العدد السادس

أبواب المجلة

الافتتاحيّة

انطلقت  مجلة  “العريب”  منتصف   2023  وسطع  بريقها  الثقافي  مضيئًا عددًا  من  السّبل  المعرفيّة  في  مجالات اللغة وآدابها ، فهي تحاول  فرض  نفسها  منذ  العدد  “الأوّل”  كواحدة  من  أبرز المجلات  الثقافيّة المتخصصّة  المحكمة  وفق  المعايير المعروفة ، و قد  حظيت  باهتمام  الباحثين،  و باتت لهم  معينًا  غنيًّا  لنشرأبحاثهم  القيمة،  كما  أنّها  فتحت  صفحاتها  أمام  عدد  كبير من  الباحثين  من  الأساتذة  الجامعيين،  و طلاب  مرحلة  “الدكتوراه”  لنشر أبحاثهم  تمهيدًا  لإرسالها  للتقييم  الأكاديميّ دون ذكر أسمائهم .

لقد كان  لنا  شرف  إضافتنا  إلى  “اللجنة  المحكّمة”  للمجلة ، التي  لم  تتوان  يومًا  عن  التّدقيق  المنهجيّ،  و العلميّ  للأبحاث  التي  ترسل  إليها  متحليةً  بالأمانة  العلميّة،  والموضوعيّة  في  مرحلة  ما  قبل  النشر، و ذلك  إلى  جانب  التّدقيق  اللغويّ ، والمراجعة ،و تجدر الإشارة  إلى  أنّ  الإخراج  الفنيّ  قد  أدى  دورًا  مهمًّا  في  إكساب  المجلة  قيمة  مضافة  إلى  رصيدها ....

أخيرًا ، سوف نستمرّ بعد  أن  حفرت  “أوراق  ثقافية”  اسمها  على  لائحة الثقافة  المتخصّصة  من  خلال  غناها  بالأبحاث اللغويّة والأدبيّة  القيّمة  كما  من  خلال  سهر محريرها  المشجعين  على البحث  ، على  الرغم  من  العوائق  الاقتصاديّة  التي  تواجه    الباحثين  و الناشرين  الأكاديميين كافة ، يبقى  أن  ندعو،  وبعفوية  معظم  الباحثين  في  الآداب  وعلوم اللغة إلى  شبك  الأيدي  والأقلام  بالمزيد  من  النشر لكي  تبقى  “العريب”  حاجة  بحثية ثقافيّة  ملحّة .

بلسان مبين

الأمن والأمان في لغة القرآن

أولا: المعنى اللغوي:

لا يمكن أن ندرك أهمية الأمان  دون معرفة مدى تأثير الخوف في نفوسنا وأجسامنا ،فالأمن ضد الخوف، والمأمن: موضع الأمن، والآمن: المستجير ليأمن على نفسه ، والأمان والأمانة بمعنىً، وقد أمنت فأنا آمن، وآمنت غيري من الأمن والأمان ، وأمن كفرح أمنًا وأمانًا بفتحهما، وأمنًا وأمنةً محركتين، وإمنًا بالكسر، فهو أمن وأمين كفرح وأمير، ورجل أمنةٌ كهمزة ويحرك: يأمنه كلُّ أحد في كل شيء، والأمن والأمانة والأمان في الأصل مصادر، ويجعل الأمان تارة اسمًا للحالة التي يكون عليها الإنسان في الأمن، وتارة اسمًا لما يؤمن عليه الإنسان.

ومن خلال ما تقدّم من معانٍ لغويّة يتضح لنا أن كلمة الأمن لها عدة إطلاقات: فهي تعني الطمأنينة وعدم الخوف، أو الثقة والهدوء النفسي، إضافة إلى راحة القلب، وعدم وقوع الغدر ،والخيانة من الآخر.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

عرفه المناوي بقوله: «عدم توقع مكروهٍ في الزمن الآتي، وأصله طمأنينة النفس، وزوال الخوف».

وقال الراغب الأصفهاني: «أصل الأمن: طمأنينة النفس، وزوال الخوف»، ومن خلال هذه المعاني اللغوية والاصطلاحية تبين أن هناك ارتباطًا بينها، فالأمن ضد الخوف، وهو يعني: الأمان ،والطمأنينة والسكون والثقة.

الأمن في الاستعمال القرآني:

وردت مادة (أمن) في القرآن (٨٥٣) مرة، ويخصّنا منها (٤٥) مرة. والصيغ التي وردت هي: الفعل الماضي : قال تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتًا وَهُمْ نائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (99)}. والفعل المضارع: قال تعالى: "قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ “يوسف(11)

والمصدر: قَوْله تعالى " وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْر مِنْ الْأَمْن أَوْ الْخَوْف أَذَاعُوا بِهِ " ثمّ اسم الفاعل: قال تعالى: "وَقَالَ ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ إِن شَاۤءَ ٱللَّهُ آمِنِینَ" وجاء الأمن في القرآن بمعناه في اللغة وهو: طمأنينة النفس وزوال الخوف.من الألفاظ ذات الصلة بالأمن الخوف: والخوف لغة: الخاء والواو والفاء أصلٌ واحدٌ يدل على الذعر والفزع.

الخوف اصطلاحًا: خلاف الأمن، والأمن سكون النفس، والخوف من انزعاجها وقلقها. وهو«غمّ يلحق الإنسان مما يتوقعه من السوء».

الصلة بين الأمن والخوف: يلاحظ أن الخوف جاء على خلاف الأمن، فالعلاقة بينهما علاقة تضاد. والقلق: له صلة بالأمن ،فالقلق لغة: القاف واللام والقاف كلمةٌ تدل على الانزعاج.

القلق اصطلاحًا: حالة انفعالية، تتميز بالخوف مما قد يحدث، والصلة بين الأمن والقلق: القلق يدل على الانزعاج نتيجة الخوف، بخلاف الأمن الذي يدل على الطمأنينة والسكون، فالعلاقة بينهما علاقة تضاد. وأمّا الطمأنينة فلها معنى الأمان والطمأنينة لغة: السكون بعد الانزعاج. والطمأنينة اصطلاحًا: الاطمئنان والثقة، وعدم القلق والقرار.والصلة بين الأمن والطمأنينة: إن الأمن معناه طمأنينة النفس وزوال الخوف، فالعلاقة بينهما علاقة ترادف. ثمّ السكينة: والسكينة لغة: السكون ضد الحركة، سكن الشيء يسكن سكونًا: إذا ذهبت حركته، وأسكنه هو وسكنه غيره تسكينًا، وكل ما هدأ فقد سكن، كالريح والحر والبرد ونحو السكينة اصطلاحًا: هي الطمأنينة والوقار والسكون الذي ينزله الله في قلب عبده عند اضطرابه. الصلة بين الأمن والسكينة: الأمن: طمأنينة النفس وزوال الخوف، والسكينة: الطمأنينة في القلب، والاستقرار، والرزانة، والوقار. أما السلام في لغة: فأصل مادة (سلم) تفيد معنى السلامة من كل شر، والسلامة: أن يسلم الإنسان من العاهة والأذى.

السلام اصطلاحًا: تجرد النفس عن المحنة في الدارين، والصلة بين الأمن والسلام: الأمن: طمأنينة النفس وزوال الخوف، أما السلام: أن يسلم كل واحد منهما أن يناله ألم من صاحبه، مع وزوال المحنة.

الأساليب القرآنية في عرض الأمن؛ تنوعت أساليب القرآن في الحديث عن الأمن، وبيانها فيما يأتي:

أولًا: الامتنان بالأمن:

إن نعمة الأمن من الخوف من أجلّ النعم التي منّ الله بها على العباد، والله سبحانه وتعالى ذكر عن إبراهيم عليه السلام دعاءه في سورة إبراهيم (٣٧-٤١) وذكر أنه طلب في دعائه أمورًا سبعةً.

وكان المطلوب الأول: أنه طلب من الله نعمة الأمان، وهو قوله: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ" [البقرة: ١٢٦].

والابتداء بطلب نعمة الأمن في هذا الدعاء يدلّ على أنه أعظم أنواع النعم والخيرات، وأنه لا يتم شيءٌ من مصالح الدين والدنيا إلّا به، وسئل بعض العلماء: الأمن أفضل أم الصحة؟ فقال: الأمن أفضل ، وإن الله تعالى ذكر امتنانه على عباده بتلك النعمة الجليلة في غير ما آية من كتاب الله تعالى، ومن صور الامتنان بنعمة الأمن في القرآن الكريم ما يأتي:

١- الامتنان على أهل مكة :وتكرر ذلك في أكثر من موضع في القرآن، ومن ذلك:

قوله تعالى: "أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَكْفُرُونَ" [العنكبوت: ٦٧].

وقال تعالى: (نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا) [القصص: ٥٧].

عن قتادة قال: كان أهل الحرم آمنين يذهبون حيث شاءوا، إذا خرج أحدهم فقال: إني من أهل الحرم لم يتعرض له، وكان غيرهم من الناس إذا خرج أحدهم قتل.

وقال سبحانه: (َلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَٰبِ ٱلۡفِيلِ ۝١ أَلَمۡ يَجۡعَلۡ كَيۡدَهُمۡ فِي تَضۡلِيلٖ ۝٢ وَأَرۡسَلَ عَلَيۡهِمۡ طَيۡرًا أَبَابِيلَ ۝٣ تَرۡمِيهِم بِحِجَارَةٖ مِّن سِجِّيلٖ ۝٤ فَجَعَلَهُمۡ كَعَصۡفٖ مَّأۡكُولِۭ ۝ .) [الفيل: ١ - ٥].

وقال: (إِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ ۝١ إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ ۝٢ فَلۡيَعۡبُدُواْ رَبَّ هَٰذَا ٱلۡبَيۡتِ ۝٣ ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۭ ۝٤.) [قريش: ١ - ٤].

