العدد الخامس

أبواب المجلة

افتتاحيّة

نشرف أن نقدم للمهتمّين بعلوم العربية العـدد الخامس من مجلة العريب ،وهي مجلة  محكمة تعنى باللغة العربية وآدابها يشرف عليها ،ويسهم في تحكيم بحوثها مجموعة من الأساتذة الباحثين من مختلف البلدان العربيّة والإسلاميّة ،إذ تتضمّن مجالات العربية من نحو، وصرف، ودراسات أدبيّة وبلاغية ،وإبداعات متنوّعة، ونقد أدبي، وقد احتوى هذا العدد على مجموعة مميزة من الموضوعات ذات الصلة،ففي باب كواكب ونجوم تناولنا سيرة العالم اللغوي أحمد بن فارس صاحب كتاب المقاييس  في اللغة من أشهر كتب العربية، كذلك توسّعنا في المعجم اللُّغوي لآية الدين ،ثم رؤية بيانية لهُ.، وأيضا وقفنا عند موضوع مهم وهو" مايذكّر ويؤنّث في العربيّة"وفي باب اللغة في حياتنا تجدون موضوعا لايقلّ أهميّة وهو آفة اللغة هذا النحو؟...والله نسأله التوفيق والسداد،،،

بلسان مبين

المعجم اللُّغوي لآية الدين ،ثم رؤية بيانية لهُ:

 قال تعالى:"يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيۡنٍ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى فَٱكۡتُبُوهُۚ وَلۡيَكۡتُب بَّيۡنَكُمۡ كَاتِبُۢ بِٱلۡعَدۡلِۚ وَلَا يَأۡبَ كَاتِبٌ أَن يَكۡتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُۚ فَلۡيَكۡتُبۡ وَلۡيُمۡلِلِ ٱلَّذِي عَلَيۡهِ ٱلۡحَقُّ وَلۡيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥ وَلَا يَبۡخَسۡ مِنۡهُ شَيۡـٔٗاۚ فَإِن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيۡهِ ٱلۡحَقُّ سَفِيهًا أَوۡ ضَعِيفًا أَوۡ لَا يَسۡتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلۡيُمۡلِلۡ وَلِيُّهُۥ بِٱلۡعَدۡلِۚ وَٱسۡتَشۡهِدُواْ شَهِيدَيۡنِ مِن رِّجَالِكُمۡۖ فَإِن لَّمۡ يَكُونَا رَجُلَيۡنِ فَرَجُلٞ وَٱمۡرَأَتَانِ مِمَّن تَرۡضَوۡنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحۡدَىٰهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحۡدَىٰهُمَا ٱلۡأُخۡرَىٰۚ وَلَا يَأۡبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْۚ وَلَا تَسۡـَٔمُوٓاْ أَن تَكۡتُبُوهُ صَغِيرًا أَوۡ كَبِيرًا إِلَىٰٓ أَجَلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقۡوَمُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَرۡتَابُوٓاْ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةٗ تُدِيرُونَهَا بَيۡنَكُمۡ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَلَّا تَكۡتُبُوهَاۗ وَأَشۡهِدُوٓاْ إِذَا تَبَايَعۡتُمۡۚ وَلَا يُضَآرَّ كَاتِبٞ وَلَا شَهِيدٞۚ وَإِن تَفۡعَلُواْ فَإِنَّهُۥ فُسُوقُۢ بِكُمۡۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ" ﴿٢٨٢﴾

تعددت الأساليب داخل الآية ،وتفاعلت عناصرها لتكوِّن في النهاية هذه اللوحة الكاملة، ولكي تقرأ اللوحة كاملة، ويستشف مقصودها الأعظم، وهدفها الأعلى، كان لابد من تتبع هذه الخيوط المتشابكة، ومعرفة أعدادها، وتفاعلاتها، وعلاقاتها المتداخلة؛ ليُتوصل في الختام إلى رؤية واضحة يمكن من خلالها القول بأن هذه الصورة يقصد بها كذا... أو كذا؛ ولذلك كان من فريضة البيان الأولى إحصاء عدد الخيوط، وأنواعها في الآية، وها هي تي: أسلوب الشرط: بلغ عدد أساليب الشرط في الآية ستة؛ وهي على التوالي كالآتي: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَ مِمّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء، "فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْل"....

أساليب شرط مفهومة من سياق الآية؛ لكنها ليست محكومة بأدواته المعروفة، ومن هذه الأساليب- على سبيل المثال قوله تعالى: {أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى}؛ حيث يفهم منه: إذا ضلت إحداهما فلتذكرها الأخرى، وهذا النوع سيكشف عنه التحليل في حينه ،أسلوب الأمر: لأسلوب الأمر صورتان صريحتان وهما: افعل ولتفعل، وقد ورد في الآية منها تسعة أساليب هي على الترتيب كالآتي:  فاكتبوه،وليكتب بينكم كاتب بالعدل ،فليكتب،وليملل الذي عليه الحق، وليتق الله ربه، فليملل وليه بالعدل،واستشهدوا شهيدين من رجالكم، وأشهدوا إذا تبايعتم، واتقوا الله...ولا يعني هذا انحصار الأمر في هاتين الصورتين، بل قد يفهم الأمر في صور أخرى، لكنها ليست نصًا في الأمر؛ لأن الأمر فيها مأخوذ من السياق والمقام والغرض العام...إلى آخر ذلك من العوامل المساعدة على فهم الأمر...أسلوب النهي: ليس لأسلوب النهي في لغة الضاد إلا صيغة واحدة صريحة، وهي لا تفعل، أو لا الداخلة عل المضارع، لكن قد يفهم النهي أيضًا من إدخال مادة نهى وما في معناها على الكلام، وقد جاء ذلك في القرآن الكريم؛ نحو قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]، ونحو: {وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء:171].ونحو: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة:9]، ونحو: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ} [المائدة:3].وما سوى ذلك من النهي قد يفهم من مضمون الكلام. وقد جاء في الآية خمسة أساليب نهي صريحة، وهي كالآتي: وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ، وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا. وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا .وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ.

وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة:282]. هذا، بالإضافة إلى أساليب أخرى فاعلة، لكنها تخدم ما سبق من أمر ونهي وشرط، ومن تلك الأساليب مثلًا:

أسلوب النداء في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} الآية،وأسلوب التفضيل في قوله تعالى: {ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا}. وأسلوب الاستثناء في نحو: {إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم}، وأساليب بلاغية: كالتشبيه، كما في قوله تعالى: {ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله}. ووضع الظاهر موضع المضمر، كما في قوله تعالى: {أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى}، وقوله: {واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم}.وأسلوب الحذف، نحو: {وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم}، وهكذا تتعدد الأساليب، لكنها جميعًا محكومة بهذه الثلاثة، وداخلة في إطارها، وخادمة لمضمونها؛ فالشرط والأمر والنهي أساليب تفرض هيمنتها على الآية، من أولها إلى آخرها، وسوف يتبين وجه ذلك لاحقًا، إن شاء الله تعالى..الأدوات: حروف الجر: تعددت حروف الجر في الآية؛ حيث ورد فيها: الباء- إلى- الكاف- من- اللام. وهي على النحو الآتي:الباء: خمس مرات.إلى: مرتان.الكاف: مرة واحدة.من: أربع مرات.اللام: مرة واحدة. والمجموع ثلاثة عشر حرف جر.

.الأدوات الناصبة: وهي إما ناصبة للمضارع، وقد وردت سبع مرات أنْ. أو حرفًا ناسخا، وقد جاء مرة واحدة إنَّ. .الأفعال الناسخة: وقد ورد منها أربعة أفعال، جاءت على هذا الترتيب: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا". فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ" إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ.  فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا..أدوات الشرط:وقد ورد منها أداتان فقط، وهما إنْ- إذا، وكل منهما كرر ثلاث مرات.

أمّا إذا ففي: إذا تداينتم. وأما إنْ ففي: فإن كان الذي عليه الحق سفيها.

.حروف العطف: وقد ورد منها ثلاثة أنواع:الواو: وجاءت سبع عشرة مرة.الفاء: وجاءت ست مرات.أو: وجاءت ثلاث مرات.

الأفعال :وقد ورد منها تسعة وعشرون فعلًا، منها اثنان وعشرون فعلًا معربًا، وستة أفعال مبنية، منها ثلاثة مبنية، وثلاثة أفعال أمر.

الأسماء الموصولة: وقد ورد منها: الذين- الذي- مَنْ.

رؤية بيانية لهذا المعجم: بعد حصر هذه اللبنات تبين بجلاء شيوع بعضها، وقلة بعضها الآخر، والفريضة التي أراها في الدرس البلاغي التحليلي هي النظر في وجه البيان خلف ما أشيع، وقلة ما ندر؛ ذاك لأن اليقين- الذي لا محيد عنه- أن الخالق الكريم أحكم هذا الكتاب الكريم، وقد قال سبحانه: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود:1]. فكل حرف مضبوط بضوابط تسير في فلك المراد، وتواءم مع المقصود.ومن هنا يلحظ ما يأتي: كثرة الأمر، والنهي، والشرط، حتى كادت الآية تُحصر بينهم، وهذه الأساليب- بلا شك- قيود وعوائق تقف في وجه هذا النوع من التعامل بين المؤمنين، وكأن الآية تقول لا ينبغي إتمام هذا الأمر إلا بعد تحقيق هذه الضوابط، فإن اختل منها شيء خرجت- حينئذٍ- تلك المعاملة عن منهج الله المرسوم، وأدى ذلك إلى خلاف وشقاق لانهاية له.

وإذا كان الأصل في المعاملات الإباحة مالم يرد الدليل بخلاف ذلك، فإن التعامل بالدين، وهو مباح شرعًا أحيط بسياج من المحاذير أوامر، ونواهٍ، وشروط التي تحدُّ من شيوع هذا التعامل؛ لأن طريق الدين وعر، صعب، والزلل فيه كثير، فقد يؤدي إلى الربا، وقد يؤدي إلى الخلاف والشقاق بين الناس.

إن القيود لا توضع إلا عند استشعار الخطر، كما توضع علامات المرور في الطريق لتشير إلى الحذر، ولما كانت الديون تترك في النفوس حرجًا، وتؤدي إلى ما يغضب الله تعالى- من ربًا ونحوه- أحيط بالشرط، والأمر، والنهي. وكثرة هذه القيود إعلاء من شأن التحذير؛ لتضييق هذه المعاملة من جهة، ولأخذ الحذر عند التعامل بها من جهة أخرى، حتى الأساليب المساعدة في الآية مثل أسلوب النداء- مثلًا- يتواءم مع هذا التحذير؛ لأن النداء ضرب من التنبيه.

وأسلوب الاستثناء: إنما هو انتقاء جزء من كل؛ إذ ليس كل المعاملات سواء.

وأسلوب التفضيل: يصرِّح بهذا المعنى أيضًا؛ لأن هناك معاملات بديلة للديون أولى بالاتباع، كالبيع الناجز ونحو ذلك. فإذا جئنا إلى الأدوات نلحظ ما يأتي: في حروف الجر شاع حرف الباء؛ حيث ذكر خمس مرات، ثم من حيث ذكر أربع مرات.

وحرف الباء يدور بين معاني الإلصاق، والاستعانة، والزيادة، وهي معانٍ لا تبعد كثيرا عن الديون؛ فالمَدِين ملصق بالدائن، مستعين به؛ لأخذ بعض الزيادة من ماله، أو هو ملصق بالأرض من الفقر، مستعين بغيره رغبة في زيادة ماله، والإلصاق هو أشهر معاني الباء، وقيل: إنه لا يفارقها، ويعني تعلق أحد المعنيين بالآخر. فالتعلق هو أبرز ما يميز الباء، والتعلق أيضًا هو أبرز ما يميز الديون.

