العدد الحادي عشر(خاص)

أبواب المجلة

الافتتاحيّة

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا العدد خاصّ بالشهر الفضيل (رمضان ) الذي امتاز بتكثيف العبادات فيه، فيجدر بنا استغلال جميع أوقات العبادة بالتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وذلك من خلال فعل العديد من الأمور منها :قراءة القرآن بتدبّر، وتفهّم، ومعرفة ما تعنيه العبادات في هذا الشهر في لغتنا لغة القرآن الكريم ما معنى الصوم، والفرق بين الصوم والصيام؟  إلى جانب الاطلاع على ما كتبه الأدباء شعرا ونثرا في فضائل هذا الشهر،  وعباداته،  وبحلول شهر الخيرات خاصّة شهر النفحات المُباركات نجد أنّ هُناك العديد من الأمور الخيرة التي تُقربنا من الله عزّ وجل، وبالتزامن مع حلول شهر رمضان الكريم سنُوضح لكم “كم مرة ذكر شهر رمضان في القرآن الكريم؟ وكيفية استقبال الأدباء هذا الشهر الكريم؛ فقد كان الأدباء يستقبلون  شهر رمضان المبارك بطريقة خاصة، يصفون أجواءه ، ويبرزون أهميته بين العبادات......

بلسان مبين

 لغة القرآن الكريم لم تغفل الشهرالعظيم

 لم يترك الأدب العربي شيئاً إلا تناوله وكان لشهررمضان المبارك حظٌّ في اللغة والشعر، فلم يجتمع لشهر ما اجتمع لشهر رمضان من خصائص ومزايا وحظ من الشعراء ما بين ترحيب بمقدمه، وتوديع له ،ورصد لأحداث ومظاهرالاحتفاء به واستقبال العي، جاء في القاموس وتاج العروس : رمضان ـ رمضانات ـ ورمضانون ـ وأرمضة ـ وأرمض نمسي به رمض يومنا اشتد حره.. وقدمه احترقت من الرمضاء(الأرض الشديدة الحرارة)؛لأنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق زمن الحر الرمض أومن رمض الصائم اشتد حر جوفه ؛ولأنه يحرق الذنوب. ‏ وفي كتاب(رمضان في عصور الإسلام)للدكتور حامد الخولي يقول في اسم رمضان معنين للفعل رمض: ‏

ـ الأول بمعنى حرّ الحجارة والرمضاء ؛أي الأرض الشديدة الحرارة من وهج الشمس. ‏

ـ الثاني رمضت النصل إذا دفعته بين حجرين ليرقّ، وسمي رمضان كذلك؛ لأنهم كانوا يرمضون فيه أسلحتهم استعداداً للقتال، وأيضا من الرمضاء، وهو مطريأتي قبل الخريف... ‏

وفي الأدب العربي الكثير من المؤلفات النثرية والشعرية ترحيباً بقدوم رمضان

 وتوديعه. ‏ لقد جرت عادة الشعراء أن يرحبوا بهلال رمضان الذي يأذن ببدء هذا الشهر الكريم ، ويتفننوا في وصفه، ويعدوه أمارة خير وبشارة يمن وبركة ،

فيقول الشاعر ابن حمديس الصقلي :

قلت والناس يرقبون هلالا

يشبه الصبَّ من نحافة جسمهِ

من يكن صائما فذا رمضان

خطَّ بالنور للورى أوّلَ اســــمـهِ

كما تذكر كتب التاريخ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمع المصلين لأول مرة في صلاة التراويح خلف إمام واحد في السنة الثانية من خلافته الراشدة فقال أحد الشعراء: ‏ جاء الصيام فجاء الخير أجمعه    ترتيل ذكر وتحميد وتسبيحُ‏

فالنفس تدأب في قول، وفي عملٍ   صومُ النهار وبالليل التراويحُ ‏

ومن أحسن ما قيل في التهنئة بقدوم شهر رمضان: ‏

‏ نلت في ذات الصيام مــا ترتجيـه

ووقـــاك الـلّــه لـــه مــا تتقيه

  أنت في الناس مثل شهرك

في الأشـهر أو مثل ليلة البــدر فيــه

‏ ثم يستكمل أحد الشعراء مبينًا فضائله ومآثره، فقد أنزل الخالق - جل شأنه - فيه القرآن الكريم، وبسناه ينجلي ظلام اليأس، فيقول:

فيك لا في سواك قد أُنزل الذكرُ

وطافت بالعالميـــــــــن البشائرْ

فيك هبّ الأولى إلى النصر سلّوا

كل سيف وأسرجوا كل ضامرْ

بسناك الدفّاق تجلو ظلامَ اليأس

تهدي إلى الهــــــدى كل حائرْ

ولهبة الله بن الرشيد جعفر بن سناء الملك في التهنئة بقدوم رمضان قصيدة طويلة منها: ‏ تهن بهذا الصوم ياخير صائم  إلى كل ما يهوى ويا خيرقائم. ‏

ويبدو أن فانوس رمضان والحلوى الخاصة التي تصنع فيه للصائمين كانت موضوعاً لكثير من قصائد شعرائنا فيقول علي بن ظافر الأديب المصري اقترح بعض الحاضرين في مجلس الأديب أبي الحجاج يوسف بن علي أن ينشدهم شيئاً عن الفانوس بقصد تعجيزه فقال: ‏

ونجم من الفانوس يشرق ضوؤه  ولكنه دون الكواكب لايسري ‏

ولم أرنجما قط قبل طلوعه  إذا غاب ينهي الصائمين عن الفطر، وفي حلوى رمضان الخاصة مثل القطايف، والكنافة يقول الشاعر المصري ابن نباته: ‏

رعى الله نعماك التي من أقلها    قطايف من قطر النبات لها قطر ‏

أمد لها كفي فتهتز فرحة         كما انتفض العصفور بلله القطر ‏

وفي المأثورات أن العفاريت تسجن في رمضان في مجمع من النحاس أو تنفى إلى قمة جبل قات حيث تظل في سجنها إلى صبيحة العيد. ‏

وللصوم سلطان على قهر الشهوات، وتهذيب الغرائز، وكبح النزعات الشريرة في النفس؛ ما يفسر تراجع الجرائم في رمضان عن سائر أشهر السنة كما أن الناس فيه ينصرفون لتوزيع الصدقات والإحسان وعمل البر.ولعل شاعراً أشار إلى ضرورة تحرير أنفسنا من الشحناء، والبغضاء والعنف، وإلى التزام التسامح منهجا، يقول:

 يا شهر التحرر ليتــنا

من جاهلية فكرنا نتحرر

رمضان يا أمل السماء لأمة

بك لم تزل عبر المدى تستبشر

ثبت على التقوى قلوب أحبتي

وامنح هداك لعالم يتدهور

واحمل الى ملأ السماء تحية

من أمة بصيامها تتطهــّر

 ‏ في رمضان امتناع عن اللذة اختياراً وامتناع عن خلق ذميم وفي رمضان قوة لضبط النفس حيث تكون لإرادة الإنسان الحرية والسيطرة على أهواء النفس ونزواتها وشهواتها والمعروف أن شهر رمضان يدورعلى فصول السنة كلها مرة كل 23عاماً فيأتي في الصيف والشتاء والخريف والربيع. ‏

أما وداع رمضان فنجده في هذه القصيدة التي يصف فيها الشاعر كيف سيكون مآل الناس وهل ستقبل أعمالهم عند رب العزة العظيم ‏

أي شهر قد تولى ياعباد الله عنا ‏

حق أن نبكي عليه بدماء لوعقلنا ‏

كيف لانبكي لشهر مربالغفلة منا ‏

ثم يأتي عيد الفطر، وتبدأ التهاني بقدومه في قول شاعر الدولة الفاطمية تميم بن المعز ‏

أهنيك بالعيد الذي أنت عيده   ومحطّ أنظارنا الباري يعيده. ‏

أفصحنا(صلّى الله عليه وسلّم)