فكلتا السورتين تذكير بنعم الله على أهل مكة، فسورة الفيل تشتمل على إهلاك عدوهم (وهو نوع من تأمينهم) الذي جاء لهدم البيت الحرام أساس مجدهم وعزهم، وسورة قريش تذكر نعمة أخرى اجتماعية واقتصادية، حيث حقق الله بينهم الألفة واجتماع الكلمة، وأكرمهم بنعمة الأمن والاستقرار، ونعمة الغنى واليسار.إنها منطقة الأمان يقيمها الله للبشر في زحمة الصراع، إنها الكعبة الحرام، تقدم في وسط المعركة المستعرة بين المتخاصمين والمتحاربين والمتصارعين والمتزاحمين على الحياة بين الأحياء من جميع الأنواع والأجناس، بين الرغائب والمطامع والشهوات والضرورات، فتحل الطمأنينة محل الخوف، ويحل السلام محل الخصام، وترف أجنحة من الحب والإخاء والأمن والسلام، وتدرب النفس البشرية في واقعها العملي-لا في عالم المثل والنظريات- على هذه المشاعر وهذه المعاني، فلا تبقى مجرد كلمات مجنحة ورؤى حالمة، تعز على التحقيق في واقع الحياة.

-لقد جعل الله هذه الحرمات تشمل الإنسان، والطير، والحيوان، والحشرات بالأمن في البيت الحرام.

ولقد ألقى الله في قلوب العرب -حتى في جاهليتهم- حرمة هذه الأشهر، فكانوا لا يروّعون فيها نفسًا، ولا يطلبون فيها دمًا، ولا يتوقّعون فيها ثأرًا، حتى كان الرجل يلقى قاتل أبيه،  وابنه وأخيه فلا يؤذيه، فكانت مجالًا آمنًا للسياحة، والضرب في الأرض، وابتغاء الرزق. جعلها الله كذلك؛ لأنّه أراد للكعبة -بيت الله الحرام- أن تكون مثابة أمن وسلام، تقيم الناس وتقيهم الخوف والفزع. لقد جعل الله هذه الحرمات منذ بناء هذا البيت على أيدي إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وجعله مثابة للناس وأمنًا، حتى لقد امتن الله به على المشركين أنفسهم إذ كان بيت الله بينهم مثابة لهم وأمنًا، والناس من حولهم يتخطفون، وهم فيه وبه آمنون، ثم هم -بعد ذلك- لا يشكرون الله ولا يفردونه بالعبادة في بيت التوحيد، ويقولون للرسول صلى الله عليه وسلم إذ يدعوهم إلى التوحيد: (نخشى إن اتبعنا ما جئت به من الهدى ، وخالفنا من حولنا من أحياء العرب المشركين ، أن يقصدونا بالأذى والمحاربة ، ويتخطفونا أينما كنا)، فحكى الله قولهم هذا وبيّن حقيقة الأمن والمخافة، فقال: (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [القصص: ٥٧].

وقال تعالى ممتنًا على قريش: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال: ٢٦].

قال قتادة: «كان هذا الحي من العرب أذلّ الناس ذلًا، وأشقاه عيشًا، وأبينه ضلالةً، وأعراه جلودًا، وأجوعه بطونًا، مكعومين على رأس حجرٍ بين الأسدين: فارس والروم، لا والله ما في بلادهم يومئذٍ من شيءٍ يحسدون عليه، من عاش منهم عاش شقيًا، ومن مات ردي في النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلًا يومئذٍ من حاضر الأرض، كانوا فيها أصغر حظًا وأدق فيها شأنًا منهم، حتى جاء الله عز وجل بالإسلام، فورثكم به الكتاب، وأحل لكم به دار الجهاد، ووضع لكم به من الرزق، وجعلكم به ملوكًا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا نعمه، فإن ربكم منعمٌ يحب الشاكرين، وإن أهل الشكر في مزيد الله، فتعالى ربنا وتبارك..

٢- الامتنان على النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وعلى آله، و أصحابه رضوان الله عليهم.

قال الله تعالى: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [آل عمران: ١٥٤].

وقال: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) [الأنفال: ١١].

قال ابن كثير: «يذكرهم الله بما أنعم به عليهم من إلقائه النعاس عليهم، أمانًا من خوفهم الذي حصل لهم من كثرة عدوهم، وقلة عددهم، وكذلك فعل تعالى بهم يوم أحد، كما قال تعالى: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [آل عمران: ١٥٤].

أمّا النعاس فقد أصابهم يوم أحدٍ، وأمر ذلك مشهورٌ جدًا، وأما يوم بدرٍ في هذه الآية الشريفة إنما هي في سياق قصة بدرٍ، وهي دالةٌ على وقوع ذلك أيضًا، وكأن ذلك كان سجية للمؤمنين عند شدة البأس لتكون قلوبهم آمنةً مطمئنةً بنصر الله، وهذا من فضل الله ورحمته بهم، ونعمه عليهم، وكما قال تعالى: (أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ ۝١ وَوَضَعۡنَا عَنكَ وِزۡرَكَ ۝٢ ٱلَّذِيٓ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ ۝٣ وَرَفَعۡنَا لَكَ ذِكۡرَكَ ۝٤ فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا ۝٥ إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرٗا) [الشرح: ٥ - ٦] وعن أنسٍ، عن أبي طلحة رضي الله عنهما قال: «كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحدٍ حتى سقط سيفي من يدي مرارًا، يسقط وآخذه، ويسقط فآخذه».

قال ابن القيم: «وأنزل الله عليهم النعاس أمنةً منه في غزوتي بدرٍ وأحدٍ، والنعاس في الحرب وعند الخوف دليلٌ على الأمن، وهو من الله»

وقال الرازي: «واعلم أن كل نومٍ ونعاسٍ فإنه لا يحصل إلا من قبل الله تعالى، فتخصيص هذا النعاس بأنه من الله تعالى لابد فيه من مزيد فائدةٍ، وذكروا فيه وجوهًا:

أحدها: أن الخائف إذا خاف من عدوه الخوف الشديد على نفسه وأهله فإنه لا يأخذه النوم، وإذا نام الخائفون أمنوا، فصار حصول النوم لهم في وقت الخوف الشديد يدل على إزالة الخوف، وحصول الأمن.

وثانيها: أنهم خافوا من جهاتٍ كثيرةٍ.

أحدها: قلة المسلمين وكثرة الكفار.

وثانيها: الأهبة والآلة، والعدة للكافرين، وقلتها للمؤمنين.

وثالثها: العطش الشديد، فلولا حصول هذا النعاس، وحصول الاستراحة حتى تمكنوا في اليوم الثاني من القتال لما تم الظفر.

والوجه الثالث: في بيان كون ذلك النعاس نعمةً في حقهم، أنهم ما ناموا نومًا غرقًا يتمكن العدو من معاقصتهم، بل كان ذلك نعاسًا يحصل لهم زوال الأعيان والكلال، مع أنهم كانوا بحيث لو قصدهم العدو لعرفوا وصوله، وليقدروا على دفعه.

والوجه الرابع: أنه غشيهم هذا النعاس دفعةً واحدةً مع كثرتهم، وحصول النعاس للجمع العظيم في الخوف الشديد أمرٌ خارقٌ للعادة، فلهذا السبب قيل: إن ذلك النعاس كان في حكم المعجز.

٣-الامتنان على أهل الجنة.

قال تعالى: ({إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (46)) [الحجر: ٤٥ - ٤٦].

وقال: (وَمَا أَمْوَالكُمْ وَلَا أَوْلَادكُمْ بِاَلَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدنَا زُلْفَى) [سبأ: ٣٧].

وقال تعالى: (إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ﴿٥١﴾ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴿٥٢﴾ يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ) [الدخان: ٥١ - ٥٢].

قال ابن القيم: والمقام الأمين: موضع الإقامة، والأمين: الآمن من كل سوء وآفة ومكروه، وهو الذي قد جمع صفات الأمن كلها، فهو آمن من الزوال والخراب وأنواع النقص، وأهله آمنون فيه من الخروج والنغص والنكد، وتأمل كيف ذكر سبحانه الأمن في قوله تعالى" :{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (53) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمنين (55) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأولى ووقاهم عَذابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هو الفَوْزُ الْعَظِيمُ (57)}.

فجمع لهم بين أمن المكان وأمن الطعام، فلا يخافون انقطاع الفاكهة ولا سوء عاقبتها ومضرتها، وأمن الخروج منها فلا يخافون ذلك، وأمن من الموت فلا يخافون فيها موتًا، وبلاغة القول تتجلّى في لاستعارة المكنية التخييلية: في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ}.

أمين من الأمن الذي هو ضد الخيانة، وصف به المكان، بطريق الاستعارة، كأن المكان المخيف يخون صاحبه لما يلقى فيه من المكاره....

٤-الامتنان على أهل سبأ:

قال تعالى: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ۖ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ) [سبأ: ١٨].

قال ابن كثير: «يذكر تعالى ما كانوا فيه من النعمة والغبطة، والعيش الهني الرغيد، والبلاد الرخية، والأماكن الآمنة، والقرى المتواصلة المتقاربة، بعضها من بعضٍ، مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها، بحيث إن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل زادٍ ولا ماءٍ، بل حيث نزل وجد ماءً وثمرًا، ويقيل في قريةٍ، ويبيت في أخرى، بمقدار ما يحتاجون إليه في سيرهم».

وقال ابن عاشور: «وتقديم الليالي على الأيام للاهتمام بها في مقام الامتنان؛ لأنّ المسافرين أحوج إلى الأمن في الليل منهم إليه في النهار؛ لأن الليل تعترضهم فيه القُطّاع والسباع».

فالواجب علينا أن نشكر الله تعالى على هذه النعمة، وأن نعلم أننا سنسأل عنها، كما قال تعالى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [التكاثر: ٨]، ذكر ابن مسعودٍ رضي الله عنه وجماعة أن النعيم: الأمن، والصحة.

ثانيًا: التحذير من الركون إلى الأمن:

قال تعالى: (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ ، أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ، أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف: ٩٧ - ٩٩].

قال الطبري: «يقول تعالى ذكره: أفأمن يا محمد هؤلاء الذين يكذبون الله ورسوله ويجحدون آياته، استدراج الله إياهم بما أنعم به عليهم في دنياهم من صحة الأبدان ورخاء العيش، كما استدرج الذين قص عليهم قصصهم من الأمم قبلهم، فإن مكر الله لا يأمنه، يقول: لا يأمن ذلك أن يكون استدراجًا مع مقامهم على كفرهم وإصرارهم على معصيتهم إلا القوم الخاسرون، وهم الهالكون».