أمّا مِنْ: فمن معانيها التبعيض، وابتداء الغاية، والتقليل، والبدل، بل إنها تأتي أيضا بمعنى الباء، كما في قوله تعالى: {ينظرون من طرف خفي} أي: به.  وعلى هذا، فإن ما أشيع من حروف جر في الآية لا يخرج معناه عن حمى الديون، بل يرتع فيه، حتى تكتمل اللوحة التي تصور أطراف المعاملة، وضوابطها.

أمّا( أن) فإنها وردت في الآية مصدرية فقط، وإن كانت تأتي لمعانٍ كثيرة، لكن تأويلها مع ما بعدها بمصدر يشير إلى دخولها في الفعل بعدها، وانضمامها إليه والتصاقها به، وهذا أيضا لا يخرج عن الإطار الذي تدور في فلكه الآية.

أما الأفعال الناسخة، فقد استعمل منها كان- ليس. والأصل في معنى- كان- المضيّ، والانقطاع. وكأنها تشير إلى أن مصير كثير من الديون الانقطاع، بل والضياع، إلا المضبوطة، وهنا تبرز ليس التي ذكرت مرة واحدة؛ لتفيد استثناء الديون المأخوذة بحق، والمحفوظة بالشرع، وهكذا كلما تتبعتَ اللبنات الصغرى داخل الآية وحصَرتَ الشائع منها، وجدت أن كلاً يدور في فلك واحد، وتتشابك خيوطه في نسيج واحد؛ لتكوّن صورة واحدة لمضمون واحد، وهو التحذير من الديون، وأخذ الحذر عند التعامل بها."

أفصحنا(صلّى الله عليه وسلم)

من بلاغة النهي في الحديث الشريف

مفهوم النهي:هو طلب الكف عن شيء على وجه الاستعلاء مع الالتزام، وله صيغة واحدة، وهي المضارع المقرون بلا الناهية[1]؛ نحو قوله صلى الله عليه وسلم لمن طلب منه الوصية: "لا تغصب".

والنهي طلب الكف عن الشيء ممن هو أقل شأنًا من المتكلم، وهو حقيقة في التحريم كما عليه الجمهور، فمتى وردت صيغة النهي أفادت الحظر والتحريم على الفور. واعلم أن النهي كالأمر، فيكون استعلاءً مع الأدنى، والتماسًا مع النظير[2].

المعاني التي يفيدها أسلوب النهي في الأربعين النووية:

الذي تهتم به الدراسات البلاغية ليس هو طلب الكف عن الفعل، وهو المعنى الأصلي لتلك الصيغة، وإنما تهتم بما وراء ذلك من معان بلاغية يفيدها أسلوب النهي[3]، وهي كالآتي:

-الإرشاد: وذلك عندما يكون النهي يحمل بين ثناياه معنى من معاني النصح والإرشاد[4]؛ نحو ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: (إنْ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا... فَلاَ تَعْتَدُوهَا... فلا تَنْتَهِكُوهَا... فَلاَ تَبْحَثُوا عَنْهَا[5])، تمثلت صيغ النواهي في هذا الحديث، "وتنتهي كلها إلى غاية واحدة وهي الإرشاد وتبصير الأمة"[6]. تواترت أساليب إنشائية في النص، وقد تمثلت هذه الأساليب في صيغ النواهي قاصدة إرشاد الأمة إلى السداد، والأخذ بأيديهم إلى الصلاح، وإخراجهم عن النقيض، فهي خطابات رشيدة موجهة إلى كل قلب عامر بالإيمان، قلب يبتغي هداه، وتقوى خالقه[7].

وتأمل قوله في هذا  الحديث : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا ولا تدابروا...) [8]، تجد الحديث مشحونًا بهذه الصيغ في طراز لامع، وفي صبغته المعروفة، وهي لا الناهية مع التاء المضارع؛ ليَنهى عن الحسد الذي يَقضي على مستقبل الأمة، ويعرقل سيرَها، فالحسد والبغض هما ملجأ كلِّ بلاء. فرسولنا الآمر، الناهي عن المنكر، نهانا عن ذلك؛ لنتخلص من العداوة والبغضاء، ولنعيش في سعادة الدارين.

إن إقامة الكِيان الإنساني السليم، وبناء العلاقة البشرية ذات مبدأ الإخاء والمحبة، تقتضي القضاء على الأمراض الأخلاقية والعاهات السلوكية، وتصفية الساحة من السلبيات الفتاكة، وهذا المبدأ الإنساني من أهم المحاور التي تتمركز عليها التربية النبوية الإسلامية، كما هي بارزة في معظم النصوص النبوية[9].

وانظر في قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء... "[10]، فإذا تأمَّلت هذا الحديث تجد أنه نهي يُراد به إرشاد وتهذيب الأمة إلى إنابة أنفسهم إلى الواحد القهار.

وهكذا كانت النواهي النبوية تتحلى بملامح فنية فائقة، ومعظمها إرشاد وتهذيبٌ للأخلاق، نحو مستقبل رفيع.

فصلاة الله، وسلامه على المرشد الأمة ومهذِّب مستقبل المسلمين. ومما هو جدير بالتلميح إليه حُسن صياغة نواهيه الإرشادية وروعة نَسَق عباراته؛ لأن موضوع النهي الإرشادي يحتاج إلى جذب الانتباه.

..............................................................................................................................................

[1] الهاشمي، جواهر البلاغة، ص69.

[2] الهاشمي، المرجع السابق، ص69.

[3] بسيوني، المصدر السابق، ص 299.

[4] عبدالعزيز عتيق، المصدر السابق، ص 67.

[5] النووي، ح30، أخرجه الدار قطني ، ج3، 183.

كواكب ونجوم

 أبو الحسين ابن فارس اللغوي

أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب الرازي اللغوي؛ ولد عام 329 هـ وتوفي عام 395 هـ  ودفن مقابل مشهد القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني ،كان إماماً في علوم شتى، وخصوصاً اللغة فإنه أتقنها، وألف كتابه المجمل في اللغة، وهو على اختصاره جمع شيئاً كثيراً، وله كتاب حلية الفقهاء، وله رسائل أنيقة، ومسائل في اللغة، ويعايي(يعاجز) بها الفقهاء، ومنه اقتبس الحريري صاحب المقامات ذلك الأسلوب، ووضع المسائل الفقهية في المقامة الطيبة، وهي مائة مسألة. وكان مقيماً بهمذان، وعليه اشتغل بديع الزمان الهمذاني صاحب المقامات -  وله أشعار جيدة، فمنها قوله:

مرت بنا هيفاء مجدولة ...     تركية تنمى لتركي

ترنو بطرف فاتر فاتنٍ  ... أضعف من حجة نحوي

وله أيضاً:

اسمع مقالة ناصح ...  جمع النصيحة والمقه

إياك واحذر أن تبي ... ت من الثقات على ثقه

وله أيضاً:

إذا كنت في حاجة مرسلاً ...   وأنت بها كلف مغرم

فأرسل حكيماً ولا توصه ... وذاك الحكيم هو الدرهم

 وله أيضاً:

سقى همذان الغيث، لست بقائل ... سوى ذا، وفي الأحشاء نار تضرم

وما لي لا أصفي الدعاء لبلدة ...       أفدت بها نسيان ما كنت أعلم

نسيت الذي أحسنته غير أنني ..  ... مدين وما في جوف بيتي درهم

ومن شعره أيضاً:

وقالوا كيف حالك قلت خير ...      تقضى حاجة وتفوت حاج

إذا ازدحمت هموم الصدر قلنا ... عسى يوماً يكون لها انفراج

نديمي هرتي، وأنيس نفسي ... دفاتر لي، ومعشوقي السراج

وَلَهُ:

إِذَا كُنْتَ تُؤذَى بِحَرِّ المَصِيف ... وَيُبْسِ الخَرِيفِ وَبَرْدِ الشِّتَا

وَيُلْهِيْكَ حُسْنُ زَمَانِ الرَّبِيْع ...      فَأَخْذُكَ لِلْعِلْمِ قل لي متى؟

كان نحوياً على طريقة الكوفيين. سمع أباه وغيره وألَّف "كتاب المجمل في اللغة"، و (متخير الألفاظ )وكان إماماً في علوم شتى خصوصاً في اللغة. وله "فقه اللغة" و"مقدمة في النحو" و"ذم الخطأ في الشعر" و"الإتباع والمزاوجة" و"اختلاف النحويين" سماه "كفاية المتعلمين" و"الانتصار لثعلب" و"كتاب الليل والنهار" و"كتاب خلق الإنسان" و"تفسير أسماء النبي -عليه السلام-" و"جامع التأويل في تفسير القرآن" أربع مجلدات و"كتاب سيرة النبي -عليه السلام-" و"غرائب إعراب القرآن" و"كتاب أخلاق النبي" و"كتاب دارات العرب" و"كتاب العم والخال"و"كتاب الشيات والحلي" و"كتاب مقاييس اللغة" وهو جليل لم يصنّف مثله و"كتاب الحماسة المحدثة" وله رسائل أنيقة ومسائل في اللغة تعانى بها الفقهاء ومنه اقتبس الحريري في "مقاماته" ذلك الأسلوب. أقام بهمدان واشتغل عليه بديع الزمان، ثم سكن بالرَّي وكان ابن عبَّاد يتلمذ له. وكان كريماً جواداً. ذكره السيوطي قال عنه:"أما أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي، فإنه كان من أكابر أئمة اللغة، أخذ عن أبي بكر أحمد بن الحسن الخطيب، رواية ثعلب، وأبي الحسن علي بن إبراهيم القطان، وأبي عبد الله أحمد بن طاهر بن المنجم، وكان يقول عن أبي عبد الله هذا: إنه ما رأى مثله، ولا هو رأى مثل نفسه".وأخذ عنه أحمد بن الحسين المعروف بالبديع الهمذاني وغيره، وأقام بالري بأخرة، وكان سبب ذلك أنه حمل إليها من همذان وقد شهر، ليقرأ عليه أبو طالب بن فخر الدولة علي بن ركن الدولة الحسن بن بويه الديلمي، فسكنها. وكان فقيهاً شافعياً حاذقاً، ثم انتقل إلى مذهب مالك في آخر أمره، فسئل عن ذلك فقال: دخلتني الحمية لهذا الإمام المقبول على جميع الألسنة، أن يخلو مثل هذا البلد - يعني الري - عن مذهبه، فعمرت مشهد الانتساب إليه، حتى يكمل لهذا البلد فخره، فإن الري أجمع البلاد للمقالات والاختلافات في المذاهب على تضادها وكثرتها. وكان والد أبي الحسين فقيهاً شافعياً لغوياً، وقد أخذ عنه أبو الحسين، وروى عنه في كتبه، قال ابن فارس: سمعت أبي قول: سمعت محمد عبد الواحد يقول: سمعت ثعلباً يقول: إذا أنتج ولد الناقة في الربيع ومضت أيام فهو ربع، فإذا أنتج في الصيف والربيع فهو ربعة. وكان الصاحب بن عباد يقول: شيخنا أبو الحسن رزق التصنيف، وأمن من التصحيف.