فضائل رمضان في الحديث الشريف

وردت الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي تبيّن فضل رمضان العظيم، ومن هذه الأحاديث ما يأتي:" تُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق أبواب النار، وتُصفّد الشياطين: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا جاءَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ النَّارِ، وصُفِّدَتِ الشَّياطِينُ)، تُكفّر فيه الذنوب: فقد ورد عن النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلّم- عدّة أحاديث تبيّن ذلك، منها: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-: (الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ ما بيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ). يُعدّ كصيام الدهر: (ثَلَاثٌ مِن كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ، فَهذا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ). يدخل الصائمون الجنة من باب الريّان يوم القيامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ في الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ له الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ منه الصَّائِمُونَ يَومَ القِيَامَةِ، لا يَدْخُلُ معهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَدْخُلُونَ منه، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ، أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ منه أَحَدٌ). أضاف الله -عزّ وجلّ- الصيام له لعظيم أجره وفضله، كما أن الصيام يقي المسلم من النار: (قال اللهُ عزَّ وجلَّ: كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلَّا الصِّيامُ، فإنَّه لي وأنا أجْزِي به، والصِّيام جُنَّةٌ، فإذا كانَ يومُ صوْمِ أحدِكُم فلا يَرفُثْ يومئذٍ ولا يصْخَب، فإن سابَّهُ أحدٌ أو قاتلَهُ فليقلْ: إنِّي امرؤٌ صائمٌ، والذي نفسُ محمَّدٍ بيدِهِ لخلُوفُ فمِ الصَّائمِ أطيبُ عند اللهِ، يومَ القيامةِ، من ريحِ المسكِ، وللصَّائمِ فرحتانِ يفرَحهُما: إذا أفطرَ فرِحَ بفِطرهِ، وإذا لقِيَ ربَّهُ فرِح بصوْمِهِ). أحد أركان الإسلام الخمس: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ). سبب لدخول الجنّة؛ لحديث النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الذي رواه جابر بن عبدالله -رضي الله عنه-: (أنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: أرَأَيْتَ إذا صَلَّيْتُ الصَّلَواتِ المَكْتُوباتِ، وصُمْتُ رَمَضانَ، وأَحْلَلْتُ الحَلالَ، وحَرَّمْتُ الحَرامَ، ولَمْ أزِدْ علَى ذلكَ شيئًا، أأَدْخُلُ الجَنَّةَ؟ قالَ: نَعَمْ). كثرة العِتق من النار في رمضان: لقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (ويُنادي منادٍ يا باغيَ الخيرِ أقبِلْ ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِرْ، وله عُتقاءُ من النَّارِ وذلك كلَّ ليلةٍ). فيه ليلة القدر: فقد فضّل الله -تعالى- شهر رمضان بأن جعل فيه ليلة عظيمة، تُغفر فيها الذنوب والآثام، وتتضاعف فيها الأجور، مصداقاً لقول الله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ). فيه أنزل الله القُرآن الكريم: قال -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ).وهناك أحاديث عن العمل الصالح في رمضان على الإنسان استغلال واغتنام كلّ وقتٍ في حياته، وأعظم الأوقات التي يجدر على الإنسان استغلالها واغتنام كلّ لحظةٍ فيها؛ هي الأشهر التي تُكثر فيها الطاعات، وتزداد فيها الأجور، وتكون موسماً لها، وعلى الإنسان أيضاً أن يكون لديه روحُ التنافس في تلك الأشهر، ومن تلك المواسم شهر رمضان المبارك، فقد وردت العديد من الأحاديث النبوية الشريفة التي تبيّن فضل الأعمال العظيم في شهر رمضان المبارك، منها ما يأتي: قيام رمضان إيماناً واحتساباً سببٌ في تكفير الذنوب: فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ). الإقبال على طاعة الله -تعالى- في رمضان سببٌ لمغفرة الذنوب: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (رَغِمَ أنفُ رجلٍ دخل عليه رمضانُ ثُم انْسَلَخَ قبلَ أن يُغفرَ لهُ). عمرة في رمضان تعدل حجّة: فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لامرأةٍ من الأنصار: (ما مَنَعَكِ أنْ تَحُجِّينَ معنَا؟، قالَتْ: كانَ لَنَا نَاضِحٌ، فَرَكِبَهُ أبو فُلَانٍ وابنُهُ، لِزَوْجِهَا وابْنِهَا، وتَرَكَ نَاضِحًا نَنْضَحُ عليه، قالَ: فَإِذَا كانَ رَمَضَانُ اعْتَمِرِي فِيهِ، فإنَّ عُمْرَةً في رَمَضَانَ حَجَّةٌ أوْ نَحْوًا ممَّا قالَ)، وقال عليه الصلاة والسلام: (عُمْرَةً في رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أوْ حَجَّةً مَعِي). عظم أجر تفطير الصائم: قال -عليه الصلاة والسلام-: (من فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجره، غير أنه لا ينقصُ من أجر الصائمِ شيئًا). شفاعة الصيام والقرآن للصائم يوم القيامة وإدخاله الجنة، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (الصيامُ والقرآنُ يشفعانِ للعبدِ يومَ القيامَةِ، يقولُ الصيامُ: أي ربِّ إِنَّي منعْتُهُ الطعامَ والشهواتِ بالنهارِ فشفِّعْنِي فيه، يقولُ القرآنُ ربِّ منعتُهُ النومَ بالليلِ فشفعني فيه، فيَشْفَعانِ). عِظم أجر قيام الليل في رمضان: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عليكُم بقيامِ اللَّيلِ، فإنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحينَ قبلَكُم، وقُربةٌ إلى اللهِ تعالى ومَنهاةٌ عن الإثمِ و تَكفيرٌ للسِّيِّئاتِ، ومَطردةٌ للدَّاءِ عن الجسَدِ). نيل الدرجات الرفيعة في الجنّة، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ في الجنَّةِ غُرفًا تُرَى ظُهورُها من بطونِها وبطونُها من ظُهورِها فقامَ أعرابيٌّ فقالَ لمن هيَ يا رسولَ اللَّهِ فقالَ لمن أطابَ الكلامَ وأطعمَ الطَّعامَ وأدامَ الصِّيامَ وصلَّى باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ). أحاديث عن هدي النبي في شهر رمضان كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُكثر من العمل الصالح في رمضان، ومن الأحاديث التي تبيّن هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان ما يأتي: عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنه- قال: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضانَ حِينَ يَلْقاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ يَلْقاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضانَ فيُدارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ). اعتكاف النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اعْتَكَفَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ العَشْرَ الأوْسَطَ مِن رَمَضَانَ، يَلْتَمِسُ لَيْلَةَ القَدْرِ قَبْلَ أَنْ تُبَانَ له، فَلَمَّا انْقَضَيْنَ أَمَرَ بالبِنَاءِ فَقُوِّضَ، ثُمَّ أُبِينَتْ له أنَّهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ، فأمَرَ بالبِنَاءِ فَأُعِيدَ، ثُمَّ خَرَجَ علَى النَّاسِ، فَقالَ: يا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّهَا كَانَتْ أُبِينَتْ لي لَيْلَةُ القَدْرِ، وإنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بهَا، فَجَاءَ رَجُلَانِ يَحْتَقَّانِ معهُما الشَّيْطَانُ، فَنُسِّيتُهَا، فَالْتَمِسُوهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ، التَمِسُوهَا في التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ). روت عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- عن عبادة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في العشر الأواخر، فقالت: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَجْتَهِدُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ، ما لا يَجْتَهِدُ في غيرِهِ). ورد عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ). جاء عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ حتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أزْوَاجُهُ مِن بَعْدِهِ)، ورد عن عائشة عندما سُئِلت عن قيام النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (فَقَالَتْ: ما كانَ يَزِيدُ في رَمَضَانَ ولَا في غيرِهِ علَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أرْبَعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أرْبَعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا).

لكنّ هناك أحاديثاً لا تَصِحُّ يتداولُها كثيرٌ من الناس تَخُص شهر رمضان، وأصبحت مشهورة بينهم، ويقتدي بعضُهم ببعض في ترديدها، نذكر بعضًا منها للتنبيه على ضعفها باختصار.

-منها حديث «صوموا تَصِحُّوا»؛ حديث ضعيف، قال العراقي في تخريج الإحياء ؛ رواه الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الطب النبوي من حديث أبي هريرة بسند ضعيف.

-حديث: «كان إذا دخل رجب قال: اللهم بارِك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان»، فهو حديث ضعيف رواه البزّار في مسنده والطبراني في الأوسط والبيهقي في فضائل الأوقات عن أنس، وضعَّفه ابن حجر في تبين العجب ، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي في السنن: لا أدري من هو، وقال ابن حبان لا يُحتج بخيره.

-حديث «من أفطَر في رمضان من غير رُخصة رخَّصها الله له، لم يُقضِ عنه صيام الدهر كله وإن صامه»، هو حديث ضعيف: رواه أحمد، والترمذي وأبو داود وابن ماجه والدارمي عن أبي هريرة، وقال الترمذي: سمعت محمدًا - يعني البخاري - يقول: أبو المطوس الراوي لا أعرف له غير هذا الحديث، وذكره البخاري تعليقًا بصيغة التحريض.

وقال القرطبي: حديث ضعيف لا يُحتج بمثله، وضعَّفه الألباني.

-حديث «نوم الصائم عبادة وصمتُه تسبيحٌ، وعمله مضاعفٌ، ودعاؤه مستجابٌ، وذنبه مغفورٌ»؛ رواه ابن مَنده والبيهقي، وضعَّفه العراقي في إحياء علوم الدين، وحديث: «من أفطر يومًا في رمضان من غير عذرٍ ولا مرض، لم يَقضه صيام الدهر كله وإن صامه»؛ رواه الترمذي وأبي داود وهو ضعيف، وذكر ابن حجر في فتح الباري أن هذا الحديث فيه ثلاث علل.

- حديث «أول شهر رمضان رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار»، وهذا الحديث قال عنه الإمام العقيلي في الضعفاء الكبير: لا أصل له، وقال عنه الإمام الألباني في صحيح الجامع: حديث ضعيف جدًّا، وقال عنه في السلسلة الضعيفة: حديث منكر، وقال عنه الشيخ أبو إسحاق الحويني: حديث باطل.

-حديث: «إنَّ للهِ عزَّ وجلَّ في كلِّ ليلةٍ من رمضانَ سِتَّمِائةِ ألْفِ عَتيقٍ من النارِ، فإذا كان آخِرُ ليلةٍ أعتَقَ اللهُ بِعددِ كُلِّ مَنْ مَضَى»: وهذا الحديث قال عنه الإمام البيهقي في شعب الإيمان: حديث مرسل، وهو ضعيف.

-حديث: «يا أيُّها النَّاسُ، قد أظلَّكم شهرٌ عظيمٌ ... ومَن تقرَّبَ فيهِ بخَصلةٍ منَ الخير كانَ كمَن أدَّى فريضةً فيما سِواهُ، ومَن أدَّى فريضةً كانَ كمَن أدَّى سبعينَ فريضةً فيما سِواهُ»، وهذا الحديث قال عنه الإمام ابن حجر العسقلاني في التلخيص الحبير: حديث ضعيف، وقال عنه الإمام الألباني في تحريج مشكاة المصابيح: حديث ضعيف جدًّا.

  • حديث: «من أدرك شهر رمضان بمكة فصامه وقام منه ما تيسَّر، كتَب الله له مائة ألف شهر رمضان فيما سواه، وكتب له بكل يوم عتقَ رقبة، وبكل ليلة عتقَ رقبة، وكل يوم حملان فرس في سبيل الله، وفي كل يوم حسنة وفي كل ليلة حسنة»، وهذا الحديث قال عنه الإمام ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف: إسناده ضعيف، وقال عنه الإمام الألباني في ضعيف الترغيب والسلسلة الضعيفة: حديث موضوع.

-حديث: «كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا دخَلَ رجبٌ قالَ: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان»، وهذا الحديث قال عنه الإمام ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف، وقال عنه الإمام النووي في الأذكار: إسناده فيه ضعف.

-حديث: «رَجبُ شهرُ اللهِ، وشعبانُ شهري، ورمضانُ شهرُ أمتي ...»، وهذا الحديث قال عنه الإمام ابنُ الجوزي في الموضوعات: حديث موضوع.

-حديث: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَر، قَالَ: بِسْمِ اللهِ اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْت»: وهذا الحديثُ قال عنه الإمام الشوكاني في نيل الأوطار والحافظ ابن حجر العسقلاني في التلخيص الحبير: إسناده ضعيف، وقال عنه الإمام الألباني في إرواء الغليل: حديث ضعيف، ملاحظة: يضيف البعض للدعاء السابق عبارة (وبك آمنت وعليك توكلت)، وهذه الزيادة لا أصل لها، قال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: "فزيادة، (وبك آمنت) لا أصل لها وإن كان معناها صحيحًا، وكذا زيادة (وعليك توكلت)".

-حديث: «كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذا أَفْطَرَ، قال: اللهم لك صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ، فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أنت السَّمِيعُ الْعَلِيم»، وهذا الحديث قال عنه الإمام ابن قيم الجوزية في زاد المعاد: لا يثبُت، وقال عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتوحات الربانية: سنده واهٍ جدًّا، وقال عنه الإمام الألباني في ضعيف الجامع: حديث ضعيف. ملاحظة مهمة: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الإفطار حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: «ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»؛ (رواه أبو داود وحسنه الألباني).

-حديث: «من فطّر صائمًا في شهر رمضان من كسب حلال، صلَّت عليه الملائكة ليالي رمضان كلها، وصافَحه جبرائيل ليلة القدر، ومَن صافَحه جبرائيل عليه السلام يرق قلبه، وتكثُر دموعه، قال: فقلت: يا رسول الله، أفرأيت من لم يكن عنده؟ قال: فقبصة من طعام، قلت: أفرأيت إن لم يكن عنده لقمة خبز؟ قال: فمذقة من لبن، قال أفرأيت إن لم تكن عنده؟ قال: فشربة من ماء»، وهذا الحديث قال عنه الإمام ابن حبان في المجروحين: لا أصل له، وقال عنه الإمام ابن الجوزي في الموضوعات: لا يصح، وقال عنه الإمام الألباني في ضعيف الترغيب: حديث ضعيف جدًّا.