وقال الطاهر ابن عاشور: «واعلم أن المراد بأمن مكر الله في هذه الآية هو الأمن الذي من نوع أمن أهل القرى المكذبين، الذي ابتدئ الحديث عنه من قوله: (وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون) [الأعراف: ٩٤].

ثم قوله: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)  وهو الأمن الناشئ عن تكذيب خبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن الغرور بأن دين الشرك هو الحق فهو أمنٌ ناشئٌ عن كفرٍ، والمأمون منه هو وعيد الرسل إياهم، وما أطلق عليه أنه مكر الله».

وقال تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا (67) أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ۙ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69)) [الإسراء: ٦٧ - ٦٩].

قال في الظلال: «ولكن الإنسان هو الإنسان، فما إن تنجلي الغمرة، وتحس قدماه ثبات الأرض من تحته حتى ينسى لحظة الشدة، فينسى الله، وتتقاذفه الأهواء، وتجرفه الشهوات، وتغطي على فطرته التي جلاها الخطر.....

أفصحنا (صلّى الله عليه وسلّم)

الأمن والأمان في لغة  الحديث الشريف

الأمن في اللغة هو :الأمن من آمن يأمن أمناً؛ فهو آمن، وآمن أمناً وأماناً، اطمأن، ولم يخف، فهو آمن وأمن وأمين، والأمن يعني الاستقرار والاطمئنان، نقول: أمن منه أي سلم منه، وأمن على ماله عند فلان أي: جعله في ضمانه، والأمان والأمانة بمعنى واحد، فالأمن ضد الخوف، والأمانة ضد الخيانة.

أنواع الأمن :

- الأمن الفردي للإنسان ضد أية مخاطر تهدد حياته أو ممتلكاته أو أسرته.

- أمن الوطن ضد أية أخطار خارجية أو داخلية للدولة ،وهو ما يعبر عنه بالأمن الوطني.

- الأمن الجماعي، ويعني اتفاق عدة دول في إطار إقليم واحد على التخطيط لمواجهة التهديدات التي تواجهها داخلياً وخارجياً، وهو ما يعبر عنه " بالأمن الإقليمي".

- الأمن الدولي، وهو الذي تتولاه المنظمات الدولية سواء منها الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي، ودورهما في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.

تعريف الأمن الاجتماعي:" هوالحرص على استغلال كل الوسائل والسبل الممكنة للمجتمع من أجل تأمين الاستقرار في المجتمع، وبهدف حماية مكتسباته المادية والمعنوية ".

وهناك ثلاثة عناصر أساسية متى توافرت زادت قوة الأمن الاجتماعي، ومتى ضعفت تسببت بضعف الأمن الاجتماعي، وهذه العناصر هي : العدالة و المساواة ،وتكافؤ الفرص ،وبذلك يمتد المفهوم العام للأمن الاجتماعي ليشمل كل عناصر ومكونات الأمن الفردي والأمن الجماعي ومكوناته؛ فهو أمن الأمة باعتبارها وحدة واحدة وذلك بتحقيق العصمة والحماية لحقوقها العامة، ومصالحها الجماعية، المتمثلة في وحدتها الدينية والاجتماعية الفكرية، وفي صيانة نظمها وحماية مؤسساتها والحفاظ على مكتسباتها.

وقد تعددت تعريفات الأمن الاجتماعي لدى المفكرين وعلماء الاجتماع ، وفي تعريفه للأمن الاجتماعي يرى مصطفى العوجي في كتابه الأمن الاجتماعي بأن " الأمن الاجتماعي بمفهومه العام يشمل كل النواحي الحياتية التي تهم الإنسان المعاصر، فهو يشمل أول ما يشمل الاكتفاء المعيشي، والاقتصادي والاستقرار الحياتي للمواطن، كما يتناول الأمن الاجتماعي بالإضافة إلى ما سبق تأمين الخدمات الأساسية للإنسان فلا يشعر بالعوز والحاجة، ويشمل الخدمات المدرسية ،والثقافية والرعاية الإنسانية والتأمينات الاجتماعية، والمادية في حال البطالة والتوقف عن العمل، كما يهدف إلى تأمين الرفاهية الشخصية، مايعني تأمين الوقاية من الإجرام والانحراف" . فالأمن ضرورة إنسانية، وفريضة معيشية، لا ينتظم بدونه شأن، ولا يتحقق من غيره هدف دنيوي ولا أخروي، ولذلك قرنه الله بأساسيات الحياة في قوله: ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ) [البقرة: 110]، بل بدأ به قبلها، إذ الأمن ضد الخوف، فالأمن حجر الأساس لمشروع التعمير الحضاري، والاستخلاف البشري، تختل باضطرابه كل شؤون البشر.فلا غرابة أن تكون الأحاديث الشريفة قد اهتمت بقضية الأمن والأمان الاجتماعي فهي قضية الإسلام  ومقصوده الأكبر، فمن خلال الأمن يحفظ مقصود الشرع من الخلق وهي خمسة كما ذكرها العلماء، وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، وقد جاءت السنّة بكل تشريعاتها المختلفة لبسط الأمن على هذه المقاصد العظيمة، وفي جميع مناحي الحياة. وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين أساسيات الأمن، كما في الأدب المفرد للبخاري عن عبيد الله بن محصن الأنصاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أصبح آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده طعام يومه، فكأنما حيزت له الدنيا»  قال المناوي في كتابه فتح القدير :" يعني : من جمع الله له بين عافية بدنه، وأمن قلبه حيث توجّه، وكفاف عيشه بقوت يومه، وسلامة أهله، فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها، بأن يصرفها في طاعة المنعم، لا في معصية، ولا يفتر عن ذكره".  ومن مظاهر اهتمام السنة بالأمن المجتمعي بين الناس: الحث على أن يعم الأمان في التعامل بين الجيران، بحيث يكون الجار أمانا على جيرانه، أما من كان يشكل مصدر خوف وقلق على جيرانه فقد نفى عنه النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان ففي الصحيحين عن ‌أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا يدخل الجنة من لا يأمن ‌جاره ‌بوائقه »، والبوائق هي الظلم والغوائل. ومن مظاهر الأمن المجتمعي في السنة النبوية: أنها تكاد تحصر حقيقة الإسلام والإيمان في تأمين الناس من أذى اللسان واليد تأكيدا على هذا المبدأ العظيم، ففي الصحيحين أيضا ‌عبد الله بن عمرو يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلم من ‌سلم ‌المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه»، وعند الترمذي وابن حبان: "‌والمؤمن من ‌أمنه ‌الناس على أموالهم ودمائهم"  ومن مظاهر الاهتمام بالأمن المجتمعي: الحث المستمر على تفعيل دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو صمام أمان المجتمعات، في المجال الفكري والأخلاقي فانتشار المنكرات، وشيوع الفواحش، وظهور الدعوات المعلنة للإلحاد من أعظم ما يهدد أمن المجتمع، والاحتساب المنضبط بالتعاليم النبوية من أعظم وسائل تخفيف المنكرات، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" متفق عليه، وما نشاهده اليوم من اختلالات أمنية لمجتمعات كانت تنعم بالأمن كان من أسبابه تفريطهم في جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنك، ومن مظاهر الاهتمام بالأمن الاجتماعي في السنة النبوية: الحث على بث روح المحبة والسلام بين أفراد المجتمع الواحد، فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على المحبة وعلى كل ما يعزز روابطها بين أبناء المجتمع فهي أقوى سلاح لتعزيز الأمن في أي مجتمع ففي صحيح مسلم عن ‌أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ ‌أفشوا ‌السلام بينكم »، وفي سنن أبي داود عن ‌المقدام بن معدي كرب الزبيدي، وقد كان أدركه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أحب الرجل أخاه ‌فليخبره ‌أنه ‌يحبه»، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "‌تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر، ولا تحقرن جارة لجارتها ولو شق فرسن شاة".وجعل النبي صلى الله عليه وسلم التعامل الآمن مع المجتمع ببذل الخير له من أعظم الأعمال التي تحقق للمسلم الأمن الأبدي في الجنة، كل ذلك تأكيدا على تعزيز مفهوم الأمن المجتمعي ففي سنن الترمذي أيضا عن علي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة غرفا ترى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها»، فقام أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله؟ قال: «لمن ‌أطاب ‌الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام»، ومن ذلك الحديث المرفوع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني" أخرجه البخاري.  ومن مظاهر الاهتمام بالأمن المجتمعي في السنة النبوية: النهي عن كل تصرف يمس أمن المجتمع، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر ما أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب: الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا". ومن مظاهر الاهتمام بالأمن المجتمعي في الحديث الشريف: إرساء قواعد العدل والمساواة بين الناس، حتى تهدأ النفوس، وتنتهي الشحناء، ويسود الرضا والقناعة، قال صلى الله عليه وسلم: "إنما أهلك الذين قبلكم، انهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" ،ومن مظاهر الاهتمام بالأمن المجتمعي في السنة النبوية: توجيه الراعي والرعية بما يضمن دوام الأمن واستقرار الحال، فوجه ولاة الأمر بتحمل مسؤوليتهم تجاه رعيتهم، من ذلك ما في الصحيحين عن ‌ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته»، وفي صحيح مسلم عن ‌قتادة ، عن ‌أبي المليح: أن عبيد الله بن زياد دخل على ‌معقل بن يسار في مرضه، فقال له معقل: إني محدثك بحديث، لولا أني في الموت لم أحدثك به: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح، إلا لم يدخل معهم الجنة"ووجّه الرعية بالسمع والطاعة بالمعروف، وإذاجاروا فاصدعوا بنصحهم ومعارضتهم سلما، حماية لجانب الأمن المجتمعي ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي، يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه". وهكذا تبقى قضية أمن المجتمع قضية محورية في الخطاب النبوي، ويستمر التركيز عليها حتى آخر مشهد شهده النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كما ورد في سنن ابن ماجة عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع "ألا إن أحرم الأيام يومكم هذا ألا وإن أحرم الشهور شهركم هذا ألا وإن أحرم البلد بلدكم هذا ألا وإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت، قالوا نعم، قال اللهم أشهد".بل لو قال قائل إن قضية الأمن بكل مستوياتها هي قضية السنّة النبويّة بل قضيّة الإسلام لما كان بعيدا عن الحقيقة، ففي كل حكم أو توجيه أو تشريع أبعاد أمنية ملحوظة لكل ذي نظر ثاقب في الشريعة.

