولٌ يُلقَى عَلَى جَمعٍ مَنَ النَّاس؛ بِحَيثُ يَتَوفَّر فيهِ فَنُّ الاستمَالة والإقنَاع.

9- يَقُولُونَ: (رَسمنَا خِطَّةً للفَتك بالعَدوِّ) وَالصَّوَابُ: رَسمنَا خُطَّةً للفَتكِ بالعَدوِّ) والسَّبَب؛ لأنَّ (خِطَّة) مَكَانٌ مُختَطٌّ للعمَارَة أوْ عَلامَة مُمَيَّزَة، أمَّا (الخُطَّة) نِظَامٌ مُعيَّنٌ مَدرُوسٌ بِعِنَايَةٍ، وَهُوَ المعنَى المقصُود فِي العبَارَة.

10- يَقُولُونَ: (دَارَ فِي خُلْدِ فُلانٍ) وَالصَّوَابُ: (دَارَ فِي خَلَدِ فُلانٍ كَذَا وَكَذَا ، والسَّبَب؛ لأنَّ (الخَلَدَ) بالُهُ أو قلبُهُ أو نفسُهُ، والخَلَدُ جَمْعُهُ أخْلادٌ.

11- يَقُولُونَ: (فُلانٌ لا أخلاقَ لَهُ) وَالصَّوَابُ: (فُلانٌ سَيِّئُ الأخْلاقِ) والسَّبَب؛ لأنَّ (الخُلُق) قَدْ يَكُونُ حَسَنًا، وقَد يكُونُ سَيِّئًا، وَليسَ فِي الدُّنيَا إنسَانٌ لَيسَ فِيهِ أخْلاقٌ حَسَنَةٌ أوْ سَيِّئةٌ.

12- يَقُولُونَ: انطَفَأتْ النَّارُ لا خَمَدَتْ، وَالصَّوَابُ: (انْطَفَأتْ النَّارُ) والسَّبَب؛ لأنَّ معنَى خَمَدَتْ النَّارُ: سَكَنَ لَهبُهَا وَلَمْ يُطفَأ جَمرُهَا، أمَّا هَمَدَتْ النَّارُ؛ فَيَجُوز أنْ تَعْنِي: انطَفَأتْ أوْ ذَهَبَتْ حَرَارَتُهَا.

13- يَقُولُونَ: (كَانَ الحَاكِمُ دِكْتَاتُورًا) وَالصَّوَابُ: (كَانَ الحَاكمُ مُستَبِدًّا أوْ طَاْغِيَةً) والسَّبَب؛ لأنَّ الدِّكتَاتُورَ كَلمَةٌ لاتينيَّةٌ، كَانتْ تُطلَقُ عَلَى القُضَاة الحُكَّام فِي رُومَا فِي الحَالاتِ العَصيبَة.

14- يَقُولُونَ: انْدَهَشَ فُلانٌ مِمَّا رَأَى) وَالصَّوَابُ: (دَهِشَ فُلانٌ مِمَّا رَأى أوْ دُهِشَ) والسَّبَب؛ لأنَّهُ لم يُرْوَ عَنِ العَرَب أنَّهَا استعمَلَتْ الفعلَ الماضِي (انْدَهِشَ) وَلَمْ يَرِدْ لَهُ ذكرٌ فِي مَعَاجِمِهَا.

15- يَقُولُونَ: (أُصيبَ فُلانٌ بالدُّوسنتَاريَا) ويقصُدُونَ بِذلكَ استطلاقَ البَطن المصحُوبَ بالدَّم والقيح والألَم، وَالصَّوَابُ: (أَصيبَ فُلانٌ بالزُّحَار، أوْ بالزُّحَارَة، أوْ بالزَّحِير).

16- يَقُولُونَ: (الأَثَرَةُ أنْ يَخُصَّ الإنسَانُ نفسَهُ بِأحسَنِ الأشيَاءِ) وَالصَّوَابُ: (الأَثَرَةُ أنْ يَخُصَّ الإنسَانُ نفسَهُ بأحسَنِ الأشيَاءِ دُونَ وَجه حَقٍّ) والسَّبَب؛ لأنَّ التَّعريفَ الأوَّلَ فيه قُصُورٌ؛ لأنَّ مَنْ يَشتَري أحسَنَ الأشيَاء مِنْ أحَد المَحَال مَثَلاً بِمَالِهِ الحَلال، وَيترُكُ مَا دُونَ ذَلكَ لغَيرهِ لَيسَ فِي عَمَلِهِ أَثَرَةٌ، فَزِيَادَةُ (دُونَ وَجه حَقٍّ) يَجعَلُ التَّعريفَ جَامِعًا مَانعًا.

17- لا يفرقون بين آل البيت وأهل البيت؛ إن الأهل يكون من جهة النسب ،والاختصاص فمن جهة النسب قولك أهل الرجل لقرابته الأدنين ومن جهة الاختصاص قولك أهل البصرة وأهل العلم والآل خاصة الرجل من جهة القرابة أو الصحبة تقول: آل الرجل لأهله وأصحابه ،ولا تقول آل البصرة وآل العلم ، آل فرعون أتباع، وكذلك آل لوط ،وقال المبرد إذا صغرت العرب الآل قالت أهل ؛فيدل على أن أصل الآل الأهل ،وقال بعضهم: الآل عيدان الخيمة، وأعمدتها وآل الرجل مشبّهون بذلك لأنهم معتمدُه والذي يرتفع في الصحارى آل لأنه يرتفع كما ترتفع عيدان الخيمة، والشخص آل لأنه كذلك...