وله تآليف حسنة، وتصانيف حجة، فمنها كتاب المجمل في اللغة، وكتاب متخير الألفاظ، وكتاب فقه اللغة، وكتاب غريب إعراب القرآن، وكتاب في تفسير أسماء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومقدمة في النحو، وكتاب درارات العرب، وكتاب فُتيا فقيه العرب، إلى غير ذلك من الكتب. وكان كريماً جواداً، فربما وهب السائل ثيابه وفرش بيته، وكان له صاحب يقال له: أبو العباس أحمد بن محمد الرازي المعروف بالغضبان، وسبب تسميته بذلك أنه كان يخدمه، ويتصرف في بعض أموره، قال: فكنت ربما دخلت فأجد فرش البيت أو بعضه قد وهبه، فأعاتبه على ذلك، وأضجر منه، فيضحك من ذلك ولا يزول من عادته، فكنت متى دخلت عليه ووجدت شيئاً من البيت قد ذهب، علمت أنه قد وهبه، فأعبس، وتظهر الكآبة في وجهي، فيبسطني، ويقول: ما شأن الغضبان؟ حتى لصق بي هذا اللقب منه، وإنما كان يمازحني به. "معجم مقاييس اللغة" هو معجم جاءت تسميته في الصفحة الأولى من مخطوطته "المقاييس في اللغة" وفي "معجم الأدباء" لياقوت (4/84)، والوافي بالوفيات "للصفدي (7/279) وغيرها من المعاجم اللغوية. ويعنى ابن فارس المصنف بكلمته "المقاييس" ما يسميه بعض اللغويين بـ"الاشتقاق الكبير" وهو: أخذ كلمة من كلمة أو أكثر مع تناسب بينهما في اللفظ والمعنى.:

"معجم مقاييس اللغة" هو معجم جاءت تسميته في الصفحة الأولى من مخطوطته "المقاييس في اللغة" وفي "معجم الأدباء" لياقوت (4/84)، والوافي بالوفيات "للصفدي (7/279) وغيرها من المعاجم اللغوية. ويعنى ابن فارس المصنف بكلمته "المقاييس" ما يسميه بعض اللغويين بـ"الاشتقاق الكبير" وهو: أخذ كلمة من كلمة أو أكثر مع تناسب بينهما في اللفظ والمعنى. وأهل اللغة يقسمون الاشتقاق إلى أنواع:

-الاشتقاق الأصغر، أو الصغير: وهو ينحصر في مادة واحدة تحتفظ بترتيب حروفها، كتركيب: "سلم" فإنك تأخذ منه معنى: "السلامة" في تصوفه.

-الاشتقاق الأوسط: وهو اتفاق اللفظين في الحروف دون الترتيب، مثل: "سمي" و"سم"،

-الاشتقاق الكبير: وهو انتزاع كلمة عن أخرى بتغيير في بعض أحرفهما، مع تشابه بينهما في المعنى واتفاق في الأحرف الثابتة، وفي مخارج الأحرف المتغيرة، وذلك نحو: "حزر" و"عزر" و"أزر" فالمادة تقتضي القوة والحاء والعين والهمزة جنسها واحد، وكونها من حروف الحلق...  وهو ما سماه ابن جني الاشتقاق الأكبر، وهو أن تأخذ أصلاً من الأصول الثلاثة، فتعقد عليه ،وعلى تقاليبه الستة ،ومن واحد تجتمع التراكيب الستة وما يتعرف من كل واحد عليه، والكبار، بتشديد الباء: وهو المعروف عند النحويين بالنحت" وأما عن منهج ابن فارس فنجد أنه كان ينهج في كتابه "المقاييس" منهج الدقة ،والأمانة..

 

قضايا لغويّة ونحويّة

مايذكّر ويؤنّث في العربية:

الرَّكيَّة: البئر مؤنثة، وتصغيرها ركية وجمعها ركي وركايا وركيات. وقد يكون الركي اسما للواحد فيذكر. الريح: مؤنثة، وكذلك جميع أسمائها؛ مثل الشمال والجنوب والحرور والسموم والصبا والدبور والنكباء والصرصر والعقيم والجربياء وهي الشمال والنعامى وهي الجنوب وكذلك الريح التي يعني بها الرائحة، تقول شممت منه ريحاً طيبة. فإن ذكَّرها شاعر للضرورة فإنما يذهب بها إلى النشر وهو فغاً لا يجوز في تصاريف الكلام. الرَّواجِبُ: إناث واحدتها راجبة؛ وهي المفاصل التي بين السلاميات، وكل مفصل راجبة.  الرُّوح: مذكر، قال الله عز وجل:يوم يقوم الروح والملائكة صفاً " ، وقال جل ثناؤه: " نزل به الروح الأمين على قلبك " . فإن رأيته مؤنثاُ فإنما يعني به النفس؛ كما يقولون حلبت بعيري، يعني به ناقته.

باب الزاي :الزَّند: وهو موضع السِّوار من اليد مذكر. الزند الأعلى من الزناد التي توري مذكر، والسفلى زندة بالهاء مؤنثة.

الزَّوج: عند أهل الحجاز يقع على الذكر والأنثى جميعاً. وعلى واحد منهما. الرجل زوج المرأة والمرأة زوج الرجل بغير هاء وهما جميعاً زوج، وذلك أفصح عند العلماء وأصح. وأهل نجد يقولون: زوجة للأنثى وهو أكثر من زوج، وزوج أفصح من زوجة.

باب السين :السَّاقُ: من كل شيء مؤنثة، تصغيرها سويقة، وجمعها أسؤق بالهمز وغير الهمز مفتوحة الأول مسكنة السين، والكثيرة السوق والسيقان.

سامُّ أبرَصَ: اسم للذكر والأنثى، وجمعها سوامُّ أبرص ويقال أبارص. الساعدُ: مذكر، وهو الذراع، إلا أن الذراع مؤنثة. السَّبيل: يذكر ويؤنث، وكلاهما فصيح.

السُّرى: سير الليل، مؤنثة. السَّراوِيل: مؤنثة، وهي جمع سروالة.وهناك من يقول إنها جمع لامفرد له.... سَقْطُ النار: مذكر، وكذلك هو من الرمل وجميع ما سمي به.

السُّلَّم: مذكر، وربما أنث. قد جاء تذكيره في القرآن:أم لهم سلم يستمعون فيه " .

السِّلْمُ: وهي الصلح، مؤنثة بكسر السين وإسكان اللام وربما ذكرت في الشهر.

والسَّلَمُ: بفتح السين واللام، يذكر وهو الاستسلام، من قوله عز وجل: " وألقوا إلى الله يومئذ السلم " أي استسلموا لله عز وجل وأعطوا بأيديهم. السُّلطان: يذكر ويؤنث، وتذكيره أصح وأكثر.

السَّمَاءُ: تذكر وتؤنث، والتذكير قليل. وكأن التذكير جمع سماوة، مثل حمامة وحمام. والسماء إذا أردت المطر مؤنثة، يقال أصابتنا سماء مروية وأسمية كثيرة، وتصغيرها سمية. وإذا أردت بالسماء السقف ذكرت، كما قال عز وجل: " السماء منفطر به " .السَّمُومُ: بفتح السين أنثى، وربما ذكرت في الشعر وهو قليل؛ وهي الريح الحارة بالنهار دون الليل فإنها فيها حرور. السِّكِّينُ: مذكرة، وتصغيره سكيكين، وربما أنث وصغِّر سكيكينة، وهو قليل شاذ غير مختار والأصمعي وأبو زيد وأبو عبيد لا يجيزون تأنيثه. وأنشد الأصمعي للهذلي: يرى ناصحاً فيما بدا فإذا خلا ... فذلك سكين على الخلق حاذق ...السِّنُّ: من أسنان الفم مؤنثة، تصغيرها سنينة، وكذلك إذا عنيت بها السن التي بلغتها من العمر؛ تقول ابن فلان سنينة ابنك على سنه.

السُّوقُ: التي يباع فيها مؤنثة. وربما ذكرت وهو فغاً وتأنيثها واضح لأن تصغيرها سويقة ولأنه يقال سوق نافقة ولم يسمع نافق. وقد يذكر قليلاً، وأنشد:... بسوق كثير ريحه وأعاصره

السِّلاحُ: يذكر ويؤنث. السُّلامى: كل عظم بين مفصلين من مفاصل الأصابع فهي سلامى، مؤنثة وجمعها سلاميات.

باب الشين: الشَّامُ: ذكر. يذهب به مذهب الصقع، وأنث على أنها ناحية. الشَّاةُ: اسم مؤنث للذكر والأنثى. فإذا أردت الشاء بطرح الهاء فليس هو للذكر مثل حمام وجراد يقصد بهما الذكر من نوعهما؛ وإنما الشاء جمع. وتصغيرها شاة شويهة، وتصغير شاء شُوَيُّ. وثلاث شياه ذكور وثلاث من الشاء ذكور، لأنك تقول هذه شاة ذكر. فإذا أردت إظهار التذكير قلت: عندي ثلاثة ذكور من الشاء. الشِّبْرُ: مذكر تصغيره شُبَيْرٌ، وجمعه ثلاثة أشبار. الشخْصُ: مذكر، مؤنثاً عنيت به أو مذكراً. تقول: رأيت شخصين لامرأتين وثلاثة أشخاص للجواري. الشَّعيرُ: يذكره أهل نجد ويؤنثه غيرهم.

الشُّفْرُ: بالضم أحد أشفار العين مذكر. والفتح لغة فيه. الشمأَلُ: بفتح الشين وإسكان الميم وهمز الألف مؤنثة، وجمعها أشمل وشمائل. الشِّمَالُ: بكسر الشين خلاف اليمين مؤنثة. وجمعها أشمل.

الشَّمسُ الطالعة: أنثى. والشمس الذي في القلادة: ذكر.الشُّهُور: كلها مذكرة خلا جمادى فإنها مؤنثة.

باب الصاد:الصّاعُ: تؤنثه أهل الحجاز، وتجمعه ثلاث أصوع مثل أكلُبٍ وأشهر والكثير الصيعان. وأسد وأهل نجد يذكرونه ويجمعونه ثلاثة أصواع، وربما أنثه بعض بني أسد؛ هذا قول الفراء. وقال غيره: تذكيره أفصح عند العلماء. وقد يقال له صواع ويؤنث ويذكر وتذكيره أجود، وإذا أنث عنى به السقاية.الصَّبُوبُ: مؤنثة وهي مثل الحدور. تصغيرُ كل اسم مؤنثه على ثلاثة أحرف ليست في آخره هاء للتأنيث بالهاء. تقول: يد ويدية ورجل ورجيلة وهند وهنيدة وأذن وأذينة ونار ونويرة إلا أحرفاً جئن على غير القياس وهن قوس وقويس وناب ونييب وحرب وحريب ونخل ونخيل ونحل ونحيل لئلا يشبه تصغيره تصغير حربة ونخلة ونحلة وإنما أدخلوا الهاء في تصغير هذا الوزن لأنها فيه أصلية، والدليل على ذلك ثبوتها في جمعه. وكلما جاء وزن من المؤنث على أكثر من ثلاثة أحرف فتصغيره بغير الهاء كما أن جمعه بغير الهاء؛ كقولك عناق وعنيِّقٌ وأعنق وزبيب وزُبَيِّب وزبابيبٌ، وعقرب وعقارب إلا ما كان في واحدته الهاء مثل سفرجلة فإنه لكثرة حروفه .......

الصَّعودُ: مؤنثة مثل الحدور. يقال وقعوا في صعود صعبة وصعداء صعبة. الصَّقرُ الصائد: ذكر، وأنثاه صقرة وجمعه أصقر وصقور وصقورة. والصقر يقع على كل صائد من البزاة والشواهين. والصَّلِيفُ: أحد صليفي العنق وهما صفحتاه؛ يذكر ويؤنث.