كواكب ونجوم

محمود بن عمر بن محمد أبي القاسم الزمخشري.

فخر خوارزم، إمام عصره بلا مدافعة.....

مولده بـ"زمخشر" قرية من قرى خوارزم سنة سبع وستين وأربعمائة. أخذ الأدب عن أبي منصور بمصر، وأظهرَ حُبَّه للغة العربيةِ على الرغمِ من أنّ لُغتَه الأمَ هي اللغةُ الفارسيّةُ، فوضعَ العديدَ من المُؤلَّفاتِ، والكُتبِ في اللغةِ العربيّةِ وصنف التصانيف البديعة، منها:" الكشاف في تفسير القرآن العظيم" لم يصنف قبله مثل، .و"الفائق في تفسير الحديث" و"أساس البلاغة" في اللغة و"ربيع الأبرار" و"فصوص الأخبار" و"متشابه أسامي الرواة" و"النصائح الكبار" و "النصائح الصغار" وضالة الناشد “و"الرائض في علم الفرائض" و"المفصل" في النحو و"مختصره المسمى بالنموذج" و"المفرد والمؤلف" في النحو و"رؤوس المسائل" في الفقه و"شرح أبيات سيبويه" و"المستقصى" في أمثال العرب و"سوائر الأمثال" و"ديوان التمثل" و"شقائق النعمان في حقائق النعمان" و"شافي العي من كلام الإمام الشافعي" رحمه الله و"القسطاس" في العروض و"معجم الحدود" و"المنهاج" في الأصول و"مقدمة الأدب" و "ديوان الرسائل" و"ديوان الشعر" و"الرسالة الناصحة" و"الأمالي"، وغير ذل، .وكان شروعه في "المفصّل" في عاشر رمضان سنة ثلاث عشرة وخمسمائة، وفرغ منه غرّة المحرّم، سنة خمس عشرة وخمسمائة، وجاور بمكة زمانا فكان يسمى "جار الله" لذلك، وتوفي ليلة عرفة، سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة بجرجانية خوارزم، بعد رجوعه من مكة....كان إمام عصره بلا مدافع نحويا زكيا فقيها مناظراً بيانيا متكلماً مناظراً أديباً شاعراً مفسراً من أكابر الحنفية حنفي المذهب معتزلي المعتقد، له في العلوم آثار ليست لغيره من أهل عصره ومن تصانيفه الكشاف في التفسير والفائق في اللغة تفسير الحديث وأساس البلاغة في اللغة وربيع الابرار ومتشابه أساس الرواة والنصائح الكبار والنصائح الصغار والرائض في علم الفرائض والمفصل في النحو والنموذج والمفرد وشرح أبيات سيبويه، وشقائق النعمان وغير ذلك ، وأخذ عنه الزين البقالي محمد بن أبي القاسم وغيره، (قال الجامع) ذكر السمعاني أن زمخشر بفتح الزاي وسكون الخاء بينهما ميم مفتوحة وبعد الخاء شين معجمة قرية كبيرة من قرى خوارزم مثل بليدة وقال المشهور منها محمود بن عمر بن محمد بن عمر أو القاسم كان يضرب به المثل في الأدب والنحو لقى الأفاضل الكبار وصنف التصانيف في التفسير والأحاديث واللغة وظهر له جماعة وأصحاب ، الزمخشري كان متقناً في التفسير والحديث والنحو واللغة والبيان إمام عصره في فنونه وله التصانيف الكبيرة البديعة الممدوحة وقد عد بعضهم منها ثلاثين انتهى. وذكر السيوطي في البغية من تصانيفه المستقصي في الأمثال، وأطواق الذهب وشرح مشكلات المفصل والكلم النوابغ والقسطاس في العروض، والأحاجي النحوية  ، ذَكَرَ التَّاجُ الكِنْدِيُّ أَنَّهُ رَآهُ عَلَى بَابِ الإِمَامِ أَبِي مَنْصُوْرٍ بنِ الجوَالِيقِيّ صاحب كتاب المعرّب،. وَقَالَ الكَمَالُ الأَنْبَارِيُّ: لَمَّا قَدِمَ الزَّمَخْشَرِيُّ لِلْحَجِّ، أَتَاهُ شَيْخُنَا أَبُو السَّعَادَاتِ بنُ الشَّجرِيِّ مُهَنِّئاً بِقدومِهِ، وَقَالَ:

كَانَتْ مُسَاءلَةُ الرُّكبَانِ تُخْبرنِي ...   عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ أَطيبَ الخَبَرِ

حَتَّى الْتَقَيْنَا فَلاَ وَاللهِ مَا سَمِعَتْ ... أُذني بِأَحْسَنَ مِمَّا قَدْ رَأَى بَصْرِي

وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يَنطقِ الزَّمَخْشَرِيُّ حَتَّى فَرغَ أَبُو السَّعَادَاتِ، فَتَصَاغرَ لَهُ، وَعظَّمَهُ، وَقَالَ: إِنَّ زَيدَ الْخَيل دَخَلَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ: "يَا زَيْد! كُلُّ رَجُلٍ وُصفَ لِي وَجَدْتُهُ دون الصِّفَةِ إلَّا أَنْتَ، فَإِنَّك فَوْقَ مَا وُصِفْتَ وَكَذَلِكَ الشَّرِيْفُ"، وَدَعَا لَهُ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ. قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَزَيْنَبُ بنت الشعري، وَرَوَى عَنْهُ أَنَاشيدَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ الخوارزمي، وأبو سعد أحمد ابن مَحْمُوْدٍ الشَّاشِيُّ، وَغَيْرُهُمَ،. وَكَانَ رَأْساً فِي البلاغَةِ وَالعَرَبِيَّةِ وَالمَعَانِي وَالبيَانِ، وَلَهُ نَظْمٌ جَيِّد، .قَالَ يَرْثِي أُسْتَاذَهُ أَبَا مُضَرَ النَّحْوِيَّ:

وقائلةٍ مَا هَذِهِ الدُّرَرُ الَّتِي ...     تُسَاقِطُهَا عينَاك سِمْطَيْنِ سِمْطَيْنِ

فَقُلْتُ هُوَ الدُّرُّ الَّذِي قَدْ حشَا بِهِ ... أَبُو مضرٍ أُذني تَسَاقَطَ مِنْ عيني

وقال:

أَلاَ قُلْ لِسُعْدَى ما لنا فيك من وطر ... وما تطّيبنا النُّجْلَ مِنْ أَعْيَنِ البَقَرْ

فَإِنَّا اقتصرنَا بِالَّذِيْنَ تَضَايَقَتْ ...         عيونُهُم وَاللهُ يَجزِي مَنِ اقتصرْ

مليحٌ وَلَكِنْ عِنْدَهُ كُلُّ جفوةٍ ...            وَلَمْ أَرَ فِي الدُّنْيَا صفَاءً بِلاَ كَدَرْ

وَلَمْ أَنْسَ إِذْ غَازَلْتُهُ قُرْبَ روضةٍ ... إِلَى جَنْبِ حَوْضٍ فِيْهِ لِلمَاءِ مُنْحَدَرْ

فَقُلْتُ لَهُ: جِئنِي بوردٍ وَإِنَّمَا ...        أَردْتُ بِهِ وَردَ الخُدودِ وَمَا شَعَرْ

فَقَالَ انتظرني رجع طرفٍ أجىء بِهِ ... فَقُلْتُ لَهُ هَيْهَاتَ مَا فِيَّ مُنْتَظَرْ

فَقَالَ وَلاَ وردٌ سِوَى الخَدِّ حاضرٌ ...      فَقُلْتُ لَهُ إِنِّيْ قَنِعْتُ بِمَا حَضَرْ

ومدحه ابن دهاس السليماني فقيه مكة، فقال:

جميع قرى الدنيا سوى القرية التي ...            تبوأها داراً فداء زمخشرا

وأحرى بأن تزهو زمخشر بامرئ ... إذا عدّ في أسد الشرى زمخ الشرى

وفي ليلة عرفة سنة 538 هـ / 1143 م في جرجانية خوارزم، بعد رجوعه من مكة....

قضايا لغويّة ونحويّة

تطور معاني الألفاظ، وعلاقته بالمعجم

نحن في حاجة ماسة إلى ما يمكن تسميته( ذاكرة الألفاظ العربية) بدءاً من تاريخ ظهور الكلمة، واستعمالها وتاريخ تطورها، وتحولها واختلاف دلالاتها، وأزعم أن القائمين على معجم الدوحة التاريخي يعون أهمية رسم صورة واضحة لتطور الذاكرة المعجمية العربية، وذلك بتتبع الكلمات العربيّة في المعاجم التي ألفت على امتداد تاريخ اللغة العربية وصولاً إلى وقتنا الحاضر، وتدوين تاريخ كلّ كلمة، ولدي ثقة في العلماء العرب الذين يمثـّلون معظم البلدان العربية، والذين انتخبوا للإشراف على مشروع (معجم الدوحة التاريخي للغة العربيّة )في الوصول إلى حلم العرب اللغوي: معجم تاريخي لغوي شامل مقنن يخضع لقانون الحاجة إلى تطوّر اللغة بتطوّر المعاني ـــــــ

كما نعلم، التفكير الإنساني دائماً معرّض للتغيّر، والتحوّل، والحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسيّة التي بُنيت على التفكير الإنساني تتأثر بهذا التغيّر، وكون الألفاظ هي التي تعبّر عن هذا التفكير فلابدّ لها من الخضوع للتطوّر والتغيّر.