18- يَقُولُونَ: (يُحَاكَمُ فُلانٌ عَلَى جُنْحَةٍ ارتَكَبَهَا، وَالصَّوَابُ: (يُحَاكَمُ فُلانٌ علَىَ جُرْمٍ أو جُنَاحٍ) والسَّبَب؛ لأنَّ الجُنَاحَ بِمعنَى إثم ارتَكَبَهُ صَاحِبُهُ، قَالَ الله تَعَالَى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكيمًا} [النساء].َ

19- يَقُولُونَ: (الرَّقَمُ 7 أوْ 8) وَالصَّوَابُ: (الرَّقْمُ) وَيُقصَدُ (بالرَّقْم) هُنَا: مَا يُطلِقُهُ الحسَابيُّونَ عَلَى عَلامَات الأعدَاد، وَيُقَالُ لَهَا: الأرْقَامُ الهنديَّةُ، وَقَد أُطلِقَ مَجْمَعُ دمشقَ فِي الجَدوَل رَقْم (18)كَلِمَة (رَقْم) عَلَى عَلامَات الأعدَاد هَذِهِ، أمَّا الرَّقَمُ فَهُوَ لَونُ الأَرْقَم وَهُوَ مِنْ أخبَثِ الحيَّاتِ، والرُقُم :جمع رقيم وهي الألواح مكتوب عليها...أصحاب الكهف والرقيم....

20- َيَقُولُونَ: (إِذَا كَانَتِ اللوَائِحُ وَالقَوَانِينُ تَسْمَحَانِ بِذَلِكَ، وَالصَّوَابُ: (إِذَا كَانَتِ اللوَائِحُ وَالقَوَانِينُ تَسْمَحُ بِذَلِكَ(،وَالسَّبَبُ؛ لأَنَّ تَثْنِيَةَ الضَّمِيرِ خَطَأٌ؛ لأَنَّ مَرْجِعَهُ جَمْعٌ، وَلِغَيْرِ العَاقِلِ، فَحَقُّهُ حِينَئِذٍ الإِفْرَادُ وَالتَّأْنِيثُ.

21- يَقُولُونَ: (فُلانٌ هُوَ القيِّمُ عَلَى الأيتَام وَالمتَصَرِّفُ فِي أموَالِهِم، وَالصَّوَابُ: (هُوَ الوَصِيُّ عَلَى الأيتَام) والسَّبَب؛ لأنَّ (الوَصِيَّ يَحِقُّ لَهُ أنْ يَحفظَ مَالَ الرَّجُل لأولادِهِ، ويَتَصرَّف فيه عَلَى وَجهٍ نَافعٍ، بَينَمَا (القيِّم) يُفَوَّضُ إليهِ حِفظُ ذَلكَ المال دُونَ التَّصَرُّف فيه.

22- يَقُولُونَ: (عقدُ اللُّؤلؤ قَيِّمٌ) وَالصَّوَابُ: (نَفيسٌ أوْ ذُو قيمَةٍ عَاليَة أوْ غَالي القيمَة) والسَّبَب؛ لأنَّ (القَيِّمَ) فِي اللُّغَة هُوَ المستَقيمُ، ومنهُ قَولهُ تَعَالَى: {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [البينة] وأيضًا قَوله تَعَالَى: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (يوسف)

23- يَقُولُونَ: (مَالَكَ حَزينٌ؟) وَالصَّوَابُ: (مَالَكَ حَزينًا؟) والسَّبَب؛ لأنَّ تَركيبَ الاستفهَام (مَالَكَ) لَوْ جَاءَ بَعدَهُ اسمٌ مُفرَدٌ أوْ جُملَةٌ كَانَ مَوقعهُمَا الإعرَابِي مَوقعَ الحَال؛ لِذَلِكَ نَقُولُ: (مَالَكَ حَزينًا؟ً)؛ لأنَّ (حَزينًا) حَالٌ مَنصُوبَةٌ وَعَلامَةُ نَصبِهَا الفَتحَةُ.؛ يقول تعالى: " فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعرضين كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ ، فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ"...

24- يَقُولُونَ: (لا أقرَأ فِي الجَريدَة إلا صَفحَةَ الوَفِيَّاتِ) وَالصَّوَابُ: (لا أقرَأ فِي الجَريدَة إلا صَفحَةَ الوَفَيَات، والسَّبَب؛ لأنَّ الوَفَيَات جَمْعُ وَفَاة، وَهِي المَوتُ، أمَّا الوَفِيَّاتُ فَجَمعُ كَلِمَة وَفيَّة، وَالوَفَاءُ صِفَة حَميدَةٌ فِي المرأة أوْ الرَّجُل

  قال تعالى:"   وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ"هنا نلاحظ أن على أن  الشرط تفيد الاستعلاء والسببية،لم يقل : لينفعوك، لا التعليل هنا فيها معنى  السببية ، ولا شرط فيها..وأيضا قوله تعالى:" قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج" هنا  شرط الزواج الاستئجار...لم يقل:: لتأجرني هنا  تعليل

لام التعليل: هي التي يكون ما بعدها مسببا عما قبلها، وتدخل على الفعل المضارع الذي ينصب بـ " أنّ " المضمرة بعدها، كقوله تعالى: (قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه)، وكقوله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم).أما على أن تأجرني فهنا شرط النكاح الإيجار....