باب الضاد: الضِّلعُ: أنثى تصغيرها ضُليعة، وجمعها الأقل ثلاث أضلع وأضلاع، والكثرة الضلوع والأضالع. الضَّأنُ: أنثى. الضَّرَبُ: العسل مؤنثة. الضُّحى: إذا ضمت وقصرت مؤنثة، يصغر ضحيا بإسقاط الهاء لئلا يشبه تصغير ضحوة. وإذا فتحت مدت وذكرت وقيل: ارتفع الضحاء.

الضَّبُعُ: أنثى. وذكرها ذيخ وضبعان بكسر الضاد، هذا اختيار الفراء. وقيل: إن الضبع يقع على الذكر والأنثى. وقد يقال للأنثى ضبعة أيضاً بالفتح للضاد وإسكان الباء، وذيخة كذلك، وليس ذلك مختاراً.

باب الطاء: الطَّاسُ: مؤنثة. الطِّباعُ: مؤنثة وربما ذكرت. الطَّسَّةُ: مؤنثة، وهي لغة العرب وبها أكثر كلامها ويقال أيضاً: طسٌّ بإسقاط التاء وجمعها طساس مثل سلة وسلال. وبعض أهل اليمن يقولون: طست بالتاء كما يقوله في لص لصت، وجمعها طسات وهي أضعف اللغات.

باب الظاء :الظَّهْرُ: مذكر. والظُّفرُ: كذلك.

باب العين:

العَقِبُ: أنثى وتصغيرها عقيبة.العَضُدُ: أنثى، وتصغيرها عضيدة، وجمعها أعضاد.

العاتِقُ: موضع الرداء، يذكر ويرنث. العِلْباءُ: العَصَبَةُ الممتدة في العنق، مذكر ممدود. وقد يؤنث إذا ذهبوا به إلى العصبة. العَجُزُ: يذكر ويؤنث، وتأنيثه أكثر؛ وهي العجيزة.العُرُسُ: مؤنث، تصغيرها عريسة. العَسَل: مؤنث. العُقابُ: أنثى. العَنَاقُ: ولد المعز مؤنث، تصغيرها عُنَيِّقٌ بغير هاء.

العَوَّى: نجم، مؤنث مقصور.العِيرُ: مؤنثة ولا يقال لها عير إلا إذا كان عليها متاع، كما يقال لها إذا حملت الطيب اللطيمة، وإذا حملت الذهب العسجدية. العَينُ: مؤنثة، تصغيرها عيينة بضم العين، وقد تكسر العين فيقال عيينة؛ أي شيء عنيت بها من عين الإنسان أو عين الميزان أو عين النظراء أو غيرها. وجمعها الأقل ثلاث أعين والكثيرة العيون.

باب الغين:غَيْرُ: حرف يكنى به عن ذكر وأنثى وواحد وجمع. لك فيه أن تقول غير إخوانك جاءني؛ وأنت تعني جماعة على اللفظ، فإذا كنيت عن مؤنث فلك أن تذكر على اللفظ فتوحد، ولك أن تؤنث على المعنى فتثنى حينئذ وتجمع. وكذلك سِوَى وخلا وما أشبههما.الغَنمُ: مؤنثة، وتصغيرها غنيمة وجمعها أغنام. الغُولُ: مؤنثة، وهي ساحرة الجن.

باب الفاء: الفأس: مؤنثة، تصغيرها فؤيسةٌ، وجمعها ثلاث أفؤس.

الفِتْرُ: مذكر. الفحثُ: أنثى، تصغيرها فحيثة وهي معلقة لكل ذي كرش ذات أطباق كثيرة يجتمع فيهما الفرث وهو الزبل. الفَخِذُ:من الإنسان والحيوان والقبائل: أنثى.

الفَرجُ وجميع أسمائه من الذكر والأنثى: مذكر.الفِرْدَوْسُ: مذكر لا غير. فإن رأيته مؤنثاُ فإنما يقصد به الجنة. الفَرَسُ: اسم للذكر والأنثى، تصغيره فريس. الفرسن: فرسن البقرة والجزور أنثى، وتصغيرها فريسن بغير الهاء؛ وهي من البعير والبقرة بمنزلة الكف من الإنسان والعظام التي فيها يقال لها السلاميات. الفُلْكُ: وهي السفينة يذكر ويؤنث ويكون واحداً وجمعاً. الفِهْرُ: وهو الحجر الصغير أنثى، وتصغيرها فهيرة.

باب القاف: القِتبُ: من الأمعاء أنثى، تصغيرها قتيبة. قُدَّامُ: مؤنثة، تصغيرها قديديمة، يقال: مر فلان قديديمك أي قدامك بشيء يسير. القِدْرُ: أنثى تصغيرها قديرة. وزعم الفراء أن بعض قيس يذكرها. وهو فغاً لا يعمل عليه. القَدُومُ: مؤنثة، وجمعهما قُدُم.

القَدَم: مؤنثة، تصغيرها قديمة. القفا: ظهر الوجه، يذكر ويؤنث والتذكير أكثر، هكذا حكى الفراء. وقال الأصمعي ما سمعت أحداً يذكّرها. القّوسُ: أنثى، وتصغيرها قويس بإسقاط الهاء.

القَلْتُ: أنثى، تصغيرها قليتة، وهي حفرة في الصفا تمسك الماء، والجمع القلات. القَليب: اسم من أسماء البئر مذكر، وجمعه ثلاثة أقلبة، والكثير القُلُبُ. القَميص: مذكر.

باب الكاف:الكأسُ: مؤنثة، وتصغيرها كؤيسة، وجمعها ثلاث أكؤس والكثيرة الكؤوس والكئاس.

والكبد: أنثى تصغيرها كبيدة، وجمعها ثلاث أكباد والكثيرة الكبود وكذلك كبود السماء.الكتف: مؤنثة تصغيرها كتيفة.الكُراعُ: يذكر ويؤنث، والتأنيث أكثر، وجمعه أكرع، وأكراع، وبعضهم يقول: كرعان للجميع، وهي كراع طيبة أكثر من طيب.الكَرِشُ: مؤنثة تصغيرها كريشة، وجمعها ثلاث أكراش والكثيرة الكروش.الكفُّ: مؤنثة، تصغيرها كفيفة، وجمعها ثلاث أكفٍّ والكثيرة الكفوف.

الكَلِمُ: جمع كلمة مذكر على القياس في تذكيره. كل جمع لم يغير عن بنية واحده مثل هذه سدرة وهذا سدر بإسكان الدال فيهما جميعاً، فإذا قلت ثلاث سدر بفتح الدال أنثت، هذا اختيار كثير من النحويين والفراء يقول: إن ما كانت في واحده الهاء فسقطت فلك أن تذكره وتؤنثه. وقد شرحنا قوله ذلك في  الكؤوود: مؤنثة، تقول: وقعوا في كؤود صعبة. فإذا جعلتها نعتاً أدخلت فيها الهاء فقلت: عقبة كؤودة أي صعبة المرتقى، ومنه فلان يتكأدني أي يتعسفني.

باب اللام: اللَّبُوس: إذا كان اسماً للباس والسلاح فهو مذكر لا غير. فإن عنيت به درع الحديد خاصة أنثت، فإذا قلت اللباس فليس إلا التذكير.

اللِّسان: يذكر، ولا يجوز تأنيثه إذا أردت به العضو. فإن أردت به اللغة أو الرسالة أو القصيدة أنثت فقلت: هذه لسان العرب أي لغتهم، وأتتني لسان فلان أي رسالته. وخرج الغزاة يطلبون لساناً للعدو أي من يعطيهم خبره. اللَّيتُ: مجرى القرط في العنق مذكر، فإن رأيته مؤنثاً فإنما ذهب به إلى العنق، وتأنيثه منكر.

باب الميم: المَأْقُ: والمُؤق: مذكران.المتْنْ: مذكر، وربما أنث، وقد تدخل فيه الهاء تأكيداً للتأنيث فيقال متنة. مِثْلُ: حرف يقع على المذكر والمؤنث، وقد يوجه في الجميع على اللفظ فيقول: نحن مثلهم، ويجمع في الواحد على المعنى فيقال: أمثال فلان قليل، وكذلك في المؤنث مثلهن قليل، وأمثال هند قليل. ولك أن تقول قليلون وقليلات أيضاً، ومثلهن فعل كذا وفعلن كذا، ومثلهم قال كذا وقالوا كذا.المحْجِر: أحد محاج العين ذكر. المِسْكُ: مذكر. وقد يعنى به الريح فيؤنث. المَعْزُ: من الغنم بتحريك العين مؤنث، وقد تسكن العين، ويقال لها أيضاً معزى واحدتها ماعزة والجمع مواعزٌ ومعيز ومعز وربما أنث. المِعَي: واحد الأمعاء مذكر، وربما أنث في الشعر وهو شاذ غير مختار ولا مقبول عند الفصحاء. الممِطْرُ: مذكر وربما أنثوا إذا عنوا به الدراعة. مَنْ: المفتوحة تقع على الذكر والأنثى، فإذا عنيت مذكراً أو مبهماً ذكرت فقلت: فيهم من يقول، وإن عنيت مؤنثاً فلك أن تذكر وتوجد على اللفظ فتقول: فيهم من قال، ولك أن تؤنث على المعنى وتثني وتجمع حسب من يكنى عنه، فتقول: فيهن من قالت ومن قالتا ومن قلن، وكذلك في المذكر: فيهم من يقولون.

وكذلك مثل ومن المكسورتان تقول: مثلهم ومنهم من يقول ويقولان ويقولون ومن النساء من يقول بياء معجمة من تحت على اللفظ ومن تقول بتاء معجمة من فوق ويقلن على المعنى. المنجنيق: مؤنثة.المَنْخِر: ذكر. المنُونُ: مؤنثة، وهي الموت، وقد يكون واحداً وجمعاً.

المنجَنون: مؤنثة، وهي الدالية وقد تسمى منجنين.المِلحُ: مؤنثة، تصغيرها مُلَيْحَة.

موسى الحجَّام: مؤنثة تجرى ولا تجرى، وجمعها المواسي، ومن أجراها صغَّرها مويسة، ومن لم يُجْرها قال مويسى مثل حبيلى تصغير حبلى.

باب النون: النَّاب: من الإنسان مذكر. والناب: الناقة المسنة مؤنثة وتصغيرها نِيَيْبٌ بكسر النون وإسقاط الهاء لأنها اسم للمؤنث خاصة لا تقع على المذكر إذ كان ذكرها جملا.النَّار: أنثى تصغيرها نُوَيرة وجمعهما أنؤر ونيران ونورتها تبصرتها من بعد، وكذلك جميع أسماء النار مثل سقر ولظى وجهنم وغيرها مؤنثات خلا الجحيم فإنه مذكر. وكذلك سقط النار إن عنوا به النار أنثوه، وإلا فالسقط مذكر لا غير. النَّبلُ: مؤنثة، لا واحد لها من لفظها، وربما قالوا في جمعها نِبال. النِّجَار: مذكر، ومعناه الطِّباعُ.النَّحلُ: مؤنثة، تصغيرها نحيل بإسقاط الهاء لئلا يشبه تصغير نحلة فلا يفرق بين الواحد والجمع. نحن والنون في ضربنا وضربني ونضرب يستوي فيه الذكر والأنثى.

النَّخْلُ: يذكر ويؤنث، وتصغيره نخيل لئلا يشبه تصغير نخلة. النَّسَمَةُ: مؤنثة، وإن وقعت على مذكر، تقول: أعتقت نسمة وأنت تريد عبداً أو أمة.  النَّعل: مؤنثة، تصغيرها نعيلة.

النَّعَمُ: مذكر، وجمعه أنعام مؤنثة وهي الوحش والماشية. النَّفسُ: التي في المتنفس: مؤنثة، تصغيرها نفيسة، وجمعها الأقل أنفس والكثيرة النفوس. فإن رأيتها مذكرة أو سمعت من يقول: جاءني ثلاثة أنفس، فإنما يريد ثلاثة أشخاص أو ثلاثة نفر لا الأنفس التي فيها.