إنّ الألفاظ أشبه شيء بكائن حيّ، تنمو بنموّ الحياة الاجتماعيّة، وتتحرّك بتحرّكها، والمعاني التي هي علاقة متبادلة بين اللفظ، والمدلول تنمو ـ طبعاً ـ بنموّ الألفاظ وتغيرها، وتأسيساً على هذا تحيا ألفاظٌ وتموت أخرى، وتتبدل مفاهيم بعض الألفاظ بمفاهيم أخرى؛ لأنّ الحياة الإنسانيّة تحتاج في حقبة من الزمن إلى  لفظ ومدلوله الخاص، وتحتاج في حقبة أخری إلى مدلول آخر؛ فلابدّ من تطوّر دلالة الألفاظ لهذه الحاجة الإنسانية، وإذا لم تتطوّر اللغة، فإنّ عوامل الفناء تتغلّب عليها.

وللتطور الدلالي أنواع منها:

- تعميم الدلالة،  فلفظ الوَغى الذي یُطلق على اختلاط الأصوات في الحرب، ثمّ كثر فصارت الحرب وَغىً..

- تخصيص الدلالة، فكلمة رثّ كانت تطلق على كلّ شيء خسیس، وأصبحت تستعمل فقط فیما یُلبس،  ویفترش من الثیاب...

مثلها كلمة الجرعة من أي سائل تعني في الإنجليزية، والفرنسية السمّ، ولكنها تعني في الأصل Poison ، ثم تطور استعمالها وتحدد مدلولها بالجرعة السامة.

 -انحطاط الدلالة، فكلمة حاجب كانت تعني في المشرق العربي البّواب، واستعملت في الأندلس بمنزلة ما نطلق علیه الیوم رئيس الوزراء، ولكن انحطَّت بعد ذلك ورجعت إلى أصل مدلولها، انحطّ معنى كلمة وزیر في الأندلس لتعني الشرطي..!

-رقي الدلالة، فكلمة فردوس مثلاً المأخوذ من الفارسيّة تعني الوادي، والإسطبل. والبستان، ولكنّها في القرآن الكریم اكتسبت معنى أرقى بدلالتها على الجنة، وكذلك المجد  في الأصل امتلاء بطن الدابة من العلف، ثم ارتقت فأصبحت تطلق على الحرص الزائد على الكرم، وشتان بین العلف، والكرم.....

كلمة مارشال تعني الآن رتبة عسكریة عالیة لم تكن تعني في الأصل سوى خادم الإسطبل...

- انتقال الدلالة، فكلمة (قطار) العربیة التي تدلّ على قافلة الإبل، وانتقلت دلالتها إلى مجموعة من العربات التي تقودها قاطرة، ویبدو أن هذا الانتقال قد حصل من وجه الشبه الحاصل بین تتابع الإبل و راء حادیها، وبین تقاطر العربات وراء القاطرة ، وكذلك الأفن انتقل من قلة لبن الناقة، أو نقصه إلى نقص العقل في الرجل الذي یقال عنه إنه مأفون، والألفاظ ـ في مبدأ أمرها ـ ليست إلا جثثاً هامدة يبعث المتكلّم فيها الحياة متأثراً بمجتمعه، وعوامله النفسية، فالكلمات لا تدلّ بذاتها على شيء، ولكن المفكّر يستعملها، فيصبح لها معنى؛ إنّ كلمة «طعن» في العربية كانت تستعمل في العصر الجاهلي للضرب بالرّمح، ثم استعملت بعد الإسلام في علم الحديث ، والرواية؛ فيقال: «فلان مطعون في روايته»، ثم استعملت في العصر الحديث بمعنى قضائي خاص كالطّعن في الدعاوى، والانتخابات، وبقيت هذه المعاني كلّها ملازمة للكلمة يعيّن أحدَها سياق الكلام ،إن هذه المعاني التي تتوالى على الكلمة الواحدة قد ينسخ الثاني منها الأول، والتالي السابق، وقد يتفرّع بعضها من بعض، وتتصل بالمعنى الأصلي للكلمة بنوع من الصلة، وقد يبقى هذا المعنى الأصلي مستعملاً مع المعاني الأخرى، أو يكون منسياًّ مهملاً، على سبيل المثال كلمة «الصفي» كانت قبل الإسلام بمعنى الغنائم، لكنّها بعد الإسلام لم تطلق على ذلك المعنى قطّ ،واستعملت بمعنى المنتخب، والمختار، ويحدث «التطور الدلالي» تدريجياً في غالب الأحوال، لكنه قد ينتهي آخر الأمر بتغير كبير في المعنى، وإنّ تغيّرات المعاني غالباً ما تكون صدى لتغيّر الميول الاجتماعية، وتغيّر الحياة الإنسانية ومسايرتها للزّمن؛ فينتج عنه اتّساع التطور عند لغويي العصر الحديث بمعنى مطلق التغيير سواء أكان هذا التغيير سلبياً أم إيجابياً ، ويعرض هذا التطور طبيعياً إيجابياً إذا كان نتيجة تأثر بحضارة أمة من الأمم، وكذلك للنظم والعقائد والتقاليد والعادات أثر في ذلك، كما أن للمستوى الثقافي، والبيئة أثر لا يقلّ عن ذلك أبداً ، واللّغتان العربية، والفارسية نموذجان من اللغات التي تأثرت إحداهما بالأخرى على مرّ العصور، وهو تأثر أدّى إلى التطور الدلالي في بعض مفردات هاتين اللّغتين....

ولمجامع اللغة العربية نشاط ملحوظ في إحياء الممات يتلخّص في التشجيع على الاستفادة من ممات العربية فيما استجد من المعاني والمصطلحات وإحياء ما يلائم روح العصر منه، والحد من تسرب الدخيل المعاصر إلى اللغة، ليكون أحد الوسائل النافعة التي يمكن أن تمدّ العربية بكلمات جديدة تدعو إليها الحاجة ومقتضيات العصر.

لظاهرة موت الألفاظ في اللغة العربية مصطلحات متعددة عند اللغويين القدامى، مثل: (الممات) و (المتروك) و (المهجور) وهي مترادفة في معناها إلى حد كبير.

وقريب منها: (الحوشي) و (النادر) و (الشارد) و (الغريب)

مجامع اللغة - في الجملة - تنظر إلى تراث العربية القديم بما فيه من حوشي ومهجور، وممات نظرة احترام وتقدير، وتدعو إلى استثمار ذلك الرصيد الوافر لتنمية اللغة والاستعانة به في المصطلحات شرطَ أن يعالجه لغويون متخصصون، لا يتقيدون بالمعنى القديم لتلك الألفاظ، فقد يعمدون إلى نزع دلالي كامل يطبق على بعض تلك الألفاظ المماتة مثلما فعل العلماء الأوربيون الذين هجموا على الممات في اللاتينية، واشتقوا منه كثيراً من مصطلحاتهم بعد تحوير المعنى اللغوي القديم، وتضمينها المعنى العلمي الجدي، .ويبدو هذا الرجوع إلى القديم واضحاً عند محمود تيمور الذي استعمله كثيراً في (معجم الحضارة) الذي تتميز مصطلحاته بقدمها ومحافظتها.

ملحوظة:أفعال مبنية للمعلوم جاءت على صورة المبني للمجهول!. هناك أفعال سمعت من العرب مبينة للمجهول لفظا ، ولكنها مبينة للمعلوم حقيقة ومعنى ، ويعرب الاسم المرفوع بعدها فاعلا  (لانائب فاعل)  من هذه الأفعال : عُني : بمعنى اهتم ، وزُهِي : بمعنى تكبّر ، وفُلِج : أصابه الفالج ، وحُمّ : أصيب بالحمى ، وسُلَّ : أصابه السل ، وجُنَّ : ذهب عقله ، غُمّ الهلال : احتجب ، وأُغمِي عليه :أي غُشِي عليه ، وشُدِهَ : أي تحير ، وامتقع أو انتقع لونه : أي تغير ،دُهِش  - شُغِف - هُزِل - أُهرِع -  أُغرم- أولع- استشهد - هُرِع- نُفس ( في قولنا نُفِست المرأة ) - وُعِك - قُحِطَ - بُهِتَ- شُغِلَ- غُشِي ( غشي الرجل)، نموذج إعرابي :

شُغف الفؤاد بجارة الجنب :::: فظللت ذا أسف وذا كرب

شٌغِف : فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الاعراب

الفؤاد: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره

قضايا أدبية ودراسات نقدية

الحداثة الشعرية، حداثة العاجزين :

تجلس ساعتين تستمع لأمسية شعرية وتخرج، وأنت لم تفهم شيئا من غموض الكلام الملفق ، ومهما كان مبلغ علمك وشهادتك وخبرتك  فلا سبيل لفهم شيء مما تسمعه...الأمور تدخل ببعضها بشكل عجيب ...النملة تحمل الفيل ، والفيل يخرج من عينها ، والسفن تبحر في الصحراء بسرعة البرق ، والأسماك تغرق في المحيطات من قلة خبرتها في العوم فتموت ضحية جهلها بفن السباحة، وباسم الحداثة يغطي الشعارير على عجزهم في إصابة المعنى، وسبك الجملة الشعرية ... لكن من يصدق أن الباطنية هي من ابتدعت هذه الحداثة قبل أكثر من ألف سنة... قد يبدو كلامي غريبا، أو أن فيه قصدا مادامت الشعوبية اليوم تقود ما يسمى بحركة الحداثة، وليس لها من الحداثة شيء، بل هي شيء من التحريف والتخريف والهذيان المرضي يساندها الإلحاد بكل قواه السياسية والثقافية والاجتماعية لأهداف مفضوحة للجميع ...