 

 

شاطىء الإبداع

إبداعات الشعراء في سجونهم

لمْ تَخْلُ السجونُ يوماً من الأيام من ضيفٍ يحلُّ بها، أو مقيمٍ يعيش بين حناياها، ولا يخرجه منها إلا الموت!

ومن المعلوم أن السجنَ يغصّ بأصناف شتى من البشر، وأن السجن قد يحوي البريءَ المظلومَ، ويحوي السارقَ والقاتل والمجرمَ وقاطعَ الطريق..

وكم من مجرم يدَّعي أنه بريء! وكم من بريءٍ أصبح يُسَمَّى مجرماً، وعلى كل حال:

ما يدخل السجنَ  إنسانُ  فتسألُه        ما بال سجنك؟ إلا قال: مظلومُ!

كما أن السجن قد يحوي بين جدرانه الرسولَ والنبيَّ، والعالم والأميَّ, والكاتب والشاعر, والتقيَّ والفاجر..

وما أكثر الشعراءَ الذين حُبسوا! وما أكثر الأشعار التي قيلت في السجون! فبددت بنور توهجها ظلامَ السجون الدامسَ، وتنسمت قوافي تلك الأشعار نسائمَ الحرية، وخرجت من غياهب السجون ودياجيرها، لتصبح تاجاً مرصَّعا على هامة الخلود، وقلادةً حرةً في صدر الزمان.

ويبقى العجب: كيف تضم حجرةٌ مظلمة صغيرة بحوراً لُجِّيَّةً من الشعر، وجبالا تطاول عَنان السماء، من العلماء والحكماء! ولاغروَ ولا عجب، فالسجنُ الذي ضمَّ نبياً ورسولاً، يضم عالماً وشاعرا وحكيما.

ويظل السجينُ على أمل اللقاء مع الأهل والأحبة، فالذي ردَّ يوسف إلى أبيه، وأعزَّه - وهو في سجنه - قادرٌ على أن يجمعَ السجين بأهله، ويلمَّ الشملَ، ما لم تعاجلْه المنيةُ وهو في أعماق الأرض، فينتقل من أعماق زنزانته، ويوضع في أعماق الثرى داخل قبره! ورحم الله من قال:

وعسى الذي أهدى ليوسُفَ أهلَه        وأعزَّه  في  السجنِ   وهْوَ   أسيرُ

أنْ  يستجيبَ  لنا  فيجمعَ   شملنا        واللهُ     ربُّ     العالمين     قديرُ

ونحن عندما نتحدث عن الشعراءِ وقصائدهم التي دبَّجوها في غياهب السجون، لا بد أن نتذكر جميعاً قصيدةَ أبي فراس الحمْداني الرائعةَ، التي قالها عندما كان أسيراً, وسمعَ حمامةً تنوح على شجرة عالية بقربه، فأراد منها أن تشاركَه في أحزانه، وتحملَ عنه بعضَ الهموم، فقال يخاطبها، وهو في سجنه:

أقولُ وقد  ناحت  بقربي   حمامةٌ      أيا جارتا, هل بات حالك حالي؟[1]

أتحملُ    محزونَ    الفؤادِ  قوادمٌ        على  غصُنٍ  نائي  المسافةِ   عالِ

أَجارتَنا،  ما  أنصف  الدهرُ  بيننا        تعالَي   أقاسمْكِ    الهمومَ    تعالِي

تعالَي  ترَيْ  روحاً  لديّ   ضعيفةً        تردَّدُ   في   جسمٍ   يعذَّبُ    بالِ

أيضحكُ مأسُورٌ  وتبكيْ  طَليقةٌ؟       ويسكُت  محزونٌ  ويندبُ  سالِ؟

لقد كنتُ أولى منكِ بالدَّمعِ  مقلةً      ولكنّ  دمعِي في  الحوادثِ غال[2]

وكم من أبياتٍ أخرجت صاحبَها من السجن! وما ذلك إلا لرقتها وعذوبتها، فترى القوافيَ فيها تبكي، ودموعَ سامعها تهمي، وقلبه يذوب ليناً وعطفاً، ومعلومةٌ تلك الأبياتُ التي جعلت الشاعر الحطيئةَ يخرج من سجنه، والتي قالها لسيدنا عمرَ بنِ الخطاب - رضي الله عنه - عندما أودعه في السجن:

ماذا  تقولُ  لأفراخٍ   بذي   مَرَخٍ؟        زغبِ الحواصلِ لا ماءٌ ولا  شجرُ؟

ألقيتَ  كاسِبَهُم  في   قعرِ   مظلمةٍ        فاغفر, عليك  سلامُ  اللهِ  يا  عُمَرُ

أنت الإمامُ الذي  مِن  بَعد  صاحبِهِ        ألقتْ  إليكَ  مقاليدَ  النُّهى   البشَرُ

لم  يؤْثروك   بها   إذ   قدَّموكَ   لها        لكِنْ  لأنفسِهم  كانتْ  بكَ   الإثرُ

فامننْ على صبيةٍ في الرملِ مَسكنُهُم        بين  الأباطحِ  يغشاهمْ   بها   القَدرُ

أهلي  فداؤكَ،  كم   بينيْ   وبينهمُ        مِن عرضِ داويةٍ  يعمَى  بها  الخبرُ!