-حديث: «شهر رمضان شهر أمتي تُرمَضُ فيه ذنوبُهم، فإذا صامه عبد مسلم ولم يكذب ولم يغتب، وفطره طيب، خرَج من ذنوبه كما تخرج الحية من سلخها»، وهذا الحديث قال عنه الإمام الألباني في السلسلة الضعيفة وضعيف الترغيب: حديث ضعيف جدًّا.

-حديث: «لو يعلمُ العبادُ ما في رمضانَ لتمنَّت أمَّتي أن يكونَ رمضانُ السَّنةَ كلَّها، فقال رجلٌ من خزاعةَ: حدَّثْنا به قال: إنَّ الجنَّةَ تزيَّنُ لرمضانَ من رأسِ الحولِ إلى الحولِ، حتَّى إذا كان أوَّلُ يومٍ من رمضانَ، هبَّتْ ريحٌ من تحتِ العرشِ فصفَّقتْ ورقُ الجنَّةِ، فينظرُ الحورُ العينُ إلى ذلك فيقلن: يا ربِّ، اجعلْ لنا من عبادِك في هذا الشَّهرِ أزواجًا تقرُّ أعينُنا بهم، وتقرُّ أعينُهم بنا، قال: فما من عبدٍ يصومُ رمضانَ إلَّا زُوِّج زوجةً من الحور العينِ في خيمةٍ من درٍّ مجوَّفةٍ ممَّا نعت اللهُ عزَّ وجلَّ حورٌ مقصوراتٌ في الخيامِ على كلِّ امرأةٍ سبعون حُلَّةً ليس فيها حُلَّةٌ على لونِ الأخرَى»، وهذا الحديث قال عنه الإمام ابن الجوزي في الموضوعات: حديث موضوع، وقال عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في المطالب العالية: ضعيف جدًّا، وقال عنه الإمام الشوكاني في الفوائد المجموعة: حديث موضوع، وقال عنه الإمام الألباني في ضعيف الترغيب: حديث موضوع.

-حديث: «إن الجنة لتُبَخَّر وتُزيَّنُ من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان، فإذا كانت أول ليلة من شهر رمضان، هبَّت ريح من تحت العرش يقال لها: المثيرة ... قال: ولله عز وجل في كل يوم من شهر رمضان عند الإفطار ألف ألف عتيق من النار، كلهم قد استوجبوا النار، فإذا كان آخر يوم من شهر رمضان، أعتق الله في ذلك اليوم بقدر ما أعتق من أول الشهر إلى آخره»، وهذا الحديث قال عنه الإمام ابن الجوزي في العلل المتناهية: لا يصح، وقال عنه الإمام الألباني في ضعيف الترغيب: حديث موضوع.

-حديث: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله إلى خلقه، وإذا نظر الله إلى عبد لم يعذبه أبدًا، ولله في كل يوم ألف ألف عتيق من النار، فإذا كانت ليلة تسع وعشرين، أعتق الله فيها مثل جميع ما أعتق في الشهر كله»، وهذا الحديث: حديث موضوع، كما بيَّن الإمام ابن الجوزي في الموضوعات، والإمام الشوكاني في الفوائد المجموعة، والإمام الألباني في ضعيف الترغيب والسلسلة الضعيفة.

-حديث: «أُعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تُعطها أمة قبلهم: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله عز وجل كل يوم جنته، ثم يقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إليك، وتُصفَّد فيه مردة الشياطين، فلا يخلصوا إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة، قيل: يا رسول الله، أهي ليلة القدر؟ قال: لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله»؛ [هذا الحديث أخرجه أحمد  والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة به، وسنده ضعيف جدًّا ولعله يقصد "حُسن ألفاظه"].

-حديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبشر أصحابه: «قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، افترَض الله عليكم صيامه، يفتح فيه أبواب الجنة، ويغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم»؛ أخرجه أحمد .....

-حديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يستقبلكم وتستقبلون» ثلاث مرات، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، وحيٌ نزل؟ قال: «لا» قال: عدوٌ حضر؟ قال: «لا»، قال: فماذا؟ قال: «إن الله عز وجل يغفر في أول ليلة من شهر رمضان لكل أهل هذه القبلة» .... إلخ الحديث؛ [أخرجه ابن

-حديث: «إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد»، [هذا الحديث أخرجه ابن ماجه .....

-حديث: «ثلاثة لا ترد دعوتهم، الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم».وقد اختلف في متن هذا الحديث، ففي بعض الألفاظ ليس فيه موطن الشاهد، وهو دعاء الصائم؛ قال الشيخ المحدث عبد الله السعد: "إسناده فيه ضعف"، وقال: "وهذا الحديث من أقوى ما ورد في الباب من الاستجابة لدعاء الصائم"، ثم قال عقب ذكره للأحاديث عن الدعاء عند الإفطار: "لم يثبت في الباب شيء يصح الاعتماد عليه".

-حديث: «إذا صمتم فاستاكوا بالغداة، ولا تستاكوا بالعَشي»؛ [أخرجه الطبراني .....

قضايا أدبية ودراسات نقدية

رمضان في الأدب ...

يزخرُ الأدبُ الاسلامي منذ عصر صدر الإسلام حتى عصرنا الحديث

بكثير من صور التعبير عن الحبّ والتقدير لشهر رمضان الكريم، وشكل رمضان تجربة روحية عميقة في الأدب العربي، ومهرجانا ربانيّا تحتفي به الأرواح التي تحلق عاليا بنفحاته، إنّه شهر الرحمة والخير، وقد ألهبت هذه التجربة مشاعر عديد من الشعراء والأدباء، وسطروا بذلك شعراً خالدا في دنيا الأدب. يصف الشاعر عباس محمود العقاد هذا الشهر بأنه: "شهر الإرادة، أدبه أدب الإرادة، وليست الإرادة بالشيء اليسير في الدين، وما الخلق إلا تبعات وتكاليف، وعماد التبعات، والتكاليف جميعا أنها تناط بمريد، ومن ملك الإرادة فزمام الخلق جميعا في يديه".

ولعلّ أوّل ما يقفز إلى الذهن هم شعراء، وأدباء صدر الإسلام والعصر الأموي، يقول كعب بن مالك -رضي الله عنه:

بنفسي، وأهلي والذين أحبّهم    لصومي صوم الناسكين ذوي البِرِّ

فإن صمته صوم الوصال فإنني   قمين بأن ألقى رضاك إلى الحشرِ

وما كبت الأعداء إلا نكوصهم    عن الخير ما بين المذّلة والعُسرِ

ولو شاء ربّي كان صومي كلّه   وصالاً فلم يصبح من العام في شهرِ

أمّا الشعراء العباسيون والأندلسيون فأسهموا كثيرا في تسجيل مشاعرهم وعكسَ شعرُهم عادات وتقاليد ذلك العصر من ذلك الفانوس المستخدم في هذا الشهر كقول أحدهم:

ونجم من الفانوس يشرق ضوؤه    ولكنه دون الكواكب لا يسري

ولم أر نجماً قطّ قبل طلوعه   إذا غاب ينهي الصائمين عن الفطر

وقد جرت عادة الشعراء أن يرحبوا بهلال رمضان الذي يأذن ببدء هذا الشهر الكريم، ويتفننوا في وصفه، ويعدوه أمارة خير وبشارة يمن وبركة،

الشاعر ابن حمديس الصقلي:

قلت والناس يرقبون هلا لا    يشبه الصب من نحافة جسمه

من يكن صائما فذا رمضان      خط بالنور للورى أول اسمه

ويذكر الشاعر العباسي البحتري هلال شهر شعبان حين أصبح قمراً يؤذن بطلوع شهر رمضان، فيقول:

قم نبادر بها الصيام فقد    أقمر ذاك الهلال من شعبان

ويهنئ الخليفة المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد لصيام شهر رمضان ولحلول عيد الفطر:

بِالْبِرِّ صِمْتُ وَأَنْتَ أَفْضُلُ صائِمٍ      وَبِسُنَّةِ اللهِ الرَّضِيَّةِ تُفْطِرُ

 فَانْعَمْ بِعيدِ الْفِطْرِ عيداً إِنَّهُ          يَوْمٌ أَغَرُّ مِنَ الزَّمانِ مشهرُ

 وعلى الجانب الأخر نرى بعض الشعراء يضيقون بقدوم شهر رمضان ويعدّونه قيدا لرغباتهم في تناول الشراب والملذات، لذا يحزنون لرؤية هلاله، ويعبّرون عن حزنهم وضجرهم، فيقول ابن رشيق القيرواني:

لاح لي حاجب الهلال عشاء ..... فتمنّيت أنّني من سحاب

قلت أهلا وليس أهلا لما قل ... ت ولكن أسمعتها أصحابي

مظهر حبّه وعندي بغض ....... لعدوّ الكؤوس والأكواب

 ونجد بعضهم يشمتون بهلال رمضان حين يدركه النقصان في آخر الشهر، فيقول ابن الرومي:

إنّي ليعجبني تمامُ هلاله         وأُسَرَّ بعد تمامه بنحوله

ويقول ابن المعتز في هلال آخر رمضان:

يا قمرًا قد صار مثل الهلال     من بعد ما صيّرني كالخلال

الحمد لله أنّنـــــي لم أمــــت     حتى رأيتـــك بــداء السلال

وهؤلاء الشعراء الذين يتضجّرون من هلال رمضان يملؤون الدنيا فرحا وبهجة بهلال شوّال؛ لأنّه يأذن بنهاية الصيام، ويرفع عنهم قيوده، ويطلق سراحهم، فيرتعون، ويلعبون كما شاءت أهواؤهم, قالل ابن المعتز:

أهلا وسهلا بالناي والعود              وكأس ساق كالغصن مقدود

قد انقضت دولة الصيام، وقد                بشر سقم الهلال بالعيد

ويقول السري الرفّاء ممتدحا شهر شوال الذي أقبل معلنا انتهاء رمضان:

قد جاء شهر السرور شوالُ   وغال شهر الصيام مغتـــالُ

              فُضّ عن الصائمين فاختالوا

 ويصل الحدّ ببعض هؤلاء الشعراء الذين يفرحون بانتهاء رمضان وقدوم شوال إلى دعوة الناس للكأس والخمر التي منعها عنهم الصيام، فيقول مؤيد الدين الطغرائي في هلال الفطر:

قوموا إلى لذاتكم يا نيام                وأترعوا الكأس بصفو المدام

هذا هلال العيد قد جاءكم            بمنجل يحصد شهر الصيام

أمّا في العصر الحديث فقد كان لرمضان حضوره في الأدب، وقد استلهم

الشعراء روحانيته بوصفه زمانا تورق فيه الذات المبدعة، ويتحرر فيه الإنسان من آثامه، فهذا الأديب مصطفى صادق الرافعي وصف رمضان في قوله: "شهر هو أيام قلبية في الزمن متى أشرقتْ على الدنيا قال الزمن لأهله: هذه أيام من أنفسكم لا من أيامي، ومن طبيعتكم لا من طبيعتي، فيقبل العالم كلّه على حالة نفسية بالغة السمو، يتعهد فيها النفس بترويضها على معالي الأمور، ومكارم الأخلاق، ويفهم الحياة على وجه آخر غير وجهها الكالح".