جاء في العقد الفريد ٢/ ٢٤٨ في حديثه عن الكيسانية وأخواتها من الفرق الباطنية أنّ رجلا من الباطنية (الحسبانية)- فرقة صوفيّة -دخل على المأمون، فقال لثمامة بن أشرس: كلمه ، فقال له ماتقول؟ وما مذهبك؟ فقال: أقول : إن الأشياء كلها على التوهم والحسبان، وإنما يدرك منها الناس على قدر عقولهم ، ولا حق في الحقيقة. فقام ثمامة فلطمه لطمةً سوَّدت وجهه. فقال : يا أمير المؤمنين، يفعل بي مثل هذا في مجلسك؟! فقال ثمامة: وما فعلت بك؟ قال : لطمتني، قال: ولعل إنما دهنتك بالبان، ثم أنشأ يقول:

ولعل آدم أمُّــــــــنا ***         والأبَّ حوا في الحسابْ

ولعل ما أبصرت من ***    بيض الطيور هو الغرابْ

وعساك حين قعدتَ قمتَ       وحين جئتَ هو الذهابْ

وعسى البنفسج زنبقا **      وعسى البهار هو السذابْ

وعساك تأكل من (....)        وأنتَ تحســــــبُه كبابْ

فانظروا منذ متى، وهذا الأسلوب موجود، وقد ورثه الغرب عن الباطنية المجوسية وسوقوه إلينا باسم الحداثة (وليعذرني الأخوة عن خطأ المصطلح لغويا واعذروهم فهم ليسوا عربا كي يفهموا معنى لفظة حداثة، وليتهم عادوا إلى المعاجم، أو إلى استعمال أبي تمام للفظ الحداثة في شعره وهم يزعمون أنهم استندوا إلى مذهبه الشعري في الغموض والرمزية، وأنى لهم هذا ؟! )

يقول أبو تمام الطائي:

يبيتُ قلبي من هواك على الطوى ** ورحلت من بلد الصبابة والجوى

هيهات كنت من الحداثة والصبا **    في غفلةٍ إنَّ الهوى يُنسي الهوى

ثم فتشوا عمن بدأ هذا اللون من الكتابة من عام 1920 حتى عهد أدونيس عضو لجنة الأدب  في فرنسا الذي لايجيد قراءة بيت من الشعر العربي قراءة سليمة، ويعترف بلسانه أنه لا يجيد نظم بيت واحد موزون على أي بحر ؛ لتروا أنهم جميعا لا ينتمون إلى العروبة والإسلام .....

مستشارك اللغوي ( أخطاء وتصويبات)

أقف عند رأي في مسألة "الأخطاء الشائعة" في اللغة العربية،  وهو عن ضرورة التحري قبل إصدار الحكم في القضايا المتعلقة بهذا الموضوع، لأن ما يراه بعضُنا خطأً ربما يكون صواباً، ثم إنّ هناك مقولةً مُفادُها أنّ صوابَ اليوم خطأُ الأمس، وخطأُ اليوم صوابُ الغد. وبعبارة أخرى، نريد أن نقول إنَّ اللغة تتطوّر بتطوّر أهلها وتطور أساليب عيشهم وتعاملهم مع مُسْتَجِدّات العصر، والمطلوب هو مسايرة هذا التطوّر بكيفية تجعلنا نطوّر لغتنا ونجعلها مرآة للمجتمع تعكس، بواقعية، ما يجري داخله ، في مختلِف أنماط عيشه وفي تواصله مع العالم، دون أن تفقد لغتنا العربية خصائصها الجوهرية المرتبطة بتراثنا العربيّ التليد، لأن اللغة ليست أداةَ تواصل وحَسْب ولكنها –في الوقت نفسِه-وعاءٌ للفكر والثقافة والتراث، ورمزٌ للهُويَّة.

ونظراً إلى أنَّ اللغةَ العربية لغةٌ سَماعيةٌ قبل أن تكون قياسيةً، وبما أنَّ السماعَ يُرجَعُ فيه إلى كُتُب اللغة، لا إلى كُتُب النحو والصرف، فإننا ننصح القارئ الكريم بالاهتمام باللغة، والجمع بين الأصالة والمعاصرة. وتَقتضي الأصالة، الرجوع إلى التراث المدوَّن في أُمَّهات كتب اللغة، للاطلاع على ما جَرَى استعمالُه في زمن الاحتجاج، لأنّ الكلام ليس كله على درجة واحدة من الفصاحة، فمنه الأفصح، والفصيح، والقليل، والنادر، والشاذّ. وفي الوقت نفسه، تقتضي المعاصرة الانفتاح على الأساليب الجديدة، دون أن نتنكَّر لما استُعمِل في زمن الاحتجاج، وما جَرَى تَقْيِيسُه –بعد ذلك- في قواعد النحو والصرف التي لولاها لما صمدت لغتنا في وجه ما عرفته البشرية من اختلاط في الألسن وما ترتَّب على ذلك من تفشٍّ للحن.

ومن جهة أخرى، فإننا لا نريد أن نُضَيِّق على الكاتب أو المتحدِّث بحيث يَتَصوَّر أنّ اللغة العربية لغة معقَّدة وأنّه من الصعب التعامل معها والتحكم فيها. إننا نريد، باختصار شديد، أن نتجنب الخطأ الفاحش وأن نترفَّعَ عن الأسلوب الركيك، وأن نلتزم –قدر المستطاع- بالصحيح الفصيح،  ونورد في هذا السياق، أمثلة ممّا يرد في لغة الصِّحافة (العربية المعاصرة) مما لا نَسْتَسيغُه –دون أن نُخطّئه كلَّه– مع ملاحظة أن هذه الأمثلة سَجَّلْناها بصفة عشوائية، لأنها وليدةُ ما نسمعه أحياناً من أفواه الناس أو ما نطالعه في الصُّحُف. يُضاف إلى ذلك أننا لم نتوقّف عند شرح هذه الأمثلة لِنُبَيِّن الأحكام المتعلقة بجوانب الخطإ والصواب فيها، حتى لا يتضخّم الموضوعُ ونُصبح أمام مُؤَلَّف في اللغة والنحو والصرف.

الأمثلة: استلم رسالة. الفصيح: تسلّم رسالة(يقال: استلَم الحاجُّ الحجرَ الأسودَ). بضاعة مُباعة. الصواب: بضاعة مَبِيعَة. عمل مُناط بفلان. الصواب: عمل مَنُوط بفلان. مُصاغ من كذا. الصواب: مَصُوغ من كذا(من الصياغة). مَعْفِي من الضرائب. الصواب: مُعْفًى من الضرائب. جَنَّ(بفتح الجيم) الرجلُ. الصواب: جُنَّ(بضم الجيم) أي أصابه الجنون. جَنَّ(بفتح الجيم): أخفى وستر. سوف لن يصل فلان غدا. الصواب: لن يصل فلان غدا(بحذف سوف). الخبر الغير صحيح. الفصيح: الخبر غير الصحيح. وقع في مأزَق(بفتح الزاي). الصواب: في مأزِق(بكسر الزاي). رَبَحَت(بفتح الباء) تجارته. الصواب ربِحَت(بكسر الباء). استأجر شُقة(بضم الشين). الفصيح: شَقة(بفتح الشين). الغُش(بضم الغين). الصواب: الغِش(بكسر الغين). الفَراسة(بفتح الفاء). الصواب: الفِراسة(بكسر الفاء). المَساحة(بفتح الميم). الفصيح: المِساحة(بكسر الميم). زرت أنحاءَ كثيرة من البلاد. الصواب: أنحاءً(لأنها غير ممنوعة من الصرف). رأيت أشياءً. الصواب: أشياءَ(هذه ممنوعة من الصرف، أي غير منونة). نَفَذَ صبرُه(بفتح الفاء وبالذال بدلا من الدال). الصواب: نَفِد صبره(بكسر الفاء وبالدال بدلا من الذال). هذا المشروع يُعَدّ الأولُ(بضم اللام). الصواب: يُعَدّ الأولَ(بفتح اللام). إنّ في هذه الإجراءات نوعٌ(بضمتين على العين) من البطء. الصواب: نوعًا(بكسرتين على العين). كان في هذه الإجراءات نوعًا(بفتحتين على العين) من البطء. الصواب: نوعٌ(بضمتين على العين). مَناخ(بفتح الميم). الفصيح: مُناخ(بضم الميم) إذا كان المقصود، الجو، وليس المكان الذي تُناخ فيه الإبل. وأنبه على أن منهجية مكتب تنسيق التعريب في اختيار المصطلحات ووضعها، تقتضي تفضيلة الكلمة العربية على الكلمة المعرّبة (التعريب: إدخال الكلمة الأجنبية بلفظها إلى اللغة العربية مع صبغها بصبغة عربية). مثال ذلك:

الْحَاسُوبُ، بدلا من: الْكُومبيُوتَرْ.

المِفْرَاسُ (السكانير)، بدلا من: السَّكَانِيرْ.

النَّاسُوخُ (الفاكس)، بدلا من: الْفاكْس.

الشَّابِكَةُ (الإنترنت)، بدلا من: الْإنْتَرْنَتْ.

التّقانَة (التكنولوجيا)، بدلا من: التّكْنُولوجيا.  ملحوظة: المصطلحات الأربعة الأخيرة أَجَازَتْهَا مؤتمرات التعريب وأضفناها، هنا، للتعريف بها، ونقترح عند ورودها في نصّ أن يُوضع المصطلح الأجنبيّ بلفظه بين قوسين إلى أن يكتسب المصطلح العربيالشيوع أو يفشل في ذلك، فالجيِّد يَفرِض نفسَه. مع ملاحظة أن مصطلح "الحاسوب" أصبح شائعاً.

1- يَقُولُونَ: (وَضَعتُ الكُتُبَ عَلَى المكتَبِ فَوقَ بعضِهَا وَالصَّوَابُ: (وَضَعتُ الكُتُبَ بَعضَهَا فَوقَ بَعضٍ) والسَّبَب؛ لأنَّ العبَارَةَ الأولَى تُفيدُ أنَّكَ وَضَعتَ كُلَّ الكُتُبِ فَوقَ بَعض منهَا، وَهَذَا لا يَتَأتَّى، إذْ مِنْ أينَ (بَعضهَا) التي وَضَعتَ عَلَيهَا الكُتُبَ كُلّهَا؟ فَفِي العبَارَة تَنَاقُضٌ، وإذَا قُلتَ: وَقفَ الجُنُودُ وَرَاءُ بَعضهِم، كَانَ الأسلُوبُ خَطَأً أيضًا، إذْ فيه تَنَاقُضٌ كَالسَّابق، وَالصَّوَابُ قَوْلُكَ: وَقَفَ الجُنُودُ بَعضُهُم وَرَاءَ بَعضٍ.

2- يَقُولُونَ: (هَذَانِ بَنَّايَان مَاهِرَان) وَالصَّوَابُ: (هَذَانِ بنَّاءَان أوْ بنَّاوَان مَاهِرَان) والسَّبَب؛ لأنَّ الاسمَ الممدُودَ إذَا كَانَتْ هَمزَتُهُ مُنقَلبَة، عَنْ أصلٍ (يَاء أو وَاو) فَإنَّنَا نُبقِي عَلَيهَا أو نُبدُلُهَا ِوَاواً.