فبكى عمرُ رضي الله عنه, وأخرجه من السجن، ثم دعاه فهدّدَه بقطع لسانه إنْ عاد يهجو أحداً[3].

كما "حُكي أن الحجاجَ حبس رجلاً في حبسه ظلماً، فكتب إليه رُقعةً فيها: قد مضى من بؤسنا أيامٌ ومن نعيمك أيامٌ، والموعدُ القيامة، والسجنُ جهنمُ، والحاكمُ لا يحتاج إلى بيِّنة، وكتب في آخرها:

ستعلمُ - يانَؤومُ -  إذا التقَينا        غداً عِندَ الإلهِ  مَنِ  الظَّلُومُ؟

أما  واللهِ    إن   الظُّلمَ   لؤمٌ        وما زال  الظلومُ  هوَ  المَلومُ

سينقطعُ    التلذُّذُ  عن   أُناسٍ        أدامُوه,    وينقطعُ     النّعيمُ

إلى ديَّانِ يومِ  الدِّينِ     نَمضي        وعندَ  الله  تجتمعُ  الخصومُ"[4]

والشاعر ابنُ عمارٍ عندما حبسه المعتمدُ بنُ عباد, كتب إليه الكثيرَ من قصائد الاستعطاف، وطلبِ العفو، وإليك هذه الأبياتِ من آخر قصيدة بعث بها إليه كما يقال:

سجاياكَ إنْ عافيتَ أندَى وأَسْمَحُ        وعذرك إن عاقبت  أولى  وأوضحُ

وإن   كان   بين   الخطّتينِ   مَزيةٌ        فأنت  مِن  الأَدنى  إلى  الله  أجنحُ

وماذا عسَى  الأعْداء  أنْ  يتزيدوا        سِوى  أنَّ  ذنبي  ثابتٌ  ومُصَحَّحُ

وإنَّ  رجائي  أنَّ  عندكَ  غيرَ   ما        يخوضُ عدوِّيْ  اليومَ  فيهِ  ويَمرَحُ

أقِلْنِي  بما  بيني  وبينِكَ  من  رِضىً        لهُ  نَحْوَ  رُوح  اللهِ   بابٌ   مُفتَّحُ

ولا تلتفتْ  رأيَ  الوشاةِ  وقولَهُمْ        فكلُّ   إناءٍ   بالّذي   فيه    يرْشحُ

ألاَ  إنّ   بطشاً   للمؤيَّد   يُرتَجى        ولكنَّ   حلماً    للمؤيّدِ    يرجحُ

سلامٌ  عليه  كيفَ  دار  بهِ  الهَوى        إليَّ    فيدنوْ    أوْ    عليّ    فينزحُ[5]

ولكنْ، إذا كان الحطيئةُ قد استطاع أن يُبْكيَ سيدَنا عمرَ بتلك الأبيات، فإن ابنَ عمار لم يفلح في نيل رضا المعتمد، بل شجَّ رأسه بفأس وقضى عليه، وكأنّ المعتمد ما نسي هجاءَ الشاعر له ولزوجته وكما قيل:

جراحاتُ السِّنانِ لها التِئامٌ        ولا يلْتَامُ ما جرحَ اللِّسانُ

وقال آخر: والسجين في سجنه، كلما هبت رياحٌ من ناحية بلاده يذوب حنيناً، وكلما لاح له خيالُ ركبٍ مُيَمِّمٍ وجهَهُ شطرَ بلده, كلما بعث هواه مع هذا الركبِ.

وقد أورد البغدادي في خزانته أبياتَ شعرٍ لجَعْفَر بن عُلْبَة الحارِثِيّ قالها في سجنه، وأوردها أبو تمام في أول الحماسة، وهي في غاية الجمال ،

هَوايَ مع الرَّكْبِ اليَمانِينَ مُصْعِدٌ        جَنِيبٌ   وجُثْمانِي   بمَكَّةَ مُوثَقُ

عَجِبْتُ لِمَسْراها وأَنَّى تَخَلصَتْ        إِليَّ، وبابُ السَّجْنِ  دُونِي مُغْلَقُ

أَلَمَّتْ فحَيَّتْ ثُم قامَتْ فَوَدَّعَتْ        فَلمَّا تَوَلَّتْ كادَتِ النَّفْسُ  تَزْهَقُ

فلا تَحْسَبِي أَنِّي تَخَشَّعْتُ بَعْدَكُم        ْبِشَيْءٍ، ولا أَنِّي مِنَ المَوْتِ أَفْرَقُ

ولا أَنَّ نَفْسِي يَزْدَهِيها وَعِيدُكُمْ        ولا أَنَّنِي بالمَشْي في القَيْدِ  أَخْرَقُ