وقال في ثنائه على هذا الشهر الفضيل:

فديتك زائرًا في كل عام       تحيا بالسلامة والسلام

وتقبل كالغمام بفيض حينا      ويبقى بعده أثر الغمام

وكم من الناس كلف مشوق إليك   وكم شجي مستهام

وقال أمير الشعراء أحمد شوقي:

يا مديم الصوم في الشهر الكريم    صُمْ عن الغيبة يومًا والنميمة

وصلّ صلاة من يرجو ويخشى   وقبل الصوم صمْ عن كلّ فحشا

أمّا الشاعر معروف الرصافي فيعكس شعره توقا روحيا لهذا الشهر، وذلك في قوله:

ولو أني أستطع صيام دهري   لصمت فكان ديني الصيامُ

ولكنني لا أصوم صيام قوم    تكاثر في فطورهم الطعامُ

غير أن الشاعر المصري محمود حسن إسماعيل قد أظهر في استقباله للشهر الكريم حوارًا حميما مستجليًا نفحاته حين قال:

أضيف أنت حلّ على الأنام      وأقسم أن يحيا بالصيام

قطعت الدهر جوّابا وفيّا         يعود مزاره في كلّ عام

تخيم لا يحدّ حماك ركنٌ          فكلُّ الأرض مهد للخيام

نسخت شعائر الضيفان لمّا     قنعت من الضيافة بالمقام

ورحت تسدي للأجواد شرعا   من الإحسان علِوْي النظام

بأن الجود حرمان وزهد       أعزّ من الشراب أو الطعام

يمتاز رمضان بجوّ روحاني خاص؛ ف في كثير من البلدان تنشط الحركة العلمية في رمضان وتكثر فيها حلق العلم، ويتحوّل الأدب الرمضاني إلى محطات جمالية تفوح شذىً وعبقا.

يقول أحد الشعراء عن رمضان:

بشرى العوالم، أنت يا رمضان   هتفت بك الأرجاء والأركان

لك في السماء كواكب وضاءة   ولك النفوس المؤمنات مكان

الشرق، يرقب في هلالك طالعاً    يعنو لديه، الكفر والطغيان

وبك استهام فؤاد كلّ موحد         يسمو به الإخلاص والإيمان

أما الشاعر محمد حسن فقي فيقول في قصيدة بعنوان (رمضان):

رمضان في قلبي هماهم نشوة     من قبل رؤية وجهك الوضاء

وعلى فمي طعم أحسّ بأنه         من طعم تلك الجنّة الخضراء

قالوا بأنك قادم فتهللت                 بالبشر أوجهنا.. وبالخيلاء

نهفو إليه، وفي القلوب وفي     النهى شوق لمقدمه، وحسن رجاء

رمضان ما أدري ونورك غامر قلبي فصبحي مشرق، ومسائي

نفسي تحدّثني بأنك شافع             عند المهيمن لي من الأسواء

أأخا العروبة إن دين محمد             بالعرب قام بهمّة ومضاء

أهوى بكسرى.. واستهان بقيصر      واجتاح كل عبادة عمياء

رمضان أسعدنا فإنّ سحائبا        سودا تحطّ بأرضنا السوداء

أمّا الشاعر محمد بن علي السنوسي، فيشبه رمضان بالنهر من عذوبته ونقائه حيث يقول في أبياته:

رمضان يا أمل النفوس     الظامئات إلى السلام

يا شهر، بل يا نهر ينهل        من عذوبته الأنام

طافت بك الأرواح        سابحة كأسراب الحمام

رمضان نجوى مخلص        للمسلمين وللسلام

أن يلهم الله الهداة           الرشد في كلّ اعتزام

وتمثل قصيدة لأحد الشعراء، إحدى الروائع الأدبيّة التي سجلت أحاسيس الشاعرعن فرحته برمضان حيث يقول:

رمضان بالحسنات كفّك تزخرُ    والكون في لآلاء حسنك مبحرُ

يا كوكباً أعلامه قدسية                    تتزيّن الدنيا له وتعطّر

أقبلت رُحْمى فالسماء مشاعلٌ   والأرض فجر من جبينك مسفر

هتفت لمقدمك النفوس وأسرعت     من حوبها بدموعها تستغفرُ

ومن ذلك أيضاً قول الشاعر والأديب عبد القدوس الأنصاري في قصيدته (الترحيبيّة برمضان):

فأنت ربيع الحياة البهيج       تُنضِّر بالصفو أوطانها

فأهلاً وسهلاً بشهر الصيام   يَسُلُّ من النفس أضغانَها

وقال الشاعر علي بن محمد العيسى معارضاً قصيدة شوقي:

رمضان ولّى هاتِها يا ساقي     جرعات زمزم والكِتابُ رفاقي

آيٌ من القرآن تشرح صدرنا     وحديث من يثني على الأخلاق

وقال الشاعر الدكتور عدنان النحوي:

رَمَضانُ أقْبِلْ! لم تَزلْ تهفو    إِلى لُقْياكَ أَحْناءٌ تئِنُّ وتُشْفِقُ

ويقول محمد الأخضر يمتدح هلال رمضان:

امـلأ الـدنيا شعاعـا       أيـها النـور الحبيـب

اسكب الأنـوار فيـها        مـن بعـيد وقـريـب

ذكـر النـاس عـهودا     هـي من خـير العـهود

يوم كان الصوم معنى     للتسامي والصعود

ينشر الرحمة في الأرض    على هذا الوجود

ويصوّرمحمد حسن إسماعيل مشهد الصائمين المترقبين صوت المؤذن

منتظرين في خشوع ورهبة نداءه فيقول:

جعلت الناس في وقت المغيب   عبيد ندائك العاتي الرهيب

كما ارتقبوا الأذان كأنّ         جرحا يعذبهم، تلفت للطبيب

وأتلعت الرقاب بهم فلاحوا         كركبان على بلد غريب

عتاة الأنس أنت نسخت منهم     تذلل أوجه وضنى جنوب

ونجد الشاعر أحمد مخيمر يناجي رمضان قائلا:

أنت في الدهر غرّة وعلى الأرض      سلام وفي السماء دعاء

وتسبي ليلة القدر عندهم فرحة العمر تدانت على سناها السماء

في انتظار لنورها كل ليل          يتمنى الهدى ويدعو الرجاء

وتعيش الأرواح في فلق الأشـ.......واق حتى يباح فيها اللقاء

فإذا الكون فرحة تغمر الخلـ................ق إليه تبتّل الأتقياء

وإذا الأرض في سلام وأمن         وإذا الفجر نشوة وصفاء

وكأني أرى الملائكة الأبرار            فيها وحولها الأنبياء

نزلوا فوقها من الملأ الأعلى       فأين الشقاء والأشقياء؟

وفي رمضان تتجه النفوس إلى الله بخشوع وإيمان، وفي ذلك يقول الشاعر مصطفى حمام:

حدثونا عن راحة القيد، فيحدثونــا عن نعمة الحرمان

هو للناس قاهر دون قهر، وهــو سلطانهم بلا سلطان

قال جوعوا نهاركم فأطاعوا خشّعا، يلهجون بالشكران

إن أيامك الثلاثين تمضي كلذيـــذ الأحـــــلام للوسنان

كلّما سرّني قدومك أشجاني نذير الفراق والهجـــران

وستأتي بعد النوى ثم تأتي يا ترى هل لنا لقاء ثــان؟

وفي شهر الصيام، تصوم الجوارح كلها عن معصية الله تعالى، فتصوم العين بغضها عما حرم الله النظر إليه، ويصوم اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة، وتصوم الأذن عن الإصغاء إلى ما نهى الله عنه،

ويصوم البطن عن تناول الحرام، وتصوم اليد عن إيذاء الناس،

والرجل تصوم عن المشي إلى الفساد فوق الأرض.

ويؤكد أحمد شوقي ذات المعنى فيقول:

يا مديم الصوم في الشهر الكريم   صم عن الغيبة يوما والنميم

ويقول أيضا:

وصلّ صلاة من يرجو ويخشى    وقبل الصوم صم عن كل فحشا

ولقد ذمّ بعض الشعراء ذلك الصنف من الموسرين البخلاء في رمضان

والذين لم يعودوا أنفسهم على الجود والكرم والعطاء،

يقول علي الجارم الذي نزل ضيفا عند أحد البخلاء فهجاه بقوله:

أتى رمضان غير أن سراتنا              يزيدون صوما تضيق به النفس

يصومون صوم المسلمين نهار هو صوم النصارى حينما تغرب الشمس

أماّ حلوى رمضان الخاصة مثل القطائف والكنافة، فيقول فيها الشاعر المصري الفاطمي ابن نباتة:

قول وقد جاء الغلام بصحنه           عقيب طعام الفطر يا غاية المنى

بعيشك قل لي جاء صحن قطايف           وبح باسم من أهوى ودعني من الكنا

ويقول:

رعى الله نعماكَ التي من أقلها                قطائف من قطر النبات لها قطر

أمدّ لها كفي فاهتزّ فرحـــة                   كما انتفض العصفور بلله القطر

ومن أناشيد الترحيب برمضان هذا النشيد الجميل لقائله:

طَلَعَ الـهِـلالُ عَلَى الحِمَى

وَالكَــــــونُ فَاضَ تَبَسُّمَا

وَ القَلْــــــــبُ زَادَ تَرَنُّمَا:

 أَهْلاً أَيَا شَهْـرَ الـهُـدَى

يَا خَيرَ شَـهْـرٍ يُرْتَجَى

  فِيهِ التُّقَى بَعْدَ الدُّجَى

فِيهِ الكِتَابُ مُنَزَّلٌ

  لِلْخَيرِ يُرْسِي المَنْهَجَا

فِيهِ الـجِنَانُ لَنَا بَدَتْ

 وَ النَّارُ فِيهِ أُوصِدَتْ

والجَانُ فِيهِ صُفِّدَتْ

  والرُّوحُ بِرًّا عُبِّدَتْ

فِي فِطْرِنَا وسُحُورِنَا

وقِيَامِنَا وَ بُكُورِنَــــا

وقُلُوبِنَا وَ شُعُورِنَــا

عُدْنَا كَنَفْسٍ وَاحِدَه

كُنْ صَائِماً مُتَعَبِّــدَا

كُنْ قَائِماً مُتَهَجّــِدَا

ولِكُلِّ صَاحِبِ فَاقَةٍ

كُنْ مُطْعِماً مُتَـــوَدِّدَا

اُدْعُ الإلَـــهَ بِلا كَلـــَلْ

يَمْحُ الخَطَايَا والزَّلَـــلْ

في لَيلَةِ القَدْرِ الَّتــــي

فَازَ الَّذِي فِيهَا ابْتَهَلْ

يَا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَـــا

وَاقْبَلْ بِـــهِ أَعْمَـــالَنَــــا

وَاجْعَلْ رِضَاكَ مَآَلَنَـــا

وَالْطُفْ بِنَا طُولَ الـمَدَى

وكان لرمضان في السرديات القديمة، والحديثة مكانة كبيرة، فقد اتخذت بعض الأعمال الروائية رمضان زمانا تجري فيه الشخصيات منها: "الشمندورة" للروائي المصري محمد خليل قاسم، ورواية "خان الخليلي" لنجيب محفوظ، كما سجل عميد الأدب العربي طه حسين بعضًا من ذكرياته في كتبه، وقد ورد في كتب الرحّالة الغربيين والمستشرقين وصف لأحوال الناس وعاداتهم الاجتماعية في هذا الشهر كثير ومنهم: الرحالة الإيطالي برنار دي بريد باخ، والرحالة الفرنسي جان باليرن، والرحالة الفرنسي فيلامون، والرحالة التركي أوليا جلبي، وكتب البريطاني إدوارد لين عن رمضان قائلا «والليلة التي يتوقع أن صبيحتها رمضان تسمى ليلة الرؤية، فيرسل عدد من الأشخاص الموثوق بهم إلى أميال في الصحراء، حيث يصفو الجو لكي يروا هلال رمضان».