النَّوى: النية أنثى، وكثر استعمالها في نية البعد حتى صار البعد سمي نوى، يقال: نأى نوى غربة. والدليل على أنها كل ما نوى قول الشاعر:

فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عيناً بالإياب المسافر

فإنه لم يرد استقر بها الهجر والبعد بل الدعة والقرب. ونوى التمر مذكر: وقد يؤنث على رأي الفراء لأنه جمع سقطت منه هاء واحدته ففيه التذكير والتأنيث. ولكن المستعمل في نوى التمر وكل ماله نوى التذكير. النُّور من الأنوار التي هي خلاف الظلمة: مذكر، وتصغيره نوير.

باب الهاء: الهبوط: مؤنثة. تقول: وقعوا في هبوط صعبة بفتح الهاء.

الهُدى: يذكره جميع العرب إلا بني أسد فإنهم يؤنثونه ويقولون هذه هُدى حسنة.

باب الواو:واسِطُ: مذكر مثل دابق، فإن أنثه أحد فإنما يذهب به إلى المدينة. والفراء لا يجيز تأنيثه.

الوَحْشُ: أنثى.وراء: مؤنثة، تصغيرها وُرَيِّئَةٌ، تقول هو وريئة الشجرة أي خلفها قليلاً.

الوَرِكُ: أنثى، تصغيرها وريكة.

باب الياء: اليافوخُ: مذكر، والجمع يآفيخ. اليَدُ: مؤنثة، تصغيرها يُدَيَّةٌ، لأي شيء كانت من يد الإنسان ويد النعمة ويد القميص، ويجمع ثلاث أيد، وتجمع الأيدي أيادي مثل أكرع وأكارع.

اليَمينُ من الإنسان: مؤنثة، تصغيرها يمينة، وجمعها أيمن وأيمان. وكذلك اليمين التي يحلف بها جمعها المشهور أيمان. اليُمنى: مؤنثة، أيَّ يمنى عينت من يمنى اليد أو الميمونة من اليمن.

اليسار: بفتح الياء، اليد اليسرى مؤنثة. اليسرى: مؤنثة، أي شيء عنيت بها من يسار اليد، والمتيسر من اليسر.

..................................................................................

اللّغة في حياتنا

آفة اللغة هذا النحو..!

علي الطنطاوي

سألني سائل من أساتذة العربية: ما هي الطريقة المُثلى لتعليم التلاميذ النحو؟ لا أريد أن تضع لي منهجاً خيالياً يحلّق في جو السماء حتى ليدهشك تحليقه، ولكن أريد طريقاً واضحاً يسهل تطبيقه ويمكن تحقيقه. قلت للسائل: إذا رأيت وأنت في مكة رجلاً ضالاً يسألك عن الطريق، أما كنت تدلّه؟ قال: بلى. قلت: كيف تدله ،وأنت لا تعرف مقصده؟ إن عليك أن تسأله أولاً عن غايته، فإن كان يقصد الحرم دللته على طريق الحرم، وإن كان يريد الطائف أو جدّة أرشدته إلى طريق جدة أو الطائف. فما الغاية من تدريس النحو؟ أليست إقامة اللسان ،وتجنب اللحن في الكلام، فإن قرأ أو خطب أو حاضر لم يرفع منخفضاً ،ولم يكسر منتصباً؟ قال: بلى.

قلت: فما الذي يضرّه إذا نصب المنصوب أن يحسبه «تمييزاً» وهو «حال»، ما دام قد صحح المقال؟ نعم، إن ذلك يقدح في علمه ،ويُنقص من مقداره عند أقرانه، ولكنه لا يَحيد به عن غايته. فالمطلوب إذن تكوين المَلَكة الصحيحة لا حفظ القواعد المجرَّدة. وهل كان العربي الأول الذي أُخِذت اللغة عنه يدري ما الحال وما التمييز، أو كان يعرف هذه الأسماء التي سمّيتموها أنتم ومشايخكم؟

في كتاب «الصاحبي» لابن فارس أن عربياً سُئل: أتجرّ فلسطين؟ فعجب وقال: "إني إذن لقوي"! ما فهم من كلمة الجرّ إلا السحب. وأنه قيل لآخر: أتهمز إسرائيل؟ قال: "ما كنت رجل سَوء"، لم يفهم من الهمز إلا شيئاً بمعنى الوكز واللكز.و «الصاحبي» هو من أوائل ما قرأت من الكتب، ألفه أحمد ابن فارس ،وسمّاه كذلك تقرّباً إلى الوزير الصاحب بن عباد، وكان واحداً من اثنين هما من عباقرة علماء اللغة، وكانا في عصر واحد، أحمد بن فارس هذا ،وابن جِنّي.

ما قلت أنا ولا قال الزيّات: «آفة اللغة النحو» بل: «هذا» النحو؛ فالنحو هو خلاصة علوم العربية، وقد كان أكثر ما يعتنون به من علومها ونحن صغار، كما كانت العناية بالفقه من بين علوم الشريعة؛ لأن النحو هو الذي يستقيم به اللسان ،ويُجتنَب به اللحن في الكلام، والفقه هو الذي يُعرَف به الحلال من الحرام. وكما كان الدين سهلاً قريباً، يجيء الأعرابي من باديته فيقعد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أو بعض يوم فيعرف منه ما يكفي لصحة إسلامه، ثم يرجع إلى قومه داعياً إليه ومعلّماً، لأن الدين كان يؤخَذ من منابعه وكان مقترناً بالحياة ممتزجاً بها يبيّن حكم كل عمل من أعمالها؛ كذلك كان تعلم العربية، كان سهلاً ؛لأنه يعتمد على إحياء المَلَكة ،وأخذ الطالب بحفظ الفصيح، فيتعلم العربية كما يتعلم الطفل الكلام. فلا النحو ينفصل عن شواهده وفهمها وإدراك بلاغتها، ولا الفقه يبتعد عن أدلته وفقهها والعمل بها. ولقد كان هذا ممكناً لو كانت لغتنا، التي نديرها على ألسنتنا ونستعملها في مطالب حياتنا وفي تفاهمنا فيما بيننا، هي اللغة الفصيحة. ولم أقل «الفصحى» لأن الفُصحى مؤنث الأفصح، وأفصح لغات العرب هي التي نزل بها القرآن، وإطلاق لفظ الفصحى على كل كلام صحيح فصيح فيه من الغلوّ والمبالغة الكثير. وقد قلت الصحيح الفصيح، إذ ما كل صحيح يكون فصيحاً، ففي العربية مثلاً فعل «حَبَّ» الثلاثي، وهو بمعنى «أحبّ» الرباعي، فاسم الفاعل منه حابٌّ بمعنى مُحِبّ، ولكن كلمة «حابّ» متروكة مرذولة ، وكلمة «مُحِبّ» مسلوكة مقبولة. أما اسم المفعول فلا يأتي إلا من الثلاثي. هل سمعتم شاعراً مطبوعاً بدلاً من أن يقول: أنا المحب وأنت المحبوب، يقول: أنا الحابّ وأنت المُحَبّ؟ لذلك كان من شروط فصاحة الكلمة أن تكون خالية من الغرابة، وأن تكون واضحة المعنى سائرة على ألسنة البلغاء. أمّا الذين يغوصون في أعماق القاموس المحيط ليستخرجوا منه الكلمات العَويصة التي لا يعرف معناها إلا أئمة اللغة فليسوا في شيء من الفصاحة ،ولا يُعَدّون من أهلها؛ إنما الفصاحة والبيان فيما يدعونه: «السهل الممتنع»، الذي وصفه ابن المقفَّع بأنه الذي إذا سمعه الجاهل ظن لسهولته أنه يحسن مثله، فإن جرّبه امتنع عليه ولم يصل إليه. هذا كلام الله، وهو أبلغ الكلام، هل فيه الغموض المقصود، أو لفظ يصعب فهمه على العربي الذي نزل القرآن بلسانه؟ أم هو الآية في الوضوح والبيان؟ وهل تكرر ورود كلمة في القرآن كما تكرر لفظ «المُبين»؟ والمبين اسم فاعل من أبان يُبين، والجاحظ سمّى كتابه «البيان والتبيين» ما سمّاه "الغموض والتغميض"!

ولقد أمسى أبو علقمة النحوي أضحوكة التاريخ لمّا قال وقد ازدحم عليه الصبيان: ما لكم تَكَاكَاتم عليّ كَتَكَاكُئكم على ذي جِنّة؟ افرنقعوا عني! (١) وأكثر ما يصنع هذا في عصرنا ناس من الأعاجم، تعلموا العربية تعلماً ،وما هي في طبعهم ولا هي على ألسنتهم، فستروا بهذا الإغراب جهلَهم.

قلت في مقالة «الرسالة»: لقد أصبح النحو علماً عقيماً، يدرسه الرجل ويشتغل به سنين طِوالاً، ثم لا يخرج منه إلى شيء من إقامة اللسان والفهم عن العرب. وإني لأعرف من شيوخنا من قرؤوه وأقرؤوه دهراً، ووقفوا على مذاهبه وعلى أقواله وعرفوا غوامضه وخفاياه، وأوّلوا فيه وعلّلوا وناظروا فيه وجادلوا، وذهبوا في التأويل والتعليل كل مذهب، ثم لا يكاد أحدهم يقيم لسانه في صفحة يقرؤها، أو خطبة يلقيها، أو قصيدة يرويها!

ولم يقتصر هذا العجز على طائفة من الشيوخ المعاصرين ومن قبلهم من العلماء المتأخرين، بل لقد وقع فيه ناس من جلّة النحويين وأئمتهم منذ العهد الأول! روى السيوطي في «بُغية الوُعاة» أن رجلاً قال لابن خالَوَيه (وهو النحوي الإمام الذي اختص بسيف الدولة، وسكن حلب وانتشر فيها علمه وروايته، وله مع المتنبي أخبار ومناظرات)، قال له رجل: أريد أن تعلّمني من النحو والعربية ما أقيم به لساني، فقال له ابن خالويه: أنا منذ خمسين سنة أتعلم النحو، ما تعلمت ما أقيم به لساني!

فأي فائدة من النحو إذا كانت قراءته خمسين سنة لا تعلّم صاحبها كيف يقيم لسانه؟

(إلى أن قلت): وسبب هذا التعقيد -فيما أحسب- أن النحاة اتخذوا النحو وسيلة إلى الغنى وطريقاً إلى المال، وابتغوه تجارة وعرَضاً من أعراض الدنيا، فعقّدوه هذا التعقيد وهوّلوا أمره حتى يعجز الناس عن فهمه إلا بهم، فيأتوهم فيسألوهم، فيعطوهم، فيغتنوا. وروى الجاحظ في كتاب «الحيوان» أنه قال للأخفش: ما لك تكتب الكتاب فتبدؤه عذباً سائغاً، ثم تجعله صعباً غامضاً، ثم تعود به كما بدأت؟ قال: ذلك لأن الناس إذا فهموا الواضح فسرّهم أتوني ففسّرت لهم الغامض، فأخذت منهم!

(إلى أن قلت): وزاد النحوَ تعقيداً وإبهاماً وبعداً عن الغاية التي وُضع من أجلها ما صنعه الرمّاني، المفسر العالم صاحب الدين والفصاحة والصلاح، من مزج النحو بالمنطق وحشوه به، حتى ما يقدر مَن بعدَه على تجريده منه، حتى قال أبو علي الفارسي (وكان معاصراً له): إن كان النحو ما يقول الرماني فليس معنا منه شيء، وإن كان ما نقوله نحن فليس معه منه شيء!