ولكنْ  عَرَتْنِي  مِن  هَواكِ  صَبابَةٌ        كما كنتُ أَلْقى مِنْكِ إِذْ أَنا مُطْلَقُ

أسجنٌ وقيدٌ واغترابٌ وعَبرةٌ        وفقدُ حبيبٍ؟   إنّ ذاك عظيمُ

وإنّ امرأً تبقى مواثيقُ عهدِه،       على  كلِّ  هذا،  إنه  لكَريمُ[6]

وعندما حُبس عبدُ الملك بنُ إدريس الجزيريُّ الكاتبُ الشاعرُ، صدرت عنه وهو في السجن قصيدةٌ له في الآداب والسنة، كتبَ بها إلى بنيه (أو إلى ابنه عبدِ الرحمن)، مطلعُها:

ألْوَى بعزمِ تجلُّدي وتصبُّري        نأيُ الأحبّةِ واعتيادُ تذكُّرِي

ويذكر فيها كيف فقد صبرَه، وذهب سرورُه وتلذُّذُهُ بالعيش، ويتشوقُ إلى ابنِه الأصغرِ، ويتذكر ساعة فراقه, فيقول:

عجباً لقلبي يومَ راعتْنا النّوى        ودَنا وداعُكَ كيفَ   لم يتفطرِ؟!

ما خِلْتُني أبقى خلافَك ساعةً        لولا السكونُ إلى أخيكَ الأكبَرِ[7]

وها هو أيضاً ضابئُ البرمجيُّ وهو في سجنه يقول متشوقاً:

ومَن يكُ أمسَى  بالمدينةِ   رَحْلُهٌ        فإني    وقياراً     بها      لغَريبُ

وما عاجلاتُ الطير تُدني مِن الفتى        نجاحاً ولا عن   ريثهِنّ   يَخيبُ

ورُبَّ أمورٍ   لا   تضيركَ   ضيرةً        وللقلبِ  مِن  مَخْشاتِهنَّ   وَجِيبُ

ولاخيرَ فيمن لا يوطِّن  نفسَهُ        على  نائباتِ  الدّهرِ  حينَ  تنوبُ[8]

وأما صالحُ ابنُ عبد القدوس، فإنه يشكو حاله إلى الله، ويرى نفسه في سجنه لا حياً ولا ميْتاً:

إلى  الله  أشكوْ؛  إنّه  موضعُ  الشّكوَى        وفي   يدِهِ   كشْفُ   المُصيبةِ    والبَلْوَى

خرجْنا  مِن  الدُّنيا   ونحنُ   مِنَ   اهْلِها        فما  نحنُ   بالأحْياءِ   فيها   ولاَ   المَوتى

إذا   ما   أتانا    مُخبرٌ    عن    حديثِها        فرحْنا وقُلنا:  جاءَ   هذا   مِن   الدُّنيا!

وتُعجبنا     الرُّؤْيا      فجُلُّ      حديثِنا        - إذا نحنُ أصبَحْنا - الحدِيثُ عنِ الرُّؤيا

فإنْ حسنتْ لم  تأتِ  عجلَى  وأبطأتْ        وإن قبحتْ  لم  تحتبِسْ  وأتَتْ  عجلَى![9]

وأحد الشعراء رأى في السجن مدى حاجة الناس إليه، وجعل نفسه البدرَ المفتَقَدَ في الليلة الظلماء، ولكن كيف ذلك؟

ويأتي الجواب: بأن الناس سيعْلمون قوّته ومكانته عندما تدور رحى الحرب، وتطحن الحربُ الزبونُ الكُماةَ، أمّا فارسُها الْمُهابُ، وليثُها الهدَّارُ، فإنه قابعٌ في السجن، لذلك، الشاعرُ العَرْجيُّ وهو أشعر بني أمية، عندما هجا إبراهيم بن هشام المخزومي، وأخذه وحبسه. قال وهو في السجن:

كأَنِّيَ لم أَكُنْ فيهمْ وَسِيطاً        ولم تَــكُ نِسْبَتِي في آلِ عَمْرِو

أَضاعُوني وأَيَّ فَتىً أَضاعُوا        لِيَوْمِ  كَرِيهَةٍ وسِدَادِ   ثَغْر[10]

وأما ابنُ زيدون فإنه عندما كان في نكبته، وأُودِع في السجن، أتى بصوَرٍ بديعة، فهو لا يرى في نفسه عندما سُجن سوى قمرٍ قد أصابه الخسوفُ، أو شمسٍ قد ألمَّ بها الكسوفُ، وهو نجم إلا أنه في الأرض لا في السماء، يقول:

هل  الرّياحُ  بنجمِ   الأرضِ   عاصفةٌ        أمِ  الكسوفُ  لغَيرِ  الشمسِ  والقمرِ؟

إن طال في السِّجنِ إيداعيْ فلا عجبٌ        قدْ يوْدعُ الجفن  حدّ  الصارمِ  الذّكَرِ[11]