ويرسم عميد الأدب العربي طه حسين صورة أدبية للحظات الإفطار فيقول:

«فإذا دنا الغروب وخفقت القلوب وأصغت الأذان لاستماع الآذان

وطاشت نكهة الطعام بالعقول والأحلام، فترى أشداقا تنقلب وأحداقا تتقلب بين أطباق مصفوفة وأكواب مرصوفة، تملك على الرجل قلبه وتسحر لبه بما ملئت من فاكهة وأترعت من شراب،

الآن يشق السمع دوي المدفع، فتنظر إلى الظماء وقد وردوا الماء،

وإلى الجياع طافوا بالقصاع، تجد أفواها تلتقم وحلوقا تلتهم وألوانا تبيد وبطونا تستزيد، ولا تزال الصحائف ترفع وتوضع والأيدي تذهب

وتعود وتدعو الأجواف قدني.. قدني، وتصيح البطون قطني.. قطني،

ومع تعدد أصناف الطعام على مائدة الفطور في رمضان

فإن الفول المدمس هو الصنف الأهم والأكثر ابتعاثا للشهية......

يقول أمير الشعراء أحمد شوقي في كتابه "أسواق الذهب" عن رمضان:

"حرمان مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوع لله وخضوع لكل فريضة حكمة، وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة، يستثير الشفقة، ويخص على الصدقة، يكسر الكبر، ويعلم الصبر، ويسن خلال البر، حتى إذا جاع من ألف الشبع، وحرم المترف أسباب المتع، عرف الحرمان كيف يقع، والجوع كيف ألمه إذا لذع".....

اللغة في حياتنا

 

بسم الله الرحمن الرحيم

لغة القرآن الكريم، واللهجات؟

وعلاقة ذلك بالقراءات...!

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفصح من نطق بالضاد، وعلى خير من نسبت إليه أمة امتازت ببيانها، وببلاغة قرآنها الذي نزل على نبيّه الأمين بلسان عربي مبين، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"

  • ما اللهجة ، وما الحرف ، وما الفرق بين اللهجة ،واللغة؟
  • ما الغاية من تعدد اللهجات؟
  • هل راعى القرآن الكريم اللهجات؟
  • لهجة بني تميم وأثرها في القرآن الكريم......

بحث العلماء في ألفاظ القرآن الكريم فوجدوا أنه قد ضمّ ألفاظا من معظم ألفاظ القبائل، وهذا يومئ إلى غاية نبيلة قصد إليها النبيُّ الكريم هي توحيد العرب، وجعل القرآن كتابا تجد فيه كلُّ قبيلة من ألفاظَها الخاصّة بها ، ثمّ إيجاد لغة رسمية موحّدة للعرب جميعا هي تلك اللغة الكاملة....

كما وجدوا أنّ ألفاظ القبائل الجنوبية (القحطانية) -مع كثرتها -أقل في القرآن من ألفاظ القبائل الشمالية ( العدنانية)...

 ذهب النحاة إلى أن لغة تميم هي الأقْيَس؛ لأنّ (ما) حرف غير مختص بالأسماء ، لدخوله على الاسم ، نحو : "ما زيد قائم " وعلى الفعل ، نحو : " ما يقوم زيد " والأصل في كلّ حرف لا يختصّ أنه لا يعمل .

ولم أجد فيما اطلعت عليه من الكتب المختصة بحروف المعاني كالجنى الداني ومغني اللبيب ، وفيما اطلعت عليه من شروح الألفية كأوضح المسالك لابن هشام وشرحَيْ: ابن عقيل والمرادي ، ومن شرح الشروح كالتصريح للأزهري ، ومن الحواشي كحاشيتي الأشموني والصبّان ، ومن كتب إعراب القران ككتاب إعراب القرآن لمحيي الدين الدرويش ما يصف لغة الحجاز بالأفصح ، أو ما يعلل سبب هذه الفصاحة ، وجملة ما ذكروه : شروط إعمالها عمل ليس ، وسبب هذا الإعمال، وهو مشابهتها ليس في كونها لنفي الحال غالبا ،وقد ذكر بعضهم ( ابن هشام والمرادي )أن القرآن الكريم قد نزل بلغة أهل الحجاز ، قال تعالى : ( ما هذا بشراً ) ..

وقال: (ما هن أمهاتِهم ) وقد يرجع وصفها بأفصح اللغتين - والله أعلم - إلى أن القرآن الكريم - وهو أفصح الكلام وأبلغه - قد جاء بها .

طالما أنّ الحديث في (ما ) الحجازيّة والتميميّة ، فإليكم لطيفة ذكرها بعض النحاة تتعلق بأحد أذكياء بني تميم :سأل أحد النحاة غلاما قائلا له:

 (انـتسبْ(  يقصد من أيِّ القبائل أنت؟

 فأجابه الغلام قائلا: ما قَتْلُ الْمُحِبِّ حَرَامُ

فقال السائل : ومهفهف الأطراف قلتُ له: انتسبْ .. فأجاب ما قتلُ المحبِّ حرامُ ؛ واللبيب بالإشارة يفهم....

ما اللهجة ، وما الحرف ، وما الفرق بين اللهجة ،واللغة؟:اللهجة هي مجموعة الصفات اللسانية، التي تنتمي إلى بيئة اجتماعية معينة، يشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه البيئة ومحيطها، وهو جزء من وسط أوسع وأشمل، وتضم عدة لهجات، ولكل واحدة منها خصائصها المنفردة، أمّا قديمًا، فكان يطلق العرب على اللهجة لغة، ولم تستعمل اللهجة بمعناها الاصطلاحي، إلا حديثا فكان يقال: لغة القبيلة، بدلا من لهجة القبيلة كلغة قريش، لغة تميم، وهكذا، وما العلاقة بين اللغة واللهجة، إلا كالعلاقة بين الأصل والفرع حيث تشتمل اللغة عادة على مجموع لهجات القبائل، لكل منها ما يميزها من شقيقاتها في اللهجات الأخرى، لكنّها جميعا لها صفات لغوية عامة مشتركة. ويطلق لفظ حرف في اللغة على عدة أوجه، منها ذروة الشيء أو أعلاه، أو على شفرة السيف أو حدّه، ويطلق على حرف الهجاء، وعلى اللهجة، وهو المناسب لموضوعنا الذي نحن بصدده..

*هل راعى القرآن الكريم اللهجات ؟- في القرآن الكريم مراعاة للهجات وللتخفيف على القبائل ومراعاة لهجاتها المختلفة، كان الرسول صلى الله عليه وسلم، يتلو مفردات القرآن الكريم، بلهجات متعددة تيسيرًا على أهل تلك القبائل في تلاوته، وكان يحدث أن أحد الصحابة يقرأ آيات بلهجة سمعها من الرسول صلى الله عليه وسلم شِفاهًا، في حين قد سمع غيره نفسه الآيات، أو السورة كاملة بلهجة أخرى تغاير اللهجة الأولى، على نحو ما رُويَ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إذْ سمع هشام بن حكيم بن حزام، يتلو سورة الفرقان في الصلاة، على غير ما حفظ، وكاد أن يأخذ بتلابيبه، لكنه تريث حتى فرغ من صلاته، وذهب به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم قال لحكيم: "اقرأ، فقرأ، فقال هكذا أنزلت، ثم أقرأ عمر - رضي الله عنه -، فقرأ، فقال هكذا أنزلت"، ثم قال: "إن القرآن نزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسّر منه" وهو لا يقصد بالسبعة أحرف عددًا معينًا، إنما يريد كثرة الحروف واللهجات، التي نزل بها القرآن الكريم، وتسهيلًا على العرب، إن ينطقوا من كلماته بلهجاتهم، ما لم يمكنهم أن ينطقوه بلغة قريش، ولهجاتها الخاصة، وأخذ هو نفسه يصنع ذلك تيسيراً وتسهيلاً. كما في الحديث الشريف: " لَيْسَ مِنْ ‏امْبِرِّ ‏امْصِيَامُ فِي ‏امْسَفَرِ " وهي لغة بعض العرب  في غير هذا الموضع، وهكذا نجد، أن القرآن الكريم قد ضم ألفاظًا من معظم لهجات القبائل العربية، تجد فيه كل قبيلة من مفرداتها وتراكيبها اللغوية التي انفردت بها دون سواها من القبائل الأخرى....