لقد كان النحو وسيلة لإقامة اللسان، فجعلوه غاية وعقّدوه وطوّلوا طريقه وصعّبوه على سالكه! ولقد كنت أدرّس النحو، وكنت مطّلعاً على كتبه الجديدة عارفاً بمناهج مؤلفيها وبكل الذي هو فيها، فإذا أردت الأمثلة على ما أقول انسالت عليّ، فتركت تدريس النحو من نحو أربعين سنة وقطعت صلتي بتلك الكتب ولم أعد أدري: أجَدَّ فيها جديد أم لا نزال في «شذور الذهب» و «شرح ابن عقيل» ولا يزال جديدنا «قواعد اللغة العربية» لحفني ناصف وإخوانه ، وكتاب الشيخ مصطفى الغلاييني؟ أقول هذا ليكون عذراً لي لديكم إن ضربت الأمثلة مما كان على أيامي ولم أعرف بالتفصيل ما هو كائن في هذه الأيام. مما كان يغيظني ويثقل عليّ هذه التعاريف التي لا أجد حاجة إليها، وكان يَؤودُني ويُعجزني أن أُفهم الصغار أن الاسم هو ما دل على معنى مستقل في الذهن وليس الزمن جزءاً منه. إنهم يعرفون الاسم من غير أن ألزمهم حفظ هذا التعريف. فإن قلت للتلميذ: ما اسمك؟ قال: حسن، أو صالح. وإن سألته: ما اسم المكان الذي تجتمعون فيه وتدرسون في غرفه؟ قال: المدرسة. وما اسم الحيوان الذي يُربَط بالعربة فيجرّها؟ قال: الحصان ... فهم يعرفون ما هو الاسم، فلماذا أعرّفه ما هو عارف به؟

ولما كنت أنا تلميذاً كان من أصعب الأشياء عليّ أن يقول لي المدرس: كيف تصوغ المضارع من الماضي؟ أنا أصوغه ولكن لا أعرف كيف، كما أنني أمشي ولكن أعجز عن أن أشرح للناس كيف أمشي. هل أقول لهم إني أعتمد على قدم واحدة وأنقل الثانية خطوة إلى الأمام، ثم أعود فأعتمد على الثانية وأنقل الأولى حتى أجعلها أمامها؟ ما لي ولهذا الكلام؟ أنا أمشي والسلام! وكنت أعجب من هؤلاء النحويين، لماذا لا يعلّمون التلاميذ أنها إذا جاءت قبل الفعل المضارع فاء السببية، أو واو المعية، أو لام الجحود، نصبته بعد أن كان مرفوعاً؟ لماذا يكون العامل على نصبه (أنْ) مُستَتِرةً وجوباً، لم تظهر أبداً ولم يرها أحد قط؟ هل في الألفاظ جِن يَرَون ولكن لا يراهم أحد؟ وما نفع هذه الحكاية التي لا أصل لها؟ وإذا كان كل المقصود أن ننطق بالفعل المضارع منصوباً إن سبقته هذه الأدوات، سواء أكانت هي بذاتها الناصبة أم كان الناصب «أنْ» هذه التي لم يبصرها أحد، ما الفرق؟ ولماذا نتعب أنفسنا بالاشتغال بهذا العبث؟ هل هو تحقيق في قضية نصب لئلا تُقيَّد الجريمة ضد مجهول؟ ومسألة أعجب: هل توضع القواعد النحوية وفق ما نطقت به العرب، نستمدها منه ونعتمد فيها عليه، أم أن القاعدة تصير حجة على أصحاب اللغة؟ فمن أين جئتم بهذه القاعدة، وهي أن كلمة «إذا» لا تدخل على الاسم، وأنها لا تدخل إلا على فعل؟ فإذا قرأنا قوله تعالى: {إذا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وقوله: {إذا السَّمَاءُ انْفَطَرتْ} وقرأنا قول طرفة: «إذا القومُ قالوا مَن فَتَىً خِلتُ أنني ...» وأبياتاً مثلها لا يبلغ العد حصرها، قلنا: إن السماء فاعل لفعل محذوف يفسّره المذكور، وتقديره: إذا انشقت السماء انشقت. ما هذا الهذيان؟ وهل سمعتم عربياً عاقلاً يقول هذا الكلام؟ ولماذا لا نعلم التلاميذ أن «السماء» في قوله تعالى: {إذا السّمَاءُ انْشَقَّت} مبتدأ مثل كل اسم مرفوع يبدأ به الكلام؟

إن غاية النحو إقامة اللسان والبعد عن اللحن، فإذا قال قائل: «أعطِني حقّي» فقد نطق بالصواب، فإذا زاد فعرف أن" حقي" مفعول به فقد زاد على المطلوب، فإن لم يعرف علامة النصب والمانع من ظهورها لم يضرّه في هذه المرحلة شيئاً. وكنت وأنا أعلم الصغار أستعين بشيء من طريقة تعليم النحو الفرنسي، فأقول له: تطلب ماذا؟ فيقول: حقّي. فأُفهمه أن «حقي» هي مفعول به. وإذا قيل «جاء زيد» أسأله: مَن الذي جاء؟ فيقول: زيد. فأُفهمه أنه الفاعل.

وأنا إنما أريد تسهيل تعلم النحو وتعليمه، لا أريد أن أكون عوناً لأعداء العربية الذين يعملون على حرب الإسلام بحجّة تيسير قواعد اللغة العربية. إنهم يعرفون مكان العربية من القرآن، وفي إضعافها -كما يظنون- إضعاف للدين، وإفساد شعرها (الذي يُعتمَد عليه في تفسير آيات القرآن) باب من أبواب حرب الإسلام؛ فهم لا يعملون ابتغاء التجديد وحده، بل يريدون حرب الإسلام من كل طريق يستطيعون أن يسلكوه وأن يصلوا به إلى ما يريدون. والذي أقترحه هو أن نفرّق بين اثنين: القراءة الصحيحة وفهم النص فهماً إجمالياً، وفقه النص وفهمه فهماً دقيقاً. نكتفي بالأول من التلميذ المبتدئ، فحسبُه أن يقرأ بلا خطأ وأن يُلِمّ بالمعنى إلماماً. ومعرفة المعنى الإجمالي يعين على الإعراب، والتدقيق في الإعراب يساعد على فقه النص. أضرب أمثلة مما يخطر على بالي الآن، ولو حصرت ذهني واتسع وقتي لجئت بأكثر منها. قوله تعالى: {لَقَدْ رَأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرى}، معناه

الإجمالي ظاهر، والإعراب يوضّح المعنى التفصيلي؛ فإذا كانت كلمة «الكبرى» مفعولاً به للفعل «رأى» يكون المعراج هو أكبر المعجزات الظاهرة بعد القرآن (لأن فيه خَرْقاً لقانون عام من قوانين الوجود التي سَنّها موجِدُه)، وإن كانت صفة لكلمة «آيات» كان المعنى أنه رأى واحدة من الآيات الكبرى. وفي القرآن آيات لا يكاد يُفهَم المراد منها إلا بشيء من الإعراب، كقوله تعالى: {وَرَهْبَانِيّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إلاّ ابْتِغَاءَ رِضْوانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِها}، ويكون المعنى أنهم ابتدعوها ابتغاء مرضاة الله، ما كتبها الله عليهم، ثم ما رعوها حق رعايتها. وآيات إذا اختلّ إعرابها نقلَت قارئها من الإيمان إلى الكفر، كقوله تعالى: {إنّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلمَاءُ} (١).

والموضوع كما قلت موضوع واسع، والكلام فيه طويل، ويستحق أن تخصص له وزارات التعليم (أو إحدى الهيئات التي تُعنى باللغة وبالأدب) ندوة تحشد فيها بعضاً من كبار الأدباء وعلماء العربية، الذين مارسوا التدريس وعرفوا مشكلاته، ليبحثوا عن دواء لهذا الداء.....

* *********************

أمامي الآن عدد من مجلة الرسالة صدر يوم ٢ شوال سنة ١٣٥٣هـ، في السنة التي قدمت فيها مكة أول مرة من خمس وخمسين سنة، فيه مقالة لي عنوانها «آفة اللغة هذا النحو». وليس هذا العنوان لي، ولكني استعرته من مقالة للأستاذ الزيات كان نشرها في الرسالة قبل هذا التاريخ.

 (١) الفاعل في الآية متأخّر (العلماءُ) وحركته الضمة لأنه مرفوع، ولفظ الجلالة في موقع مفعول به متقدم وعلامة إعرابه الفتحة لأنه منصوب. ولو أن قارئاً حرّك هاء لفظ الجلالة بالضمّ وفَتَح آخر «العلماء» لصار المعنى أن الله يخشى العلماءَ من عباده، تعالى الله علوّاً كبيراً. وهذا الانحراف الفظيع في المعنى جاء كله من استبدال ضمة بفتحة وفتحة بضمة، فانظر إلى خطورة الإعراب في تغيير المعاني، ثم استمع إلى محدّثي البرامج وخطباء المنابر، عامتهم إلا القليل منهم، يتوجَّعْ قلبُك وتأسَ على لغة استباحها كل واحد بغير حساب. حتى الذين يَدْعُون إلى الإسلام، والعربيةُ لغة القرآن كتابِ الإسلام، ضاعت العربية بين أيديهم وعلى ألسنتهم، فعليها السلام!  

قضايا أدبيّة ودراسات نقدية

 وقفة مع أبيات من قصيدة (لوكنت من مازن...!):

:قال شاعرهم:

قومٌ إذا الشرُّ أبدى ناجِذَيه لهم     طاروا إليه زَرافاتٍ ووُحدانا

لا يسألون أخاهم حينَ يندُبُهم   في النائبات على ما قال برهانا

هذان البيتان هما من القصيدة الأولى في (الحماسة) لأبي تمّام، وهي في باب الحماسة.الشاعر هو قُرَيط بن أُنَـيف من بني العنبر من تميم. البيتان من قصيدة مطلعها:

لو كنتُ من مازنٍ لم تستبِحْ إبِلي     بنو اللقيطة من ذُهْلِ بنِ شَيبان

مناسبة القصيدة:أغار بنو شَيبان على الشاعر، وهو من بَـلْعنبر (بني العنبر) من تميم، فأخذوا منه ثلاثين بعيرًا، فاستنجد بقومه فلم ينجدوه، فأتى بني مازن، فنصروه، ويقال: إنهم أعادوا له مائة بنو مازن -في نظر الشاعر- هم أهل للمديح، فهو يفاخر به؛، لأنهم ينجدون المستغيث، أو يجيرون المستجير قبل أن يقدّم أية علّة، فهم لا يسألون عن سبب، ولا يتعللون كما يتعلل الجبان. الشاعر هنا يبالغ في إظهار نخوتهم، فهم يتسارعون (طاروا إليه- بمعنى أسرعوا إلى دفع الشر)، فهم لا يتثاقلون عندما يتوجهون إلى القتال مجتمعين ومتفرقين، ولا يتّكل بعضهم على بعض. المفارقة هنا أن الشاعر يسخر من قومه المتخاذل عن نجدته:

لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد     ليسوا من الشر في شيءٍ وإن هانا

يَجزُون من ظلم أهل الظلم مغفرةً       ومن إساءةِ أهل السوء إحسانا

فقومه وإن كان عددهم كثير، ولهم عُدّة ليسوا من الشر في شيء- وإن كان فيه خفّة وقلّة، وهنا مطابقة أو مقابلة، حيث قابل الشرط بالشرط في الصدر والعجز، والعدد والكثرة من قِبلهم بالهون والخفة في الشر. إنهم يؤثرون السلامة ما أمكن، ولو أرادوا الانتقام لقدَروا بعددهم. أمّا البيت التالي (يجزون ....) فيرى البغدادي أن هذا من (إخراج الذم مُخرج المدح). يسخر الشاعر من احتمالهم المكروه بدعوى احتساب الأجر، وكأن الله لم يخلق غيرهم ليخافوه:

كأن ربك لم يخلق لخشيته      سواهم في جميع الناس إنسانا

إذاً فالشاعر يرى أن ليس الأمر خشية ،وورعًا، بل هو الذل والعجز. هناك من روى البيت الأول:

لو كنت من مازن لم تستبح إبلي     بنو الشقيقةِ من ذُهْلِ بن شيبانا

 هم بنو مازن ابن مالك بن عمرو بن تميم ، و بنو الشقيقة هم من بني ذهل بن شيبان، بينما بنو اللقيطة هم من بني فزارة.  وفي رأي البغدادي صاحب خزانة الأدب أن الشقيقة أصوب. يرى المرزوقي في شرحه لـ (الحماسة)، ص 23 رأيًا آخر، فالشاعر لا يذم قومه، ولا يهجوهم، بل هو يحفّزهم: "قصد الشاعر في هذه الأبيات إلى بعث قومه على الانتقام له من أعدائه، لا إلى ذمهم، وكيف يذمهم ووبال الذم راجع إليه؟ لكنه سلك طريقة كبشة أخت عمرو بن معديكرِب في قولها:

ودع عنك عمْرًا إن عمرًا مسالم    وهل بطن عمرو غيرُ شبرٍ لمَطعمِ؟

و قُرَيطُ بنُ أُنَيف أحد بني العنبر هو شاعر إسلامي والسبب الذي من أجله قال هذا الشعر ما حدث به أبو عبيدة قال أغار ناس من بني شيبان على رجل من بني العنبر يقال له قريظ بن أنيف فأخذوا له ثلاثين بعيرا فاستنجد قومه فلم ينجدوه فأتى مازن تميم فركب معه نفر فأطردوا لبني شيبان مائة بعير فدفعوها إليه فقال هذه الأبيات ومازن هنا هو ابن مالك بن عمرو بن تميم أخي العنبر بن عمرو بن تميم هذا ،وقصد الشاعر بهذه الأبيات أن يحمل قومه على الانتقام له .....

1 - ( لَوْ كُنْتِ مِنْ مَازِنٍ لَمْ تَسْتَبحْ إِبِلِي ... بَنُو اللَّقِيطَةِ مِنْ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانا )

2 - ( إذًا لَقامَ بِنَصْرِي مَعْشَرٌ خُشُنٌ ... عِنْدَ الْحَفِيظَةِ إِنْ ذُو لُوثَةٍ لاَنا )

3 - ( قَوْمٌ إذا الشَّرُّ أبْدَى نَاجِذَيْهِ لَهُمْ ... طَارُوا إلَيْهِ زَرَافاتٍ وَوُحْدَانا )

4 - ( لاَ يَسْأَلُونَ أخَاهُمْ حِينَ يَنْدُبُهُمْ ... فِي النَّائِبَاتِ عَلى ما قالَ بُرْهانَا )

5 - ( لَكِنَّ قَوْمِي وَإنْ كانُوا ذَوِي عَدَدٍ ... لَيْسُوا مِنَ الشَّرِ فِي شَيءٍ وَإنْ هانَا )

6 - ( يَجْزُونَ مِنْ ظلَمْ أهْلِ الظُّلْمِ مَغْفِرَةً ... وَمنْ إسَاءَ أهْلِ السُّوءِ إِحْسَانَا )

7 - ( كأَنَّ رَبَكَ لَمْ يَخْلُقْ لِخَشْيَتِهِ ... سِوَاهُمُ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ إِنْسَانا )

8 - ( فَلَيْتَ لِي بِهِمِ قَوْمًا إذَا رَكِبُوا ... شَدُّوا الإِغَارَةَ فُرْسَانًا وَرُكْبانَا )

أعدائه ولم يقصد إلى ذمهم وكيف يذمهم وعار الذم راجع إليه ولكنه سلك طريق كبشة أخت عمرو بن معد يكرب في قولها:

( ودع عنك عمرا إن عمرا مسالم ... وهل بطن عمرو غير شبر لمطعم )

فإنها لا تقصد إلى هجاء أخيها ،وهو الذي كان يعد بألف فارس ولكنها تريد تهييجه ، وتحفيزه....الاستباحة الاستئصال ،وعدم الاستبقاء وقوله بنو اللقيطة هكذا رواه شراح الحماسة قال أبو محمد الأعرابي والصواب إن شاء الله ما أنشده أبو الندى وذكر أنه لقريظ بن أنيف

( لو كنت من مازن لم تستبح إبلي ... بنو الشقيقة من ذهل بن شيبانا )

قال: والشقيقة هي بنت عباد بن يزيد بن عوف بن ذهل بن شيبان، وأمّا اللقيطة فهي أم حصن بن حذيفة من بني فزارة ولا اتصال لها بذهل بن شيبان...

2 - خشن بضمتين جمع خشن وقيل جمع أخشن الصعب الذي لا يلين

والحفيظة الغضب في الشيء الذي يجب عليك حفظه ،واللوثة الضعف يقول لو كنت من هذه القبيلة لما أغار بنو ذهل على إبلي واستأصلوها أخذا ونهبا ولو كان ذلك لقام بنصري قوم صعاب أشداء يدفعون عني ويأخذون بحقي ممن اعتدى علي ،وظلمني إذا ذو الضعف لم يدفع ضيما ولم يحمِ حقيقة.....

3 - إبداء الشر ناجذيه مثل لشدته وصعوبته

والزرافات الجماعات يصفهم بالإقدام على المكاره والإسراع إلى الشدائد لا يتواكلون، ولا يتخاذلون ولا ينتظر بعضهم بعضا بل كل يرى أنه حقت عليه الإجابة فيسرعون مجتمعين ومتفرقين

4 - يندبهم أي يدعوهم ؛يقول إذا دعاهم أحد لينصروه على أعدائه أسرعوا إلى الحرب ولا يسألون عن سببها ولا يتعللون كما يتعلل الجبان..

5 - يصف قومه بأنهم يهابون الحرب لعدم حماستهم وإن كانوا ذوي عدد كثير

6 - يقول إن قومه لم يكن فيهم حماسة حيث بلغ بهم الجبن إلى أنهم يسامحون من ظلمهم ويحسنون إلى من أساء إليهم

7 - هذا البيت وما قبله نبه بهما على أن احتمالهم المكروه إنما هو لاحتساب الأجر في زعمهم فكأن الله لم يخلق لخوفه غيرهم

8 - قوله شدوا الإغارة ويروى شنوا الإغارة أي فرقوها والفرسان الراكبون على الخيل والركبان على الإبل يتمنى الشاعر أن يكون له قوم بدل قومه إذا ركبوا لمحاربة الأعداء مزقوهم كل ممزق حال كونهم فرسانا وركبانا فهم .......يغيثون من استغاثهم ،النخوة كانت متأصّلة في نفوسهم......

 

 

 

مستشارك اللغوي(أخطاء وتصويبات)

أخطاء في صِفَاتُ النِّسَاءِ المُتَعَدِّدَةُ، وَتَصْويبُهَا:

 (امْرَأَة طَالِق) والأصحّ (امْرَأَة طَالِقَة إِلاَّ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ؛ إِذَا كَانَتِ الصِّفَةُ حَادِثَةً أَيْ: ذَات زَمَنٍ مُحَدَّدٍ؛ فَإِنَّهَا تُؤَنَّثُ فَيُقَالُ: امْرَأَةٌ حَائِضَةٌ وَطَامِثَةٌ وَحَامِلَةٌ؛ إِذَا كَانَ الحَمْلُ أَوِ الحَيْضُ حَادِثَيْنِ الآنَ، وَيَذْكُرُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} [الحج] أَنَّ المُرْضِعَةَ فِي حَالِ الإِرْضَاعِ مُلِقِّمَةً ثَدْيَهَا طِفْلَهَا؛ أَمَّا المرْضِعُ هِيَ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُرَضّعَ؛ وَإِنْ لَمْ تُبَاشِرِ الإِرْضَاعَ الآنَ أي: فِي حَالِ وَصْفِهَا بِهِ.

وَهُنَاكَ صِفَاتٌ أَصِيلَةٌ مِنْ صِفَاتِ النِّسَاءِ لاَ تَلْحَقُهَا عَلاَمَةُ التَّأْنِيثِ مِثْلُ:

حَامِل وَجَالِع (إِذَا طَرَحَتْ قِنَاعَهَا) ،مُغِيل أو مُغْيِل (تُرَضِّعُ وَلَدَهَا وَهِيَ حَامِل وَوَلَدُهَا مُغْيَل)

ومُسْقِط (أَلْقَتْ وَلَدَهَا بِغَيْرِ تَمَامٍ سِقْطًا) ،وَمُسَلَّبٌ (مَاتَ وَلَدُهَا)

وَمِذْكَار (إِذَا أَنْجَبَتْ وَلَدًا ذَكَرًا) ،مُغِيبٌ (إِذَا غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا)

مُتْمِم (تَمَّتْ أَيَّامُ حَمْلِهَا) ، طَالِق وَثَيِّب (دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا)

وَحَائِض وَمُرْضِع وَنَاهِد (إِذَا نَهدَ ثَدْيُهَا وَأَشْرَف) ،وَمُعْصِر (إِذَا اسْتَوَتْ نُهُودُهَا)

وَكَاعِب (إِذَا بَدَا ثَدْيُهَا) ،وَعَارِكَ وَدَارِس وَطَامِث وَفَارِك (مُبْغِضَةٌ زَوْجَهَا)

وَعَاقِر (لاَ تَلِد) ،عَانِس (طَالَ مُكْثُهَا فِي مَنْزِل أَبِيهَا)

قَاعِد (انقْطَعَ حَيْضُهَا أوْ لاَ تَشْتَهِي الزَّوْجَ) ،وَحَائِل (لَمْ تُلَقَّح)

وَحَيزُبُون (المرْأَةُ العَجُوزُ المسِنَّةُ) ،وَمِقْلات (لاَ يَعِيشُ لَهَا وَلَد)، قال الشاعر:  بغاث الطير أكثرها فراخا    وأم الصقر مقلات نزورُ

ولَفُوت (لَهَا وَلَدٌ مِنْ زَوْجٍ سَابِقٍ) ،وهَلُوك (بغيٌّ أوْ مُتَسَاقِطَةٌ عَلَى الرِّجَالِ)

وَخَوْد (حسَنَةٌ الخلُقِ ونَاعِمَة) وَبَعْض الأَوْزَانِ مِثْل وَزْنِ (فَعُول) غَيُور وَصَبُور، وَلَعُوب

وَوَزْن (فَعْل) مثل عَدْل ،وَوَزْن (مِفْعَال) مِثْل مِنْجَاب (تَلِدُ النُّجَبَاءَ) وَمِحْمَاق (تَلِدُ الحَمْقَى) وَمِعْطَال (لاَ تَلْبَسُ الحُلِيَّ) ومِعْطَاء وَمِقْوَال.وَثَمَّةَ صِفَاتٌ أُخْرَى: ثَاكِل (فَقَدتْ وَلَدَهَا) ،َجَاسِر (جَسِيمَةٌ وَشُجَاعَةٌ) ،وَهَابِل (كَثِيرَةُ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ) ،وَجَامِع وَسَافِر (إِذَا أَلْقَتْ نِقَابَهَا فَأَسْفَرَتِ الوَجْه)

وَفروك (ْمْبغِضَةٌ زَوْجَهَا) ،وَطَامِح ،وَحَاسِر (حَسَرَتْ عَنْهَا ثيابَهَا أَيْ: مَكْشُوفَةُ الذّرَاعَيْنِ وَالوَجْهِ وَالجَمْعُ: حُسَّرٌ وَحَوَاسِر ،وَفَاقِد وَخَادِم وَعَاشِق وَبِكْر،وَوَاضِع (وَضَعَتْ خِمَارَهَا)،وَمحْشِن (يَبَسَ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا) ،بغي(تطلب المعاشرة ) ومومس (تطلب الجنس بأجر) وعاهر، وداعر( مكرهة عليه)وعكسها حَصان وعفيفة .فَهَذَا فِي الصِّفَاتِ الثَّابِتَةِ ..وَكَذَلِكَ: قَتِيل وَجَرِيح ،وَرِيح خَرِيق (البَارِدَة الشَّدِيدَة الهُبُوب) ،وَكَفّ خَضِيب (مُتَغَيِّرُ اللَّوْنِ بِالحِنَّاءِ) وَعَيْن كَحِيل..