وإذا كان ابنُ زيدون قد صوَّر نفسه في سجنه بدراً مخسوفاً، وسيفا صارماً مغمَداً، فإن بعض ولد نهيك بن أساف الأنصاري قد جعل من الحكم بن المطلب المخزوميَّ شيئاً آخرَ، فعندما حُبس رأى أن الجود والكرم قد حُبسا، وأن المعروف قد أصبح نزيلَ السجن، ورأى أنّ هذا البحر يفيض رغم القيود حتى يكاد يغرق زائريه، قال:

خليليَّ إنّ الجودَ في السجنِ فابكِيا        على الجُودِ إذْ شُدَّتْ عليهِ  مرافِقُهْ

تَرى عارضَ المعروفِ في كلِّ ليلةٍ        وكلِّ ضُحًى يستنُّ في السجنِ بارِقُهْ

إذا صاحَ كبلاه  طفا  فيضُ  بحرِهِ        لزوَّاره  حتى تُرامَ  غرائقُهْ[12]

وسُجن مروانُ بنُ عبد الرحمن الملقبُ بالطليق، وكان عمرُه ست عشرة سنة، وطال سجنه إذ مكث في السجن ستَّ عشرة سنة أخرى، فما كان منه إلاّ أن وصف السجن بقوله:

في منزل كالليلِ أسودَ  فاحمٍ        داجي النواحي، مظلمِ الأشباجِ

يسودُّ والزهراءُ  تشرقُ   حولَهُ        كالحبرِ  أُودعَ  في  دَوَاةِ  العاجِ[13]

وقد يصور الشاعر نفسه وهو في سجنه سيفاً إلا أنه مغمَدٌ, وهزبراً في عرينه، ويسلي نفسه بكثير من التشبيهات والصور البيانية، مما حدا بالبيهقي أن يجعلها من محاسن الحبس، في كتابه (المحاسن والمساوئ) فها هو عليُّ بنُ الجهم يقول عندما حبس:

قالوا: حُبستَ، فقلتُ: ليس بضائرِيْ        حبسيْ،  وأيُّ   مهنَّدٍ   لا   يُغمَدُ؟!

أوَ  ما   رأيتَ   اللَّيثَ   يأْلفُ   غِيْلَهُ        كبراً،    وأوباشَ    السِّباعِ    تردَّدُ؟

والبدرُ   يُدركهُ    السِّرارُ    فتنجلِي        أيّامهُ           وكأنَّهُ           متجدِّدُ

والنَّارُ    في    أحجارها     مَخبُوءَةٌ        لا  تُصطلى   ما   لمْ   تُثرْها   الأزندُ

ولكلِّ     حالٍ     معْقبٌ     ولربَّما        أجْلَى   لكَ   المكروهُ   عمّا   تَحمدُ

لا    يؤْيِسنّكَ    مِن    تفرّجِ    كُرْبةٍ        خطبٌ   أتاكَ  به الزّمانُ الأَنْكدُ

صبراً    فإنّ     اليومَ     يتْبعهُ     غدٌ        ويدُ    الخليفةِ  لا تطاولها يَدُ

والحبسُ   -   ما   لمْ   تغْشَهُ    لدَنِيّةٍ        تزريْ   -    فنعم    المنزلُ    المتورَّدُ

إلاَّ أن عاصمَ بنَ محمد الكاتب، لما حبسه أحمدُ بن عبد العزيز بتغير حمولة له, عارض ابن الجهم في قصيدة ذكرت مساوئ السجن، وأتى فيها بنقيض ما قاله ابنُ الجهم:

قالت: حُبست، فقلت: خطبٌ أنكدُ        أنحَى   عليّ به الزمانُ المرصدُ

لو  كنتُ  حراً  كانَ  سِربي   مطلَقاً        ما    كنتُ أُؤخَذُ عنوةً وأُقيّدُ

أوْ  كنتُ  كالسَّيفِ  المهنَّدِ  لم  أكنْ        وقتَ الشّديدةِ والكَريهةِ  أُغمَدُ

أوْ كنتُ كاللّيث الهَصُور لَما  رعَتْ        فيّ  الذئابُ  وجذوتيْ  تَتَوقّدُ

مَن  قال:  إنّ  الحبسَ   بيتُ   كَرامةٍ        فمُكاشرٌ في   قولهِ  مُتَجَلِّدُ

ما   الحبسُ   إلاّ   بيتُ   كلِّ   مَهَانَةٍ        ومَذلّةٍ ومكارِهٍ  ما  تــنفَدُ

إن   زارَني    فيه    العدوُّ    فشامِتٌ        يُبدي التوجُّعَ تارَةً ويفنّدُ

أو   زارني  فيه الصَّديقُ  فمُوْجعٌ        يذرِي الدُّموعَ بزفرةٍ تتَردَّدُ

يَكفِيك أنّ  الحبسَ بيتٌ لا تَرى        أحداً  عليهِ مِنَ الخلائقِ يُحسَدُ!