* - ما الغاية من تعدد اللهجات؟ أمّا الحكمة في إنزال القرآن على هذه اللهجات المختلفة، فهي أن للعرب الذين نزل القرآن بلسانهم يلوكون لغات عدة، ولهجات متباينة ،ويتعذر على الواحد منهم أن ينتقل من لغته الأم التي درج عليها، ومرن لسانه على التخاطب بها منذ نعومة أظفاره، وصارت جزءا من سجاياه، واختلطت بلحمه ودمه، بحيث لا يمكن الابتعاد عنها بأي حال من الأحوال ولو عن طريق التعليم والتدريب، وبخاصة للرجل المسن والمرأة العجوز، فلوكلّفهم الله تعالى، العدول عن لهجتهم التي فطروا عليها، والانتقال عنها، واتباع لهجة أخرى، لشقّ عليهم غاية المشقة، ولكان من قبيل التكليف بما لا تطيقه طبيعتهم النفسية، وطاقتهم الإنسانية. فاقتضت رحمة الله بعباده أن يخفف عليهم، وأن ييسر لهم حفظ كتباهم العزيز، وتلاوة دستورهم الإلهي، وأن يحقق لهم أمنية نبيهم، حيث أتاه جبريل عليه السلام، فقال له: "إنّ الله يأمرك تقرئ أمتَك القرآنَ على حرف".فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أسأل الله معونته، فإن أمتي لا تطيق ذلك".وما زال رسول الله يردد المسألة ويلح في الرجاء، حتى أذن الله له أن يقرئ أمته على سبعة أحرف، بدلًا من حرف واحد. فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم، يُقرئ كلَّ قبيلة بما يتوافق ولغتها ويناسب لهجتها ، وقاعدة اللهجات أو القراءات هي: كل قراءه طابقت أوجه اللغة العربية، ووافقت رسم أحد المصاحف المعتمدة مثل العثماني، أي بمعنى أن تكون ثابتة ولو في بعضها، كقراءة: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [آل عمران: 133] بحذف الواو التي قبل السين، فهذه القراءة ثابتة في مصحف الشامي، وكقراءة: {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} الواردة في الموضع الأخير من سورة التوبة، بزيادة لفظ " من " قبل تحتها، فهي ثابتة في المصحف المكي، وهكذا...أو أن تكون القراءة موافقة المصاحف العثمانية، وقد تكون تحقيقية كقراءة ( ملك يوم الدين )في سورة الفاتحة، بحذف الألف فيها. وأن تكون ثابتة بطرق التواتر، وهذا أهم أركانها، والتواتر هو ما نقله جماعة لا يمكن تواطؤهم على الكذب، وعن جماعة قبلهم كذلك، من أول سند إلى منتهاه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، واللهجات عموما، أو الحروف السبعة: قد وقع بعض الخلاف بين العلماء في ماهية الحروف السبعة، وكان في ذلك ضروب شتّى من التأويل سنختار منها ما خلص إليه الإمام أبو الفضل الرازي في "كتابه اللوائح"، وهو أن المراد بهذه الأحرف التي وقع فيها هذا التباين والتضاد، لا تخرج عن كونها سبعة لغات، ميزت اللهجات العربية بعضها من بعض، ونورد هنا أوجه الاختلاف كما جاءت في أكثر الدراسات التي تناولت هذا الموضوع بالبحث والإفاضة، وقد استوحت مادتها من الكتاب العزيز والسنة المطهرة، وهي بمجملها لا تخرج عن الأطر الآتية:

1- اختلاف الأسماء: من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث، مثال قوله تعالى: {والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون}.قرىء لأمانتهم بالإفراد والجمع، وقوله: {يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم} بياء التذكير وتاء التأنيث..

2- اختلاف تعريف الأفعال: من ماض ومضارع وأمر، ومثال ذلك قوله تعالى: {فقالوا ربّنا باعد بين أسفارنا} قرئ ربنا بفتح الباء على أنه منادى وباعد بكسر العين وإسكان الدال، على إنه فعل أمر، أو دعاء، وقرئ برفع باء ربنا على أنه مبتدأ، وباعد بفتح العين والدال على أنه فعل ماض، والجملة خبر مبتدأ..

3- اختلاف وجوه الإعراب: مثل قوله تعالى: {لا تضار والدة بولدها} قرئ بنصب الراء ورفعها..

4- الاختلاف بالنقص والزيادة: مثل قوله تعالى: {وما عملته أيديهم} قرئ عملته بحذف الهاء وإثباتها، وفي قوله تعالى: {وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار} قرئ بزيادة من....

5- الاختلاف في التقديم والتأخير: مثل قوله تعالى: {وقاتلوا واقتلوا } قرئ بتقديم قاتلوا على اقتلوا، وترى العكس....

6- الاختلاف بالإبدال: مثل قوله تعالى: {وانظروا إلى العظام كيف ننشزها} قرئ بالزاي المعجمة والراء المهملة، ومثل قوله: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا} وقرئ: {عند الرحمن}، ومثل قوله تعالى: {فتبينوا} +قرئ {فتثبتوا}..

7- اختلاف اللهجات: كالفتح والإمالة "الكسر" أو الإدغام والإظهار والإخفاء، والتفخيم والترقيق والتسهيل والتحقيق، والإبدال إلى غير ذلك من اللهجات، التي اختلفت فيها لهجات قبائل العرب، ويؤخذ من هذه الشروح أن جميع القراءات متساوية في الأهمية، كونها حقّا وصوابا، فمن قرأ بأي قراءة منها، فهو على الطريق الصحيح، ويؤخذ هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فأيّما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا» [صحيح مسلم: 821].* - فما معنى حرف؟:يطلق لفظ حرف في اللغة على عدة أوجه، منها ذروة الشيء أو أعلاه، أو على شفرة السيف أو حده، ويطلق على حرف الهجاء، وعلى اللهجة، وهو المناسب لموضوعنا الذي نحن بصدده، وقد وردت آراء كثيرة حول هذا الموضوع، تفسّر، وتفنّد معنى الحروف السبعة أو القراءات أو اللغات السبع، وهي لهجات قبائل العرب.. على معنى أن القرآن نزل بلغة قريش، وبعضه بلغة كنانة، وأسد، وهذيل، و تميم، وقيس عيلان، وبعضه بلغة أهل اليمن، وتبنّى هذا الرأي أبو عبيدة بن سلام وابن عطية وآخرون، ودليلهم على عدم معرفة بعض الصحابة لبعض ألفاظ القرآن إلّا من بعض الأعراب، لذا يقال: إنّ كلمة فاطر الواردة في القرآن، كما في قوله تعالى: {فاطر السماوات والأرض}. لم يكن معناها معلومًا محددًا، حتى سمع حديث أعرابي يقول في بئر له نوزع فيها: " بئري أنا فطرتها " أي التي حفرتها وصنعتها، فكان هذا الكلام موحيًا بمعنى كلمة " فاطر " أي خالق السماوات والأرض وصانعها هو الله سبحانه وتعالى، وهناك لهجات كثيرة نسبت لبعض القبائل، فقد قالوا :إن بني مازن كانوا يبدلون من ميما نحو قولهم: مسمك بدلاً مَن أسمكَ؟، ويقولون: بكة بدلاً من مكة وهكذا ، من نتائج اختلاف القراءات:الغاية من نزول القرآن على هذه الهيئات من الحروف، بحسب بعض الآراء:التهوين والتيسير على الأمة، والتوسعة عليها في قراءاتها للقرآن الكريم، كما تدل على ذلك الأحاديث النبوية الواردة في هذا المقام، ومنها:1- إثراء التفسير والأحكام الشرعية وتعدد الأحرف، لأن تعددها يترتب عليه تعدد المعاني وتزاحمها على سبيل الإثراء، والتأكيد على مدى التعارض أو التناقض.2- إظهار كمال الإعجاز بغاية الإيجاز؛ لأن كل حرف مع الآخر بمنزلة الآية مع الآية، في دلالتها وفيما شملت عليه.3- وتفيد بعض اختلاف القراءات في فهم معان فرعية كثيرة، وتوجيه بعض المعاني وجهة جديدة، ومنها استناد الفقهاء المجتهدين في استنباط أحكام فقهية مختلفة، وهذه الخلافات أكسبت الفقه الإسلامي مرونة وسعة، وكل ذلك جائز ومستساغ ما دامت الرواية صحيحة - الخلاصة: إن تنوع القراءات أو اللهجات أو الحروف، يقوم مقام تعدد الآيات، وذلك نوع من ضروب البلاغة والإعجاز، يضاف إلى ما في تشكل القراءات من براهين دامغة وأدلة صادقه، تفيد أن القرآن الكريم هو كلام الله المنزل على نبيه، وأن الاختلاف في تنوع القراءات مع كثرتها، لا تؤدي إلى تناقض وتضارب، ولا إلى تهافت أو تخاذل، بل إن القرآن كله وعلى تعدد لهجاته، يصدق بعضه بعضًا، ويشهد بعضه لبعض، على نمط واحد من الأسلوب والتعبير، وهدف واحد من سمو الهداية والتعليم، ولا شك في أن ذلك يفيد تعدد الإعجاز بتعدد الأوجه واللهجات والقراءات.ولما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، طلب أبو بكر من زيد أن يكتب القرآن كله على الترتيب الذي تلقاه هو ومن معه من الحفظة، عن الرسول صلى الله عليه وسلم، بذات الألفاظ ، والحروف واللهجات،  والصورة في العرضة الأخيرة التي تدارس فيها القرآن مع جبريل عليه السلام بعد إتمامه، وكتب زيد ومن أسهموا معه هذا العمل الجليل على قطع من الأدم " الجلد " وغيرها، وحفظ صحفه عند أبي بكر حتى توفي، ثم عند عمر رضي الله عنه حتى انتقل إلى بارئه، ثم عند ابنته حفصة أم المؤمنين.وهكذا، لم يعد القرآن الكريم موضوعًا للدراسات الشرعية واللغوية التقليدية التي تناوله فيها العلماء من كل جانب فحسب، بل صارت الآن موضوع دراسات لسانية وصوتية حديثة، بما تمنحه قراءاته المختلفة من فرص لمعرفة لهجات العرب التي نطق بها القرآن الكريم، وساير بها ألسنتهم المختلفة، وقد بادت تلك اللهجات كلها أو جلها واندثرت وذهبت بذهاب الناطقين بها، لولا ما سجله العلماء قديما من مختلف القراءات والاستدلال عليها بلهجات القبائل، أو لغاتهم ولحونهم، لما أمكننا اليوم معرفة الفروق الدقيقة، بين لهجات تلك القبائل التي عاصرت نزول الوحي، أو معرفة وجوه الاختلاف بين علماء اللغة، فيما يذهبون إليه من أقوال يعللون بها ما يثيرونه من مسائل نحوية أو صرفية، وشروح وشواهد أدبية وشعرية....

مستشارك اللغوي

الفرق بين الصوم والصيام، ومعدودة ومعدودات، وطاقَ وأطاق، ونزل، وأنزل....