3- يَقُولُونَ: (نَحنُ –بَائعُو الخبز- نَتَظَلَّمُ) وَالصَّوَابُ: نَحنُ-بَائعِي الخبز- نتَظَلَّمُ) والسَّبَب؛ لأنَّهُ يَجِبُ نَصبُ الاسم التَّالِي (لِنَحنُ) عَلَى الاختصَاص، إذَا كَانَ اسمًا ظاهِرًا (معرَّف بأل أو مُضَاف إلَى مَعرفَة)؛ وَذَلكَ لِبَيَان المقصُود منهُ.

4- يَقُولُونَ: (شَطبَ الكَاتبُ بَعضَ كَلماتٍ فِي مَقَالِهِ) وَالصَّوَابُ: (شَطبَ الكَاتبُ عَنْ بَعضِ كَلماتٍ فِي مَقَالِهِ) والسَّبَب؛ لأنَّ (شَطَبَ) فعلٌ لازمٌ لا يَتَعَدَّى بنَفسه كَمَا يَظُنُّ بَعْضُ الأُدَبَاءِ.

5- يَقُولُونَ: (انعَقَدَ مَجلسُ الوزَرَاء السَّاعَةَ الحَاديَةَ عَشرَة وَثَلاثينَ دَقيقَة) وَالصَّوَابُ: (انعَقَدَ مَجلسُ الوزَرَاء السَّاعة الحَاديَةَ عَشرَة والثَّلاثِين دَقيقَة أوْ الدَّقيقَة الثَّلاثِينَ) والسَّبَب؛ لأنَّ المعطُوفَ والمعطُوفَ عَلَيه إذَا كَانَا عَدَدَينِ وَجبَ أنْ يَتَّحِدَا فِي التَّعريف والتَّنكير.

6- يَقُولُونَ: (جَاءَ تَميمٌ ثُمَّ جَاءَ يَاسرٌ بَعدَ ذَلكَ) وَالصَّوَابُ: (جَاءَ تَميمٌ ثُمَّ يَاسرٌ، والسَّبَب؛ (يَجُوزُ حَذفُ الفعل الثَّانِي) وَحَذف (بَعدَ ذَلَكَ) وُجُوبًا؛ لأنَّ العطفَ (ثُمَّ) يَحملُ المعنَى نَفسَهُ.

7- يَقُولُونَ: (كَانَ لِي فُلانٌ بِمَثَابَةِ الأخ) وَالصَّوَابُ: (كَانَ لِي فُلانٌ كَالأخ) والسَّبَب؛ لأنَّ وُجُود (بِمَثَابَة) أفسَدَ المعنَى؛ لأنَّهَا تَأتي فِي الجُملَة بِمعنَى: لمنْزِل أوْ مُجتمَع النَّاس بَعدَ تَفَرُّقهم أوِ الجَزَاء، قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة] مَثَابَة فِي الآيَة: مُجْتَمَعُ النَّاس.

8- يَقُولُونَ: (عَادَتْ المجنّدات الجَريحَاتُ إلَى مَيدَان المعرَكَة) وَالصَّوَابُ: (عَادَتْ المجنّداتُ الجَرحَى) والسَّبَب؛ لأنَّنَا نَقُولُ: رَجُلٌ جَريحٌ وامرَأةٌ جَريحٌ، وَلَمَّا كَانَ المؤنَّثُ لا تَلحَق آخرَهُ التَّاءُ المربُوطَةُ، فَإنَّنَا لا يِحقّ لنَا أنْ نَجمَعَهُ جَمعَ مُؤنَّث سَالِمًا.

8- يَقُولُونَ: (انتَصَرَتْ الجُيُوشُ الإسلامِيَّةُ أجمَعُهَا أو بِأجْمَعِهَا) وَالصَّوَابُ: (انتَصَرَتْ الجيُوشُ الإسلاميَّةُ أجمَع) والسَّبَب؛ لأنَّ لفظَةَ (أجمَع) منْ ألفَاظ التَّوكيد المعنَوىِّ الَّتِي لا تُضَافُ أبَدًا، ولا تَدْخُل عَلَيهَا البَاءُ، والأفصَحُ أنْ تَسبقَهَا كَلمَةُ (كُلّ) مُضَافَة إلَى ضَميرٍ مُنَاسبٍ للمؤَكّد، قَالَ الله تَعَالَى: {فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} (سورة الحِجْر)

9- يَقُولُونَ: (وُلِدَ فى جُمَادَى الأوَّل) وَالصَّوَابُ: (وُلِدَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى) والسَّبَب؛ لأنَّ كُلَّ شهُورِالسَّنة تَلزَمُ حَالةَ التَّذَكِيرِ إلاَّ جُمَاديين، فَإنَّهُمَا مُؤَنَّثَان، وَيُخطِئ -أيضًا- مَنْ يقُولُ: جُمَادَى الثَّانية، فالصَّحيحُ: جُمَادَى الآخِرَة، وجَمعُ جُمَادَى: جُمَادَيات أو جِمَاد، وَقَدْ تُذَكَّرُ  ..

10- يَقُولُونَ: (يُحَاكَمُ فُلانٌ عَلَى جُنْحَةٍ ارتَكَبَهَا، وَالصَّوَابُ: (يُحَاكَمُ فُلانٌ علَىَ جُرْمٍ أو جُنَاحٍ) والسَّبَب؛ لأنَّ الجُنَاحَ بِمعنَى إثم ارتَكَبَهُ صَاحِبُهُ، قَالَ الله تَعَالَى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكيمًا} "النساء"

11- يَقُولُونَ: (فُلانٌ ذُو صَوت جَهُوْرِيٍّ، وَالصَّوَابُ: (فُلانٌ ذُو صَوتٍ جَهْوَرِىٍّ أوجَهِيرٍ) والسَّبَب؛ لأَنَّ أَصْلَ الفِعْلِ (جَهْوَرَ)، يُقَالُ: جَهْوَرَ فُلانٌ، أي: رَفَعَ الصَّوتَ بالقَول، أي: أظهَرَهُ، وَوَرَدَ فِي القُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}(طه)

12- يَقُولُونَ: (فُلانٌ حَجَّ إلَى البَيتِ الحَراَم) وَالصَّوَابُ: (فُلانٌ حَجَّ البَيتَ الحَرَام) والسَّبَب؛ لأنَّه يَحجُّهُ حِجًّا، أي: يَقْصُدُهُ، قَالَ الله تَعَالَى: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا(البقرة)، وَنَقُولُ أيضًا: رَجُلٌ حَاجٌّ وَقَومٌ حُجَّاجٌ وَحَجيجٌ.

13- يَقُولُونَ: (وُلِدَ فِي مُحَرَّم) وَالصَّوَابُ: (وُلِدَ فِي المحَرَّم) وَفِي مُستَدرَكِ التَّاجِّ أنَّ هَذَا الشَّهرَ الهجرِيَّ الوَحيدَ الذي أدخَلَ عَلَيه العَربُ (أل) منْ دُونَ الشهُور الأُخَر.

14- يَقُولُونَ: (السَّهْل والحَزَن، وَالصَّوَابُ: (السَّهْل والحَزْنُ) وَالسَّبَبُ؛ لأنَّ الحَزَنَ مثلُ الحُزْنِ نَقيض الفَرَح والسُّرُور، قَالَ تَعاَلىَ: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}[فاطر ] وقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف] أمَّا الحَزْن فَهُوَ مَا غَلظَ وارتَفَعَ منَ الأرضِ، وجَمْعُهُ حُزُون وحُزُن وَهِيَ نَقيضُ السَّهل (أرض مُنبَسِطَة).

15- يَقُولُونَ: (أَقَامَ فُلانٌ بَينَنَا رَدَحًا قَصيرًا مِنَ الزَّمَن) وَالصَّوَابُ: (أَقَامَ بَينَنَا زَمنًا قَصيرًا، والسَّبَب؛ لأنَّ (الرَّدَحَ) هُوَ المدَّةُ الطويلَة، يُقَالُ: أَقَامَ رَدَحًا مَنَ الدَّهر، أَي: طَوِيْلاً.

16- يَقُولُونَ: (رَزَقَهُ اللهُ بالمَالِ، وَالصَّوَابُ: (رَزَقَهُ اللهُ المَالَ) قال الله تَعَالَى: {أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ} [يس47] أَيْ: أنَّ الفعلَ (رَزَقَ) مُتَعَدٍّ.

مَا يَتَوَهّمُ عامِّيته، وَهُوَ فَصِيحٌ:

مَخبُول=تَائِه العَقْلِ

المَدَاس=الحِذَاء

رَجُل مُرَقَّع=كَثِير التَّجَارِب

رَيَّلَ=سَالَ لُعَابُه

زَغْزَغَ=غَمَزَهُ بِيَدِهِ

سَكَّ البَابَ=أغْلَقَهُ

أشْرَم=مَشْقُوق الأنْفِ

صَهْد الشَّمْس=شِدَّة الحَرَارة

صِيْر=سُمَيْكَات صَغِيرَة

طَخَّهُ=رَمَاهُ بِالنَّار

أَطْرَش=أصَمّ

العَتْمَة=الظَّلام

بِئرغَوِيط=بَعِيدَة العُمْقِ

فَلَّى=نَظَّفَ رَأسَهُ

كَحْكَحَ=تَقَدَّمَ فِي السِّنِّ

كَشَحَهُ=رَدَّهُ

تَلَجْلَجَ=تَرَدَّدَ فِي كَلامِهِ

فُلانٌ لَخْمَة=قَلِيل الحِيْلَة

إخِّي، أَوْ كِخْ= الشَّيء القَذِر

اصْطَبْل، اسطبل = مَكَان خَاصّ بِالخُيُولِ

إيْه =زِدْنِي في الحَدِيث

بَجَّ كَرشَهُ =طَعَنَهُ فَوَسَّعَ الطَّعنَة

بَرْطَلَ =رَشَاهُ رِشْوَة

بَرْطَمَ =تَكَلَّمَ في غَضَب

البِنْج =نَبَات مُسَكِّن لِلألم

تَعْتَعَ =حَرَّكَهُ بِقِوَّة

تَهْتَهَ بِهِ لَكْنَة

جَخَّ =بَالَغَ في الأمْرِ

جَرَّسَ - فُلان شَهَّرَ بِهِ

جَعْجَعَ =عَلا صَوتُهُ

جِلْف =غَلِيظ جَافّ

جَلْوَة العَرُوس =الزِّينَة يَومَ الزِّفَاف

حَرْجَمَ =دَارَ حَوْلَهُ

حِشْمَة =ذَات حَيَاء

الحَنَش =الثُّعْبَان الكَبِير

خَرَّفَ =يَهْذِي بِكَلِمَات

لفظ، ومعنى!..