عِشنا بخيرٍ رهةً  فكَبَا  بنا            ريبُ    الزّمان وصَرفُه المتردِّدُ

قصرتْ خطاي وما كبرتُ   وإنما قصرتْ لأني في الحَدِيدِ مصفَّدُ

في مُطْبقٍ فيه النهارُ مُشاكِلٌ           للَّيلِ والظُّلُماتِ  فيهِ   سَرمَدُ

تمضي   اللياليْ   لا    أذوق    لرَقدةٍ        طَعْماً..  فكيفَ  حياةُ  مَن  لا  يَرقُدُ

فتقولُ لي  عينيْ:  إلى  كمْ  أسهرتْ؟        ويقولُ  لي  قلبيْ:  إلى  كمْ   أكمدُ؟

وغِذايَ   بعْدَ   الصّوم   ماءٌ    مفردٌ        كمْ  عيشُ  من  يغذُوْهُ  ماءٌ  مفردُ؟!

وإذا   نهضتُ   إلى   الصلاةِ   تهجُّراً        جذبتْ   قيوديْ    ركبتيَّ    فأَسْجُدُ

فإلى   متى   هذا    الشقاءُ    مؤكَّدٌ؟        وإلى    متى    هذا    البلاءُ    مجدَّدُ؟

يا  ربِّ،   فارحمْ   غُربتي   وَتَلاَفَنِيْ        إنّيْ      غريبٌ      مفرَدُ       مُتلدّدُ[14]

وكثيراً ما يُسجن إنسان لا يقرض الشعر، فيهيئ الله له من الشعراء من يواسيه, ويسليه في سجنه فالبحتريُّ عندما سُجن محمد بنُ يوسفَ ذكره بنبي الله يوسفَ عليه السلام، وأن صبره جعل منه ملكاً، كما ذكره أن الذهب لا يصفو إلا بالسبك، والدنيا متقلبة، والأيام دول:

وما   هذه    الأيامُ    إلاّ    مَنازلٌ        فمِن مَنْزِلٍ رحْبٍ إلى منزِلٍ  ضَنْكِ

وقدْ   دهَمتْكَ   الحادثاتُ   وإنّما             صفا الذّهبُ الإبرِيزُ قَبْلَكَ بالسّبْكِ

أمَا  في  نبي   الله   يُوسفَ   أُسْوَةٌ        لمثِلكَ محبوسٌ  عنِ  الظُّلْمِ  والإفْكِ

أقامَ جميلَ الصّبرِ في السِّجن  بُرهةً        فآلَ بهِ  الصّبرُ  الجميلُ  إلى  المُلْكِ[15]

وكذلك يزيدُ بن المهلب، الذي كان جواداً، وكان حاتمَ عصره. و"قيل: إن الحجاجَ حبسه على خراجٍ وجب عليه، مقدارُه مائةُ ألف درهم، فجُمعت له، وهو في السجن، فجاءه الفرزدقُ يزوره، فقال للحاجب: استأذن لي عليه، فقال: إنه في مكان لا يمكن الدخول عليه فيه، فقال الفرزدق: إنما أتيت متوجِّعاً لما فيه، ولم آتِ ممتدحاً، فأذن له، فلما أبصره قال:

أبا خالدٍ ضاقتْ خراسانُ بعدَكمْ            وقالَ ذَوُو  الحاجاتِ  أينَ  يزيدُ؟

فما قطرتْ بالشرقِ بعدكَ  قطرةٌ        ولا اخضرَّ  بالمروينِ  بعدكَ  عُودُ

وما  لسرورٍ  بعدَ   عزِّكَ   بَهجةٌ        وما  لجوادٍ  بعدَ  جُودِك   جُودُ"[16]

 ونحن عندما ننتقل إلى شعراء العصر الحديث فإننا قد نراهم، أبدعوا إبداعاً رائعاً وهم في سجونهم, وكتبوا روائع شعريةً ليس لها نظير.

وممن كتب وأبدع في هذا المجال ذاك الذي ناجى ربّه في قصيدة نونية  وصف طغيان سجّانيه منها:

يا  ربِّ،  إنّ  الطغاةَ  استكبروا  وبغَوا        بغْيَ   الذئابِ   على   قطعانِ   حملانِ

يا  ربِّ،  كمْ  يوسفٍ  فينا   نقيِّ   يدٍ        دانُوْهُ  بالسّجنِ  والقاضي  هوَ  الجاني

يا ربِّ، كم من صبيٍّ صفَّدوا.. فمَضَى        يبكِي   كضفدعةٍ   في   نابِ    ثُعبانِ

يا  ربِّ،  كم   أسرةٍ   باتتْ   مشرَّدةً        تشكُوْ     تجبُّرَ     فرعونٍ     وهامانِ

وله فيها بيتٌ جميلٌ يقول فيه:

والليثُ لنْ تحنيَ الأقفاصُ هامتَهُ        وإنْ  تحكّمَ  فيهِ  أَلْفُ   سَجَّانِ

وليس لأحدٍ أن ينسى تلك القصيدةَ, قصيدةَ الشاعر هاشم الرفاعي (رسالةٌ في ليلة التنفيذ) التي يخاطب فيها أباه، ويصوِّر السجن تصويراً عجيباً، بليله الحالك، وهدوئه المخيف، وصمته الذي يقطعه رنينُ السلاسل:

أبتاهُ،   ماذا   قد    يخطُّ    بَناني؟        والحبلُ      والجلاّدُ       منتظرانِ