لو نظرنا إلى وزن لفظ "صيام" يزيد في مبناه (فِعال) على لفظ "صوم" (فَعْل)، وبموازاة ذلك فإنّ الدلالة الشرعية التي أعطاها الله لفريضة "الصيام" تزيد في المعنى على ما يدلّ عليه لفظ الصوم لغويّا، فالصوم إمساكٌ عن شيء مخصوص، أما الصيام فهو هذه الأحكام التي تشكّل مجتمعةً فريضة الصيام، ولهذا كان التعبير عنها في كتاب الله..  يقول الدكتور فاضل السامرائي:"هذا كلام طويل بين اللغويين الذي يبدو لي الترادف عندما يكون من لغتين أما في اللغة الواحدة فليس فيها ترادف، لغة تسمي سكين، ولغة تسميها مدية، هاتان لغتان، اللهم إلا إذا كانت تراكم اللغة بالاتصال والتأثير والتأثر أما في أصل اللغة فلا أظن أن هناك ترادفاً وكل كلمة وضعت لغرض حتى لو كان هناك تقارب كبير ولكن ليس ترادفاً. في القرآن الكريم، حتى لو جاء من لغتين فلا يستعملها مترادفتين. القرآن الكريم الكلمة الواحدة أحياناً يجري فيها تغيير لغرض بما يتناسب مثل توفاهم وتتوفاهم الكلمة نفسها حذف في واحدة والعرب يحذفون. الكلمة نفسها لكن لا يفعل ذلك إلا لغرض، لا يقول توفاهم بمعنى تتوفاهم ولا يستعمل تتذكرون مثل تذكّرون. أما نزل وأنزل فالبناء مختلف (أنزل أفعل ونزّل فعّل) وأفعل غير فعّل، أفطر غير فطّر لكن الكلمة واحدة. تستطع وتسطع، (وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ (2) النساء) الكلام عن اليتامى وفي آية أخرى (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ (52) الأحزاب) ما قال تتبدل. هذا الفرق في القرآن له غرض ويمكن أن نفرد له حلقة خاصة. كلمة ريح ورياح لها خصوصية في الاستعمال القرآني فالقرآن يستعمل الغيث مثلاً في الخير والمطر في الشر، هذه حالة خاصة بالقرآن وليس بالغة العربية. الصوم الصيام في القرآن لا يستعمل في العبادة إلا الصيام (كتب عليكم الصيام) والصوم في الصمت وليس في العبادة (إني نذرت للرحمن صوماً) أما في الحديث فيستعمل الصوم للعبادة (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)" إذاً ليس في القرآن الكريم كلمات مترادفة أبدا، فعندما يذكر كلمة (صيام) بالياء، فهو لا يقصد (صوم) بالواو. فـ(الصيام) هو الامتناع عن الطعام والشراب، وباقي المفطرات من الفجر حتى المغرب، أي فريضة (الصـيام) المعروفة خلال شهر رمضان. أما (الصوم): فيخص اللسان وليس المعدة، وخاصة قول الحق، سواء في رمضان أو غيره. وقال تعالى «يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام»، ولم يقل: «كتب عليكم الصوم». أي أن (الصوم) يكون على مدار العام، أما (الصيام) فيقصد به شهر رمضان. والدليل على أن الصوم ليس له علاقة بالطعام والشراب، ما ورد في القرآن: «فكلي واشربي وقرّي عيناً، وإما ترينّ من البشر أحداً فقولي إنّي نذرت للرحمن صوماً». أي أن مريم عليها السلام نذرت (صوما) وهي تأكل وتشرب. إلا أن (الصيام) منفردا دون أن يرافقه (الصوم) لا يؤدي الغرض المطلوب لحديث الرسول الكريم «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه». أي لابد من الجمع بين (الصوم) و(الصيام) في شهر رمضان. والأهم هو فهم الحديث القدسي: «كلّ عمل ابن آدم له إﻻ‌ً الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به». ونلاحظ أنه ذكر (الصوم) ولم يقل (الصيام)، لأنه بـ(الصوم) تصبح حياة الإنسان أكمل وأفضل.

وردت الصفة { معدودة } بصيغة الإفراد في ثلاث آيات في القرآن الكريمº الأولى قوله تعالى: { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } (البقرة:80) والثانية قوله تعالى: { ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة } (هود:8) والثالثة قوله تعالى: { وشروه بثمن بخس دراهم معدودة } (يوسف:20) ووردت هذه الصفة بصيغة الجمع { معدودات } في ثلاث آيات أيضًا، ياما معدودة أي قليلة ولكن غير معلوم وصفها أو عددها او وقتها من العام . أما أياما معدودات معلوم وصفها وعددها ووقتها من العام (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) ومعلوم انها ايام التشريق الثلاث وقال سبحانه وتعالى عن رمضان أياما معدودات لأنه معلوم وصفها وعددها ووقتها من العام وردت جميعها وصفًا لـ (أيام) الأولى قوله تعالى: { أياما معدودات } (البقرة:184) وردت بعد الحديث عن فرضية صيام رمضانº والآية الثانية قوله تعالى: { واذكروا الله في أيام معدودات } (البقرة:203) والثالثة قوله سبحانه: { ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات }

 (آل عمران:24) والحديث هنا مقصور على المواضع التي جاءت فيه هذه الصفة - مفردة أو جمعًا - صفة لـ (أيام) فنقول:

قد استشكل وصف (أيام) بـ { معدودات } لأن { أياما } جمع ( يوم ) وهو مذكر، و{ معدودات } واحدها { معدودة } وهو مؤنث، فكيف تقع صفة له ؟ هذا أولاً، وأيضًا لقائل أن يقول: لِمَ كانت الأولى: { معدودة } والثانية:

 {معدودات} والموصوف في المكانين موصوف واحد، وهو { أياما } ؟ والجواب على هذا الإشكال يُعرف بالرجوع إلى كتب التفسير أولاً.

 - يجيب الإمام الرازي على هذا الإشكال، فيقرر أصلاً في المسألة، حاصله: أن الاسم إن كان مذكرًا، فالأصل في صفة جمعه، أن يُجمع

 بـ ( التاء ) المربوطة، فأنت تقول: كيزان مكسورة، وثياب مقطوعة والأولى جمع ( كوز ) وهو مفرد مذكر، والثانية جمع ( ثوب ) وهو مفرد مذكر أيضًا، وجاءت صفة جمعهما بـ ( التاء ) المربوطة، إذ هو الأصل في مثل هذه الجموع أما إن كان الاسم مؤنثًا، فالأصل في صفة جمعه، أن يُجمع بـ ( الألف ) و( التاء ) المبسوطةº فأنت تقول مثلاً: جرار مكسورات، وخوابي مكسورات، والأولى جمع ( جرة ) والثانية جمع ( خابية ) وجاءت صفة جمعهما بـ ( الألف ) و( التاء ) المبسوطة. فهذا الأصل في هذه المسألة، كما يقرره الرازي .

بعد أن قرر الرازي هذا الأصل، رأى أن هذا الأصل ليس مطردًا دائمًا، بل قد تأتي صفة الجمع، لما كان واحده مذكرًا بـ (الألف ) و( التاء ) المبسوطة في بعض الصور،  ورأى أن ذلك يأتي نادرًا في اللغة، وهو - حسب رأيه على خلاف الأصل - نحو ( حمَّام ) يُجمع على ( حمامات ) و( جمل ) يُجمع على ( جمالات ) وحَمَل قوله تعالى: { أياما معدودات } في مواضعه الثلاثة على أنه جاء به القرآن على خلاف الأصل، وحسب تعبيره: بما هو الفرع، أما قوله تعالى: { أياما معدودة } فجاء وفق الأصل. هذا حاصل جواب الرازي على هذا الإشكال.

 إذا أمعنا النظر فيما أجاب عنه الرازي على هذا الإشكال، وجدت أن في النفس منه شيئًا وذلك أنه جعل قواعد اللغة هي الأصل، وقاس عليها ما جاء في القرآن، والحق الذي ينبغي أن يقال في مثال هذا: إن ما جاء في القرآن الكريم هو الأصل الذي ينبغي أن تبنى عليه قواعد اللغة، ويُخرَّج عليه ما هو أصل وما هو فرع، وما هو قاعدة وما هو استثناءº ولأجل هذا المأخذ، نرى أن ما ذهب إليه أبو حيان في هذه المسألة أصوب مسلكًا، وأقوم منهجًا وإليك حاصل رأي الأخير في الجواب على هذه المسألة .

- يذهب أبو حيان إلى أن صفة الجمع الذي لا يعقل - وهو في مسألتنا

 ( أيام ) - تأتي على وجهين فالجمع تارة يعامل معاملة الاسم المؤنث المفرد، فتأتي صفته بـ ( التاء ) المربوطة وتارة يعامل معاملة جمع المؤنث السالم، فتأتي صفته بـ ( الألف ) و( التاء ) المبسوطة، فمثال ما عومل معاملة الاسم المؤنث المفرد، قوله تعالى: { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } (البقرة:80) حيث جاءت الصفة هنا { معدودة } معاملة الاسم المؤنث المفرد، ومثال ما عومل معاملة جمع المؤنث السالم، قوله تعالى:

{ ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات } (آل عمران:24)

فـ { معدودات } جمع لـ { معدودة } وعوملت هنا معاملة جمع المؤنث السالم مع أنه لا يصح لك، ولا يستقيم لغة أن تقول: يوم معدودة، إنما الصواب أن تقول: يوم معدودº لأنه مذكر، لكن جاز ذلك في جمعه، فهما طريقان فصيحان لغةº كما تقول: جبال شامخة، وجبال شامخات، وأعمدة راسخة، وأعمدة راسخات. فتجعل صفة جمع التكسير للمذكر الذي لا يعقل، تارة كصفة الاسم المؤنث المفرد، وتارة كصفة جمع المؤنث السالم. فكما تقول: نساء قائمات، كذلك تقول: جبال راسيات. قال أبو حيان : وذلك مقيس مطرد فيه، أي: هذان الطريقان صحيحان، ومستقيمان في لسان العرب .

ف أبو حيان - كما ترى - يجعل كلا الاستعمالين صحيحين فصيحين ومستقيمين لغة، ويفيد قوله أن كلا الاستعمالين مسموع في كلام العرب، والقرآن جاء على وفاقهما، فمرة جاء بهذا، وتارة أتى بذاك. فليست المسألة - وَفقَ أبي حيان - مسألة أصل وفرع، وإنما المسألة بمسلكيها أصل برأسه .

أمّا الشيخ ابن عاشور - رحمه الله - فقد وافق أبا حيان فيما ذهب، ولم يعرج على قول لغيره، بَيدَ أنه رأى في المسألة تحقيقًا، غفل عنه أبو حيان، ينبغي أن يُلتفت إليه، فقال بعد أن ذكر قول أبي حيان في المسألة: " ويظهر أنه ترك فيه تحقيقًا، وذلك أن الوجه في الوصف الجاري على جمع مذكر إذا أنثوه، أن يكون مؤنثًا مفردًا؛ لأن الجمع قد أُوِّل بالجماعة، والجماعة كلمة مفردة، وهذا هو الغالب. غير أنهم إذا أرادوا التنبيه على كثرة ذلك الجمع، أجروا وصفه على صيغة جمع المؤنثº ليكون في معنى الجماعات، وأن الجمع ينحل إلى جماعات كثيرة، ولذلك فأنا أرى - والكلام ل ابن عاشور - أن {معدودات} أكثر من { معدودة } ولأجل هذا قال تعالى: { وقالوا لن تمسسنا النار إلا أياما معدودة } (البقرة:80) لأنهم يقللونها غرورًا أو تغريرًا، وقال هنا { معدودات } لأنها ثلاثون يومًا، وهذا مثل قوله في جمع ( جمل ) { جمالات } (المرسلات:33) على أحد التفسيرين، وهو أكثر من ( جِمال ). هذا نص كلام ابن عاشور تقريبًا.