قال تعالى:"مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ "

  ما معنى كلمة طوبى؟

في اللغة:طوبى اسم تفضيل مؤنث ووزنها فُعْلى ، والمذكر الأطيب من الفعل طَابَ – يَطِيْبُ - طيباً " أي: يكون مرغوباً ونافعاً وباعثاً للرضى والقبول والسرور...

و يذكر أن طُوبَى اسم شجرة في الجنة،،  ويقال طُوبَى لك ،و طُوبَاكَ أيضا وقد استَعْمَلَ طُوبَاكَ في شِعْره :

في القر، الكريم:

"الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب) "الرعد"

 أي :الأطيب من الثواب والمصير لهم ،ووردت في الحديث الشريف:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ )  وغريب أي :قلة من يعينه، و يتمسك به.

في الشعر:

 قال ابن المُعْتَزّ:

مرَّ بِنَا سَحَراً طيرٌ فَقُلْتُ لَه ... طُوبَاكَ يا لَيْتَنَا إِيَّاكَ طُوبَاكَ

مامعنى كلمة غرابيب؟

في اللغة: غرابيب جمع مفرده غربيب أي حالك السواد أشتقت من غَرَبَ – يَغْرُبُ غروباً أي: يختفي بنزوله خلف ساتر أسود مظلم...والغرب من المشترك اللفظي يحمل عدة معانٍ

والغِربيب أيضا: الأسود، كأنّه مشتقٌّ من لون الغُراب، وأَسودُ غُرابيٌّ وغِرْبيبٌ شديدُ السوادِ، وجمع غراب: غربان ،و أغربة ومن أغربة العرب الشنفرى صاحب لامية العرب ،وعنترة الفارس المشهور صاحب المعلقة..

وغروب الأسنان  :ريق ثناياها..

في القرآن الكريم: قال تعالى:

"ألم ترى أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود(27) "فاطر

في الشعر: قال عنترة :

إِذ تَسْتَبِيكَ بِذِي غُرُوبٍ واضِحٍ ... عَذْبٍ مُقْبَّلُه لَذِيذ المَطْعَمِ

 وفي حديث عائشة (رض)، لـمّا  نَزَلَ قولُه تعالى: ولْيَضْرِبْنَ بخُمُرِهِنَّ على جُيوبِهِنَّ: فأَصْبَحْنَ على رؤوسِهِنَّ الغِرْبانُ. شَبَّهَتِ الخُمُرَ في سوادها بالغِرْبان، جمع غُراب..

كما قال الكميت:  زَمانَ عَليَّ غُرابٌ غُدافٌ  *  فطَيَّرَهُ الشَّيْبُ عنِّي فطارا

 إِنما عَنى به شِدَّةَ سوادِ شعره زمانَ شَبابِه.

ويُزَاد عَلَيْه أَيْضاً الغُرُوبُ : جمع غَرْبٍ وهي الوَهْدَةُ المُنْخَفِضَة . ولِله دَرُّ الخَلِيل ابْنِ أَحْمَد حيثُ يَقُولُ : في معاني الغروب

يا وَيْحَ قَلْبِي من دَوَاعِي الهَوى ... إِذْ رحَل الجِيرَانُ عِنْد الغُرُوبْ

 أَتْبَعْتُهم طَرْفي وقد أَزْمعُوا ... ودَمْعُ عينيّ كفَيْضِ الغُرُوبْ

 بَانُوا وفِيهِم طفْلَةٌ حُرَّةٌ ... تفتَرُّ عن مِثْل أَقَاحِي الغُرُوبْ

ما معنى كلمة سَدِرَ؟ في اللغة: سَدِرَ بَصَرُه سَدَراً فهو سَدِرٌ: لم يكد يبصر.

ويقال: سَدِرَ  البعيرُ، بالكسر، يَسْدَرُ سَدَراً تَحيَّرَ من شدة الحرّ، فهو سَدِرٌ. ورجل سادر: وتكلم سادراً غير متثبت..وسَدَرَ ثَوْبَه يَسْدِرُه سَدْراً وسُدُوراً: شَقَّه

والسادِرُ: المتحير.

والسَّدَرُ، بالتحريك: كالدُّوارِ، وهو كثيراً ما  يَعْرِض لراكب البحر.

السِّدْرُ: شجر النبق، واحدتها سِدْرَة وجمعها سِدْراتٌ وسِدِراتٌ  وسِدَرٌ وسُدورٌ.. وسِدْرَةُ المُنْتَهى في السماءِ السابعةِ..والسُّدَيْر : عين ماء بالحِجَازِ..

شاطىء الإبداع

القصيدة التي منعت من النشر"

"مسافرون" ألقاها الشاعر الدمشقي نزار قباني في مهرجان المربد الخامس في بغداد عام 1985، وقد أحدثت ضجة كبيرة داخل الأوسط الأدبية،  لجرأتها في حينها.

وكان التعتيم والتشويش عليها ؛ إذْ منعت من الصدور في الصحف آنذاك..!

 وقنوات الإعلام... كانوا ينتظرون من نزار قصيدة مدح على غرار الشعراء السابقين،،،

فكانت القصيدة عكس ذلك ، قصيدة تتكلم عن الواقع المرير الذي مر ويمر بنا

 "مسافرون"

مسافرون نحن في سفينة الأحزان

قائدنا مرتزق

وشيخنا قرصان

مواطنون دونما وطن

مطاردون كالعصافير على خرائط الزمن

مسافرون دون أوراق، وموتى دونما كفن

نحن بغايا العصر...

كل حاكم يبيعنا ويقبض الثمن

نحن جواري القصر

يرسلوننا من حجرة لحجرة

من قبضة لقبضة

من مالك لمالك

ومن وثن إلى وثن

نركض كالكلاب كل ليلة

من عدن لطنجة

ومن طنجة الى عدن

نبحث عن قبيلة تقبلنا

نبحث عن ستارة تسترنا

وعن سكن

وحولنا أولادنا احدودبت ظهورهم وشاخوا

وهم يفتشون في المعاجم القديمة

عن جنة نظيرة

عن كذبة كبيرة… كبيرة

تدعى الوطن

أسماؤنا لا تشبه الأسماء

فلا الذين يشربون النفط يعرفوننا

ولا الذين يشربون الدمع والشقاء

معتقلون داخل النص الذى يكتبه حكامنا

معتقلون داخل الدين كما فسره إمامنا

معتقلون داخل الحزن، وأحلى ما بنا أحزاننا

مراقبون نحن في المقهى..وفي البيت

وفي أرحام أمهاتنا

لساننا..مقطوع

ورأسنا..مقطوع

وخبزنا مبلل بالخوف والدموع

إذا تظلمنا إلى حامي الحمى قيل لنا: ممنـــوع

وإذا تضرعنا إلى رب السما قيل لنا: ممنوع

وإن هتفنا..يا رسول الله كن في عوننا

يعطوننا تأشيرة من غير ما رجوع

وإن طلبنا قلماً لنكتب القصيدة الأخيرة

أو نكتب الوصية الأخيرة قبيل أن نموت شنقاً

غيروا الموضوع...

يا وطني المصلوب فوق حائط الكراهية

يا كرة النار التى تسير نحو الهاوية

لا أحد من مضر، أو من بني ثقيف

أعطى لهذا الوطن الغارق بالنزيف

زجاجة من دمه، وبوله الشريف

لا أحد على امتداد هذه العباءة المرقعة

أهداك يوماً معطفاً أو قبعة

يا وطنى المكسور مثل عشبة الخريف

مقتلعون نحن كالأشجار من مكاننا

مهجرون من أمانينا وذكرياتنا

عيوننا تخاف من أصواتنا

حكامنا آلهة يجري الدم الأزرق في عروقهم

ونحن نسل الجارية

لا سادة الحجاز يعرفوننا..ولا رعاع البادية

ولا أبو الطيب يستضيفنا..ولا أبو العتاهية

إذا مضى طاغية

سلمنا لطاغية

مهاجرون نحن من مرافئ التعب

لا أحد يريدنا

من بحر بيروت إلى بحر العرب

لا الفاطميون..ولا القرامطة

ولا المماليك…ولا البرامكة

ولا الشياطين..ولا الملائكة

لا أحد يريدنا

لا أحد يقرؤنا

فى مدن الملح التي تذبح فى العام ملايين الكتب

لا أحد يقرؤنا

فى مدن صارت بها مباحث الدولة عرّاب الأدب

مسافرون نحن في سفينة الأحزان

قائدنا مرتزق

وشيخنا قرصان

مكومون داخل الأقفاص كالجرذان

لا مرفأ يقبلنا

لا حانة تقبلنا

كل الجوازات التي نحملها

أصدرها الشيطان

كل الكتابات التي نكتبها

لا تعجب السلطان

مسافرون خارج الزمان والمكان

مسافرون ضيعوا نقودهم.. وضيعوا متاعهم

ضيعوا أبناءهم.. وضيعوا أسماءهم.. وضيّعوا انتماءهم..

وضيعوا الإحساس بالأمان

فلا بنو ( ... ) يعرفوننا.. ولا بنو قحطان

ولا بنو ربيعة.. ولا بنو شيبان

ولا بنو ‘لينين’ يعرفوننا.. ولا بنو ‘ريجان

يا وطني.. كل العصافير لها منازل

إلا العصافير التي تحترف الحرية:

"فهي تموت خارج الأوطان".

 

أبواب المجلة

Scroll to Top