هذا  الكتابُ  إليكَ   مِن   زنزانةٍ        مَقرُورةٍ      صخريّةِ      الجُدرانِ

لمْ   تبقَ   إلاّ    ليلةٌ    أحْيَا    بِها        وأحسُّ    أنّ    ظلامها    أكفاني

ستمرُّ - يا أبتاهُ - لستُ أشكُّ في          هذا،   وتحمِلُ   بَعدها    جُثماني

الليلُ   مِن   حوْلِي   هدوءٌ   قاتلٌ        والذّكرياتُ  تمورُ   في  وجداني

ويهدُّني   ألَمي،   فأَنْشُدُ   راحتي        في   بضعِ   آياتٍ   مِنَ    القُرآنِ

والنّفْسُ   بين    جوانحي    شفّافةٌ        دَبَّ  الخضوع  بِها   فهزّ   كياني

شكراً لهم،  أنا  لا  أريدُ  طعامَهمْ        فلْيرفعُوهُ،  فلستُ     بالجوعانِ

هذا  الطعامُ  المرُّ  ما   صنعَتْهٌ   لي    أمّي،  ولا  وضعُوه   فوقَ   خوَانِ

كلاّ، ولمْ يشهدْهُ - يا أبتي - معِي        أَخَوانِ    لي   جاءَاهُ     يسْتَبِقانِ

مَدُّوا   إليّ    بهِ    يدًا    مصبُوغةً       بدَمِي،  وهذِي   غايَةٌ   الإحسانِ

والصَّمتُ  يقطَعُهُ  رنينُ   سلاسلٍ        عبثتْ    بهنّ    أصابعُ    السّجَّانِ

وأختم قصائد غياهب السجون بأبياتٍ عن الخروج منها إلى نور الحرّية.. في كلماتٍ للشاعر الإسلامي محمد محمود الزبيري - يرحمه الله -:

خَرَجْنا مِن السِّجْن شُمَّ الأُنُوفِ        كما  تخرُجُ  الأُسْدُ  مِن  غابِها

نَمُرُّ  على   شَفَرَاتِ   السّيوفِ        ونأتِي   المنيّةَ     مِن   بابِها

ونأْبَى    الحياةَ    إذَا    دُنِّسَتْ        بِعَسْفِ   الطُّغاةِ    وإرهابِها

ونحتقِرُ     الحادثاتِ      الكِبارَ        إذا    اعترَضَتْنَا بأَتْعَابِها

ونعلَمٌ     أنّ     القَضا     واقعٌ        وأنّ   الأُمُورَ   بأَسْبابِها

سَتعلمُ      أمّتُنا      أنّنا        ركبْنا   الخطوبَ  حناناً    بِها

فإنْ   نحنُ   فزْنا    فيا    طالَما        تذلُّ      الصِّعابُ       لطلاّبِها

وإنْ  نلْقَ  حتفاً  فيا  حبّذا   ال        مَنايا       تَجِيءُ        لخطّابِها

وفي نهاية المطاف, نكون قد شاركنا الشعراءَ في سجونهم، وعانينا بعض ما عانَوا، ورأينا أن من إحدى حسنات السجون أنها تخرج إلينا، من بين جدرانها ومن ثنايا ظلامها البهيم، قصائدَ باقيةً، مشبوبةً بصدق العاطفة ورصانة التعبير.....

ــــــــــــــــــــ

[1]   المشهور: ( هل تشعرين بحالي)، ولكن هذه رواية ابن خالويه.

[2]   ديوان الأمير أبي فراس الحمداني/ تحقيق وشرح: د محمد ألتونجي، دمشق، 1408هـ، ص 246- 147.

[3]   بهجة المجالس وأنس المجالس/ ابن عبد البر، باب في السجن، 1/194، وانظرها في كتاب: نوادر الحطيئة/ محمد إبراهيم سليم، مصر: دار الطلائع، ص 39.

[4]   المستطرف في كل فن مستظرف/ شهاب الدين محمد بن أحمد أبو الفتح الأبشيهي/ ط3، دار صادر، ص 147.

[5]   في الشعر العربي الأندلسي والمغربي/ د. علي دياب، منشورات جامعة دمشق، 1416هـ، ص 178.

[6]   بهجة المجالس وأنس المجالس: 1/194.

[7]   تاريخ الأدب الأندلسي (عصر سيادة قرطبة)/ إحسان عباس، 1960م، بيروت: دار الثقافة، 1/81.

[8]   الكامل في اللغة والأدب/ المبرد، باب لضابئ البرمجي وهو في السجن، 1/85.

[9]   معجم الأدباء/ ياقوت الحموي، 1/121.

[10]   الشعر والشعراء، ابن قتيبة الدينوري، باب عروة بن أذينة، 1/125.

[11]   إعتاب الكتاب/ ابن الأبار، 1/46.

[12]   ربيع الأبرار/ الزمخشري، 1/83.

[13]   تاريخ الأدب الأندلسي (عصر سيادة قرطبة): 1/79.

[14]   المحاسن والمساوئ/ إبراهيم البيهقي, باب مساوئ من سخط عليه وحبس، 1/228. وانظر أبيات ابن الجهم في المستطرف في كل فن مستظرف: ص 414.

[15]   المستطرف في كل فن مستظرف: ص 414.

أبواب المجلة

Scroll to Top