فابن عاشور لم يتوقف في المسألة عند القول: إنها من باب الأصل والفرع، كما ذهب إلى ذلك الرازي، ولم يتوقف في المسألة أيضًا عند قول أبي حيان - على صوابه - من أن الوجهين صحيحان لغة، ومستقيمان لسانًا ويذهب في الأمر أبعد من ذلك، ويرى أن المسألة لا ينبغي أن يوقف بها عند قواعد اللغة فحسب، بل ينبغي أن تفهم فهمًا أبعد من ذلك، فهمًا يقوم على أساس فقه اللغة وأسرارها. ولأجل هذا الملحظ، يرى ابن عاشور في المسألة معنى زائدًا وكاشفًا عن مقصود المغايرة بين اللفظين القرآنيين. ويقوَّي ما ذهب إليه ابن عاشور القاعدة البلاغية التي تقول: إن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى؟

هذا، ولم تخرج كتب النحو واللغة عما تقرر ذكره آنفًا، فهي تقول في هذا: يجوز أن يُنعت جمع غير العاقل بمفرد مؤنث، فأنت تقول: زارني فلان قبل أيام معدودة، أو أيام معدودات، وتقول أيضًا: ليس حول دمشق جبال شاهقة، أو جبال شاهقات. فجاء الوصف في كلا المثالين ونحوهما تارة بصيغة المفرد، وأخرى بصيغة الجمع. فدل على أن كلا الاستعمالين صحيحان لغة وفصيحان لسانًا. وبهذا يُعلم أن اللفظ القرآني في موضعيه، قد جاء على وَفق اللغة وقواعدها.

-ما الفرق بين المعنى قوله تعالى في سورة الإسراء (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل) وفي سورة القدر(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ )؟

الفرق ليس في المرتبة، هنا عندنا فعل أنزل، ونزل، أنزل فعل متعدٍ ونزل فعل لازم (نزل من تلقاء نفسه)، وهناك فرق بين أنزل ونزّل، قسم يقولون أنزل أي كله جملة واحدة ونّزل منجماً لكن قسم من النحاة ردوا على هذا القول وقالوا ربنا تعالى قال (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً (32) الفرقان). وقسم قالوا أنزل عام ونزّل خاص. قسم قالوا عموماً أنزل يكون لما أُنزل جملة واحدة ونزّل بالتدريج ولذلك قالوا أنزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا دفعة واحدة.

يقولون: الإنزال عام لا يخصّ التدرج أو غير التدرج لكن التنزيل هو الذي يخص التدرج، نزّل الذي فيه التدرج (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) القدر) أنزلناه من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا جملة واحدة، هناك مراحل لنزول القرآن الكريم من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم نزل منجماً. لكن الذي يبدو أن الفرق بين نزّل وأنزل أنه نزّل تفيد الاهتمام نظير وصّى وأوصى وكرّم وأكرم ففي المواطن التي فيها توكيد، واهتمام بالسياق يأتي بـ (نزّل) التي دونها يأتي بـ (أنزل). إذاً نزّل آكد وأقوى في موطن الاهتمام أشد من أنزل .....

 الفرق بين يَطيق، ويُطيق....الأولى من طاق، والثانية من أطاق، فالفعل طاق بمعنى تحمّل، وله قدرة على التحمّل ، وأطاق همزة السلب أعطتها عكس المعنى ، مثل قسط وأقسط....

(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) كلمة يطيقونه فيها كلام قسم قال المقصود في بدء فرض الإسلام عند بداية الفريضة أنهم لم يكونوا متعودين على الصوم فمن شاء يصوم ومن شاء يفدي في زمن الرسول، لمّا نزلت هذه الآية كأنهم فهموا أنهم مخيّرون بين الصوم والافطار. ما المقصود بـ (يُطيق)؟ قسم قالوا: هذه الآية نسخت؛ لأنه فعلاً في أول الإسلام كانوا مخيرين من شاء يفطر، ويفدي ومن شاء يصوم. وقسم قال أطاق أي تكلفه بمشقة وصعوبة وتكون الهمزة للسلب يعني سلبت طاقته وجهده. الفعل الثلاثي طاق أي تحمل وأطاق فيها خلاف ما هذه الهمزة؟ هل أطاقه بمعنى قدر عليه؟ أو همزة السلب أي سلب طاقته؟ يعني الذي لا يستطيع الصوم يسلب طاقته بحيث لا يتمكن أن يصوم فيفدي (طعام مسكين) وإذا كانت بمعنى التحمّل يصوم (وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ) الصيام أفضل. الفدية مرهونة بعدم الصيام وعدم الصيام، هو أحد أمرين إذا كان كما يقولون: أنه في أول الاسلام كان المسلمون مخيرين في الافطار ودفع الفدية أو الصوم والصوم خير وإن كان غير ذلك أن الهمزة للسلب تبقى على دلالتها، وليست منسوخة فالذي لا يستطيع أن يصوم، والصوم يسلب طاقته بحيث لا يتمكّن من الصوم، فربّ العالمين رخّص بالفدية كالشيخ الكبير الهِرم والمريض والمسفر. تبقى على دلالتها مستمرة ليس فيها نسخ إذا جُعلت للسلب والحكم عام سارٍ إلى يوم القيامة. والله أعلم....

شاطىء الإبداع

....رمضان أقبل:

إلَى السَّماءِ تجلت نَظْرَتِي وَرَنَتْ    وهلَّلَتْ دَمْعَتِي شَوَقاً وَإيْمَانَا

يُسَبِّحُ اللهَ قَلْبِي خَاشِعاً جـــــذلاً        وَيَمْلأُ الكَونَ تَكْبِيراً وسُبْحَانَا

جُزِيتَ بالخَيْرِ منْ بَشَّرتَ مُحتَسِبًا     بالشَّهر ِإذْ هلَّتِ الأفراحُ ألْوانَا

عَامٌ تَوَلَّى فَعَادَ الشَّهْرُ يَطْلُبُنَا             كَأنَّنَا لَمْ نَكَنْ يَوماً ولاَ كَانَا

حَفَّتْ بِنَا نَفْحَةُ الإيمَانِ فارتفعَتْ  حرارة الشَّوْقِ فِي الوِجْدَانِ رِضْوَانَا

يَا بَاغَيَ الخَيْرِ هَذَا شهرُ مَكرُمَةٍ      أقبِل بِصِدقٍ جَزَاكَ اللهُ إحسَانَاً

أقْبِلْ بجُودٍ وَلاَ تَبْخَلْ بِنَافِلةٍ         واجْعَلْ جَبِينَكَ بِالسَّجْدَاتِ عِنْوَانَا

أعْطِ الفَرَائضَ قدْراً لا تضُرَّ بِهَا           واصْدَعْ بِخَيْرٍ ورتِّلْ فِيهِ قُرْآناً

واحْفَظْ لِسَاناً إذَا مَا قُلتَ عَنْ لَغَطٍ     لاَ تجْرَحِ الصَّوْمَ بالألْفَاظِ  نِسْيَانَا

وصَدِّقِ المَالَ وابذُلْ بَعْضَ أعْطِيَةٍ      لنْ ينْقُصَ المَالَ لَوْ أنْفقتَ إحْسَانَا

تُمَيْرَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُنْفِقُهَا أرْوَتْ               فُؤاداً مِنَ الرَّمْضَاءِ ظَمآناً

وَلَيلَةُ القَدْرِ مَا أدْرَاكَ مَا نِعَم                   فِي لَيْلَةٍ قَدْرُها ألْفٌ بِدُنْيَانَا

أُوْصِيكَ خَيْراً بأيَامٍ نُسَافِرُهَا فِي        رِحْلةِ الصّومِ يَحْيَا القَلبُ نَشْوانَا

فَأَوَّلُ الشَّهْرِ قَدْ أفْضَى بِمَغْفِرَةٍ          بِئسَ الخَلاَئقُ إنْ لَمْ تَلْقَ غُفْرَانَا

وَنِصْفهُ رَحْمَةٌ للْخَلْقِ يَنْشُرُهَا         رَبُّ رَحِيْمٌ عَلَى مَنْ صَامَ حُسْبَانَا

وَآخِرُ الشَّهْرِ عِتْقٌ مِنْ لَهَائِبِهَا          سَوْدَاءُ مَا وَفَّرَتْ إنْسًا وَشَيْطَانَا

نَعُوذُ باللهِ مِنْ أعْتَابِ مَدْخَلِهَا        سُكْنَى لِمَنْ حَاقَ بالإسْلاَمِ عُدْوَانَا

وَنَسْألُ اللهَ فِي أَسْبَابِ جَنَّتِهِ      عَفْواً كَرِيماً وَأَنْ يَرْضَى بِلُقْيَانَا

***********************************************

.....ولكنّ صيدي

للشاعر محمّد اليوسف التميمي

إذا قلتُ شعراً رفعتُ يدي

كصقــرٍ أغـارَ على هُدْهُد

ولكنَّ صيدي سمانُ معانٍ

بها فقتُ شعرَ أبي الأسودِ

فلا تعجبوا إنَّ بأسي شديدٌ

وإنّي انصببتُ على حُسَّدي

ولي سابِحٌ سابِقٌ من نشاطٍ

تــردَّدُ بينَ الثرى والجَدي

إذا ما علوتُ على ظهرِها

كأنّي أغرتُ على الفرقَدِ

ولي همّةٌ فوق نجمِ الثُريّا

وعـــزمٌ أشــدُّ من الجلمَدِ

وكـــم فدفدٍ جبتُهُ بزفــوفٍ

تسلّيـــتُ فيها على الفدفدِ

شـــرابي بهِ الآلُ لا غيرُهُ

وشــــــــعرُ الأوائِلِ في مزودِ

قد اتعبتُ رحلي وأسهرتُ عيني

إذا رقَــدَ النــــاسُ لــمْ أرقُــــــدِ

أبــــاتُ وقلبــــي بـــهِ ما بـــهِ

كأنَّ فــــــــؤاديَ في موقِــــدِ

ولكنّنـــــي للنضـــالِ خُلقـتُ

وللعـــــزِّ والمجـــدِ والســؤددِ

جــريءٌ تقـــدّمتُ مثلَ الهزبرِ

لســــــــتُ أغيبُ عنِ المشهدِ

قــــــنوعٌ إذا فاتـــــني فائِـــتٌ

منَ العيشِ ما عضَّ سنّي يدي

فلستُ أفكِّرُ فيما مضى

ولستُ أُبالي بما في غدي

فيـــــا أمَلَ الروحِ إنَّ أباكِ

غليظٌ شديدٌ على المُعتَدِي

ويا أمـــلَ العمرِ إنَّ أباكِ

إذا قـــعدَ النــاسُ لم يقعُدِ

أنا أسدٌ باسلٌ بالحروبِ

وسيفٌ إذا استُلَّ لمْ يُغْمَدِ

فإنْ يجهلوني فمن جهلِهِم

رشدْتُ إذا الناسُ لمْ ترشُدِ

تغيّرتِ الأرضُ بعدَ الكرامِ

ومـــلَّ الســـقيمُ مـــن العُوَّدِ

فإنْ مُــــتُّ لا تذرفي دمعةً

لأنَّ مماتي بهــــــا مولـــدي

ولكــن قفي فانظري للثريّا

لــعلّ الثريّــــا بها ملحدي

أبواب المجلة

Scroll to Top