الـعـــدد ( 8 ) أولاً :

إذا كان مفردًا :

1 ـ إذا كان العدد ( 8 ) مذكراً مضافا إلى مؤنث ، نحو: (حضرت الحفلةَ ثماني فتياتٍ ، شاهدْتُ ثماني فتياتٍ ينشدْنَ ، استمعت إلى ثماني فتياتٍ يعزفْنَ ) ، يعرب العدد إعراب المنقوص فتقدر الضمة والكسرة على الياء للثقل وَ تظهر الفتحة في النصب لخفتها .

2 ـ إذا كان العدد (8 ) مؤنثا مضافا إلى مذكر ، نحو : ( هؤلاءِ ثمانيةُ رجالٍ ، قابلْتُ ثمانيةَ رجالٍ ، سلّمْتُ على ثمانيةَ رجالٍ ) ، يعرب العدد إعراب الصحيح من الأسماء ، ولا يحتاج إلى تمييز فقد تعرَّف العدد المضاف بالمضاف إليه وتميز به .

3 ـ إذا كان العدد ( 8 ) غير مضافٍ والمعدود مذكرًا ، نحو ( المسافرون من الرجال ثمانيةٌ ، قابلْتُ من الرجال ثمانيةً ، اكتفيتُ من الرجال بثمانيةٍ ) ، يعــرب العــدد إعراب الصحيح مـن الأسماء .

4 ـ إذا كان العدد ( 8 ) غير مضاف والمعدود مؤنثا ، نحو :اشتهر من الشواعر ثمانٍ . اكتفيت من الشواعرِ بثمانٍ . شاهدْتُ من الشواعرِ ثمانيَ آو ثمانياً .  يعرب العدد ( 8 ) إعراب الاسم المنقوص النكرة في حالتي الرفع والجر ( تحذف الياء وتقدّر عليها الحركة ) ، أما في النصب فيجوز التنوينُ وعدمُه .

ثانياً : إذا كان مركباً : ( العدد 18 )

1 ـ إذا كان المعدود مذكرًا ، نحو : حضَر ثمانيةَ عشر رجلاً ، شاهدت ثمانيةَ عشرَ رجلاً ،

مررت بثمانيةَ عشرَ رجلاً .

في كل الأحوال يكون العدد ( 18 ) مبنيا على فتح الجزأين ، يؤنث بالتاء مع إثبات الياء ويعرب بحسب موقعه من الجملة .

2 ـ إذا كان المعدود مؤنثاً ، يجرّد العدد من التاء وتجوز فيه أربعُ لغاتٍ :

أ ـ إثبات الياء ساكنةً : شاهدتُ ثمانيْ عشرةَ سيدةً . ( الفتح على الجزء الأول مقدَّر ) .

ب - إثبات الياء مفتوحة : شاهدتُ ثمانيَ عشرةَ سيدةً . ( مبني على فتح الجزأين ) .

ت ـ حذف الياء مع كسر النون : شاهدتُ ثمانِ عشرةَ سيدةً . ( حذف الياء للتخفيف ) .

ث ـ حذف الياء مع فتح النون : شاهدتُ ثمانَ عشرةَ سيدةً . ( للتخفيف وإبقاء فتح الجزأين ) .

-  في إعراب إنْ هذان لساحران وجوه عدّة، منها: أن تكون إن الساكنة النون مخففة من إن المؤكدة واللام الواقعة بعدها هي اللام الفارقة بين إن المثبتة المؤكدة وإن النافية المشبهة بليس. وعليه؛ تكون إنْ هنا مهملة والجملة الواقعة بعدها مبتدأ وخبر. 2-أن تكون إن نافية واللام الواقعة بمعنى إلا فيكون المعنى ما هذان إلا ساحران، وعليه فإنْ نافية وما بعدها مبتدأ وخبر، وإذا كانت إنّ مشددة في بمعنى نعم وقد وردت في لغات سامية كثيرة....ماالفرق بين أحسن الله إلينا ، وأحسن الله بنا؟ أحسن الله إلينا وحدنا  ، وأحسن بنا :أحسن لنا ،ولمن حولنا، كذلك الباء تفيد الإلصاق....أرى أن بين استعمال الحرفين فرقًا، فأحسن إلي تعني أوصل إحسانه إلي، وأما أحسن بي فتعني جعلني موضع إحسانه. ويمكن القول أحسن عليّ وأحسن لي وأحسن فيّ وأحسن عني، على اختلاف في ظلال المعاني .....قال الله تعالى على لسان نبيه يوسف عليه السلام ( وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم )

فالإحسان ( بالباء) يدل على شدة الملازمة والصحبة والإلصاق ، أو الإلزاق ، وكأن الإحسان لم يتركه قيد أنملة ، صاحبه في حياته كلها منذ رؤيته أحد عشر كوكبا وسجود الشمس والقمر له وإلقائه في الجب وبيعه بثمن بخس وعمله في بيت العزيز ونجاته من مكيدة امرأة العزيز وحتى في دخوله السجن إلى أن صار هو العزيز وقد جمعه الله بإخوته وبأبيه وأمه

( أحسن بي) تدل على قرب المحسن " الله "من المحسن إليه " يوسف "

لذا جاءت الباء في الإحسان بالوالدين ،فقال ربنا ( وبالوالدين إحسانا ) إشعارا إلى ضرورة مصاحبة الإحسان للوالدين في كل وقت وبخاصة عند بلوغهما الكبر ،أمّا ( أحسن إليك ) فتشعر بتباعد ما بين المحسن والمحسن إليه ، لذا استخدمها مع قارون ذلك المنكر نعمة الله؛فقال تعالى ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين )  ليدل على البعد ما بين الله وبين قارون ، وكأن النعم التي أولاها إياه كانت من قبيل الاستدراج لا الإكرام....

شاطىء الإبداع

قصيدة جميلة معبّرة مخمّسة على غرار قصيدة قريظ بن أنيف....

صفي الدين من العصر المملوكي عبد العزيز بن سرايا بن علي بن نصر الطائي. شاعر عصره. ولد ونشأ في الحلة (بين ....الكوفة وبغداد) واشتغل بالتجارة، فكان يرحل إلى الشام ومصر وماردين وغيرها، في تجارته،توفي 1339 م

أمّا (التخميس) فهو أن يأخذ االشاعر بيتا لسواه , فيجعل صدره بعد ثلاثة أشطر ملائمة له

في الوزن والقافية ( أي يجعله عجُز بيت ثانٍ) , ثم يأتي بعجز ذلك البيت بعد البيتين فيحصل على خمسة أشطر

ومن هنا جاءت التسمية بـ (التخميس) .. وربما نظموا قبل البيت الأصلي أربعة أشطر أو خمسة أو ستة ,

ويسمى عملهم هذا تسديسا , أو تسبيعا أو مافوق ذلك"

قال صفي الدين الحلي: 

يا لَلحَماسَةِ ضاقَت بَينَكُم حِيَلــــي     

وَضاعَ حَقِّيَ بَينَ العُذرِ وَالعَـــذَلِ

فَقُلتُ مَع قِلَّةِ الأَنصارِ وَالخَـــوَلِ 

 لَوكُنتُ مِن مازِنٍ لَم تَستَبِح إِبِلي

بَنو اللَقيطَةِ مِن ذُهلِ بنِ شَيبانــا

*********************   

 لَو أَنَّني بَرُعاةِ العُربِ مُقتَـرِنُ

لَهُم نَزيلٌ وَلي في حَيِّهِم سَكَنُ     

وَمَسَّني في حِمى أَبنائِهِم حَزَنُ

إِذَن لَقامَ بِنَصري مَعشَرٌ خُشُنُ     

 عِندَ الحَفيظَةِ إِن ذو لَوثَةِ لانا

****************

لِلَّهِ قَومي الأُلى صانوا مَنازِلَهُـــــم     

عَنِ الخُطوبِ كَما أَفنَوا مُنازِلَهـــُم

لا تَجسُرُ الأُسدُ أَن تَغشى مَناهِلَهُم     

 قَومٌ إِذا الشَرُّ أَبدى ناجِذَيهِ لَهُــــم

طاروا إِلَيهِ زَرافاتٍ وَوُحدانــــــا

*****************       

 قَومٌ نَجيعُ دَمِ الأَبطالِ مَشرَبُهُــــم

وَرَنَّةُ البيضِ في الهاماتِ تُطرِبُهُم   

إِذا دَعاهُم لِحَربٍ مَن يُجَرِّبُهُــــــم

لا يَسأَلونَ أَخاهُم حينَ يَندُبُهُــــــم   

 في النائِباتِ عَلى ما قالَ بُرهانا

*************************

فَاليَومَ قَومي الَّذي أَرجو بِهِم مَدَدي     

لِأَستَطيلَ إِلى ما لَم تَنَلهُ يَـــــــــدي   

 تَخونُني مَع وُفورِ الخَيلِ وَالعُـــدَدِ   

 لَكِنَّ قَومي وَإِن كانوا ذَوي عَـــدَدِ   

 لَيسوا مِنَ الشَرِّ في شَيءٍ وَإِن هانا

******************   

يولونَ جاني الأَسى عَفواً وَمَعـــذِرَةً     

كَعاجِزٍ لَم يُطِق في الحُكمِ مَقــــدَرَةً     

 فَإِن رَأوا حالَةً في الناسِ مُنكـــَرَةً   

  يَجزونَ مِن ظُلمِ أَهلِ الظُلمِ مَغفِرَةً     

 وَمِن إِساءَةِ أَهلِ السوءِ إِحسانــــا           

************************

 كُلٌّ يَدِلُّ عَلى البــــــــــاري بِعِفَّتِهِ               

 وَيَستَكِفُّ أَذى الجاني بِرَأفَتِـــــــهِ     

 وَيَحسَبُ الأَرضَ تَشكو ثِقلَ مَشيَتِهِ       

 كَأَنَّ رَبَّــــــكَ لَم يَخلُق لِخَشيَتِـــــهِ             

 سِواهُمُ مِن جَميعِ الخَلقِ إِنسانــــا 

*****************        

 لَو قابَلوا كُلَّ أَقوامٍ بِما كَسَبـــــــــــوا           

 ماراعَ سِربَهُمُ عُجمٌ وَلا عَــــــــرَبُ    

 بَلِ اِرتَضوا بِصَفاءِ العَيشِ وَاِحتَجَبوا   

  فَلَيتَ لي بِهِمُ قَوماً إِذا رَكِبـــــــــــــوا             

 شَنّوا الإِغارَةَ فُرساناً وَرُكبانـــــــــــا....

أبواب المجلة

Scroll to Top